سرية زيد بن حارثة إلى أم قرفة




كانت هذه السرية في رمضان سنة ست من الهجرة، وسببها: أن زيد بن حارثة رضي الله عنه خرج في تجارة إلى الشام ومعه بضائع لأصحاب النبي (وهذه أول مرة خرج فيها أحد من أصحاب رسول الله في تجارة إلى الشام)، فلما كان بوادي القرى لقيه ناس من فزارة من بني بدر فضربوه وضربوا أصحابه وأخذوا ما كان معهم، وقدم على رسول الله فأخبره فبعثه إليهم في جيش فأحاطوا بمن وجدوه من بني فزارة فقتلوهم وأخذوا (أم قرفة) وهي بنت ربيعة بن بدر الفزاري، وكانت ملكة رئيسة وذات شرف في قومها وكانت عجوزا كبيرة فأسرها قيس بن المحسر، وقيل: ابن سحل فقتلها قتلا فظيعا، ربط رجليها بحبلين ثم ربطهما إلى بعيرين حتى شقها، وإنما قتلها كذلك لسبّها رسول الله وقيل: لأنها جهزت ثلاثين راكبا من ولدها وولد ولدها، وقالت لهم: اغزوا المدينة واقتلوا محمدا، وقدم زيد بن حارثة من وجهه ذلك فقرع باب النبي فقام رسول الله إليه وهو يجر ثوبه حتى اعتنقه وقبله وسأله فأخبره بما ظفر به.
ذكر هذه الغزوة الواقدي وذكرها السيد دحلان في الجزء الثاني من كتاب السيرة النبوية، وإني أشك في تفاصيل القصة بهذه الصفة، أشك في اسم قيس هذا الذي أسر أم قرفة فقد قيل: إنه ابن المحسر، وقيل: ابن سحل، وقيل: ابن المحسن، وأشك في أن أحدا من أصحاب رسول الله يمثل بامرأة ويقتلها هذا القتل الشنيع مع العلم بأن رسول الله نهى عن المثلة، وأوصى عبد الرحمن بن عوف حين أرسله إلى دومة الجندل فقال: «اغزوا جَميعا في سَبيلِ اللَّهِ فقَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ باللَّهِ وَلاَ تَغُلُّوا وَلاَ تَغْدِرُوا وَلاَ تُمَثِّلُوا وَلاَ تَقْتُلُوا وَلِيدا فَهذا عَهْدُ اللَّهِ وَسِيرَةُ نَبِيِّهِ فِيكُمْ».
وليس بين سرية عبد الرحمن بن عوف وسرية زيد بن حارثة إلى أم قرفة غير شهر واحد.
وسيأتي في سرية عبد الله بن عتيك أن رسول الله نهاهم أن يقتلوا وليدا أو امرأة.
وعلى كل حال لا يمكن أن يبلغ النبي قتل أم قرفة على هذه الصورة الشنعاء من غير أن يبدي استياءه، لذلك كان ما روي من التمثيل بأم قرفة مردودا.