وجميع المصادر الأجنبية تنكر هذه المحاورات التي جرت بين هرقل وأبي سفيان مما يدل على ميله إلى الإسلام لأنه كان عريقا في المسيحية متمسكا بها فلا يتصور أن يقول لأبي سفيان: «لئن كنت صدقتني عنه ليغلبنّي على ما تحت قدميَّ هاتين ولوددت أني عنده أغسل قدميه» ولا يمكن أن يدعو قومه إلى اتباع النبي وترك النصرانية وهو رئيسها في وقت كان يحتفل فيه باسترداد الصليب الأعظم من الفرس.
2 - كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحارث بن أبي شمر الغساني

بعث رسول الله شجاع بن وهب الأسدي إلى الحارث بن أبي شمر الغساني وكان أميرا بدمشق من جهة قيصر ومعه كتاب رسول الله ص وهذا نصه:
(بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى الحارث بن أبي شمر، سلام على من اتبع الهدى وآمن بالله فإني أدعوك إلى أن تؤمن بالله وحده لا شريك له يبق ملكك) وختم الكتاب.
قال شجاع: فانتهيت فوجدته مشغولا بتهيئة الضيافة لقيصر وقد جاء من حمص إلى إيلياء حيث كشف الله عنه جنود فارس شكرا لله تعالى.
قال شجاع: فأقمت على بابه يومين أو ثلاثة فقلت لحاجبه: إني رسولُ رسول الله ص فقال حاجبه: لا تصل إليه حتى يخرج يوم كذا وكذا، وجعل حاجبه يسألني عنه ص وما يدعو إليه فكنت أحدثه فيرق حتى يغلبه البكاء ويقول: إني قرأت في الإنجيل وإني أجد صفة هذا النبي بعينه وكنت أظنه يخرج بالشام فأراه خرج بأرض القَرَظ فأنا أؤمن به وأصدقه وأنا أخاف من الحارث بن أبي شمر أن يقتلني، وكان هذا الحاجب روميا اسمُه مرى.
قال شجاع: وكان يكرمني ويحسن ضيافتي ويخبرني باليأس من الحارث ويقول وهو يخاف قيصر، قال: فخرج الحارث يوما فوضع التاج على رأسه فأذن لي عليه فدفعت إليه الكتاب فقرأه ثم رمى به وقال: من ينتزع مني ملكي؟ أنا سائر إليه ولو كان باليمن جئته، عليّ بالناس فلم يزل جالسا حتى الليل وأمر بالخيل أن تنعل ثم قال: أخبر صاحبك بما ترى، وكتب إلى قيصر يخبره بخبري فصادف قيصر بإيلياء وعنده دحية رضي الله عنه وقد بعثه رسول الله ص فلما قرأ قيصر كتاب الحارث كتب إليه ألا تسر إليه وَالْه عنه ووافني بإيلياء.
ولما بلغ النبي ص خبره قال: «باد ملكه» ويفهم من هذا أنه لم يسلم.
3 - كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كسرى عظيم الفرس كسرة أبرويز


كتب رسول الله ص إلى كسرى أبرويز بن هرمز وبعث بالكتاب مع عبد الله بن حذافة السهمي لأنه كان يتردد على كسرى كثيرا، وهذا نص الكتاب:
(بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس، سلام على من اتبع الهدى وآمن بالله ورسوله وشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلى الناس كافة لينذر من كان حيا، أسلم تسلم، فإن أبيت فعليك إثم المجوس) أي إثم أتباعك.
فمزق كسرى كتاب رسول الله ص فقال رسول الله: «مزق الله ملكه».
ويلاحظ في هذا الكتاب أن النبي ص قال فيه: «وإني رسول الله إلى الناس كافة» وفي هذا ردّ على مَن زعم من المستشرقين وغيرهم أن محمدا أرسل إلى العرب فقط ويؤيد ذلك قوله تعالى: {وَمَآ أَرْسَلْنَكَ إِلاَّ كَآفَّةً لّلنَّاسِ بَشِيرا وَنَذِيرا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} (سبأ: 28).
ثم كتب كسرى إلى أمير له باليمن يقال له: «باذان»: أن ابعث إلى هذا الرجل الذي بالحجاز رجلين من عندك جلدين فليأتياني به، فبعث «باذان» قهرمانه وهو «بابويه»، وكان كاتبا حاسبا بكتاب فارس وبعث معه رجلا من الفرس يقال له: «خرخسرة» وكتب معهما إلى رسول الله ص يأمره أن ينصرف معهما إلى كسرى وقال لبابويه: ائت بلد هذا الرجل وكلمه وأتني بخبره فخرجا حتى قدما الطائف فوجدا رجالا من قريش بنخب من أرض الطائف فسألاهم عنه فقالوا هو بالمدينة، واستبشروا بهما وفرحوا وقال بعضهم لبعض: أبشروا فقد نصب له كسرى ملك الملوك، وكفيتم الرجل فخرجا حتى قدما على رسول الله ص فكلمه بابويه، فقال: إن شاهنشاه ملك الملوك كسرى قد كتب إلى الملك باذان يأمره أن يبعث إليك من يأتيه بك وقد بعثني إليك لتنطلق معي فإن فعلت كتب فيك إلى ملك الملوك ينفعك ويكفه عنك وإن أبيت فهو من قد علمت فهو مهلكك ومهلك قومك ومخرب بلادك، ودخلا على رسول الله ص وقد حلقا لحاهما وأعفيا شواربهما فكره النظر إليهما ثم أقبل عليهما فقال: ويلكما من أمركما بهذا؟ قال: ربنا - يعنيان كسرى -، فقال رسول الله: «لكن ربي أمرني بإعفاء لحيتي وقص شاربي»، ثم قال لهما: «ارجعا حتى تأتياني غدا»، وأتى رسولَ الله ص الخبرُ من السماء أن الله قد سلط على كسرى ابنه (شيرويه) فقتله في شهر كذا وكذا ليلة كذا وكذا بعدما مضى من الليل كذا وكذا.
قال الواقدي: «قتل شيرويه أباه كسرى ليلة الثلاثاء لعشر ليال مضين من جمادى الأولى من سنة سبع لست ساعات مضت منها».
فدعاهما فأخبرهما فقالا: هل تدري ما تقول إنا قد نقمنا عليك ما هو أيسر من هذا أفنكتب هذا عنك ونخبره الملك؟ قال: نعم أخْبِراه ذلك عني وقولا له إن ديني وسلطاني سيبلغ ما بلغ ملك كسرى وينتهي إلى منتهى الخف والحافر وقولا له إنك إن أسلمت أعطيتك ما تحت يديك وملكتك على قومك من الأبناء، ثم أعطى «خرخسرة» منطقة فيها ذهب وفضة كان أهداها له بعض الملوك فخرجا من عنده حتى قدما على باذان فقال: والله ما هذا بكلام ملك وإني لأرى الرجل نبيا كما تقول ولتنظرن ما قد قال فلئن كان هذا حقا ما فيه كلام، إنه لنبيّ مرسل، وإن لم يكن فسنرى فيه رأينا.
إسلام باذان

لم ينشب باذان أن قدم عليه كتاب شيرويه وهو:
«أما بعد: فإني قد قتلت كسرى ولم أقتله إلا غضبا لفارس لما كان استحل من قتل أشرافهم وتجميرهم في ثغورهم فإذا جاءك كتابي هذا فخذ لي الطاعة ممن قبلك وانظر الرجل الذي كان كسرى كتب فيه إليك فلا تهجه حتى يأتيك أمري فيه»، فلما انتهى كتاب شيرويه إلى باذان قال: إن هذا الرجل لَرسول، فأسلم وأسلمت الأبناء معه من فارس من كان منهم باليمن فكانت حمير تقول لخرخسرة ذو المعجزة للمنطقة التي أعطاها إياها رسول الله ص والمنطقة بلسان حمير المعجزة فبنوه اليوم ينسبون إليها خرخسرة ذو المعجزة، وقد قال بابويه لباذان: ما كلمت رجلا قط أهيب عندي منه، فقال له باذان: هل معه شرط؟ قال: لا.
ولما أسلم باذان ولاه النبي ص على مخاليف اليمن وكان منزله بصنعاء دار مملكة التبابعة وبقي حتى مات بعد حجة الوداع، فولى النبي ص ابنه (شهرْ) بن باذان على صنعاء وولى على كل جهة واحدا من الصحابة رضوان الله عليهم.
ثم ملك الله المسلمين ملك كسرى وخزائنهم وأموالهم في خلافة عمر رضي الله عنه ومزقهم الله كل ممزق تحقيقا لدعوته ص
وقد أنكر الأستاذ نورث (C.R. North) في كتابه الذي أسماه موجزا عن الإسلام (An outline of Islam) طبعه سنة 1934 م ص 34: أن رسول الله ص أرسل كتابا إلى امبراطور الروم وآخر إلى امبراطور الفرس وزعم أن ذلك ليس له أساس تاريخي، وهكذا ينكر مؤرخو الفرنجة حتى الحقائق الثابتة.