غزوة خيبر محرم سنة 7 هـ





أغسطس سنة 628 م
خيبر واحة كبيرة على ثمانية برد من المدينة إلى جهة الشام (والبريد اثنا عشر ميلا عربيا فتكون المسافة كلها 96 ميلا عربيا).
وسكان خيبر يهود، وهي ذات حصون ومزارع ونخل كثير، وكان سكانها غير مجتمعين في صعيد واحد بل كانوا متفرقين في الوديان المجاورة ويقطنون بيوتا حصينة وسط النخيل وحقول القمح، وكانت خيبر مركزا لدسائس اليهود الذين هاجروا إليها.
حصون خيبر

حصون خيبر الأساسية ثلاثة، وكل منها مؤلف من عدة حصون وهي كالآتي:
1 - حصون النطاة وهي أربعة: (النعام - الصعب - الكتيبة - بقلة).
2 - حصون الشِّق، اثنان: (حصن أُبيّ - وحصن البري).
3 - حصون الكتيبة وهي ثلاثة: (حصن القموص - الوطيح - سُلالم).
قال القزويني: وخيبر موصوفة بكثرة الحمى لا تفارق الحمى أهلها وكان أهلها يهود موصوفين بالمكر والخبث ومنها كان المسؤال بن عادياء المشهور بالوفاء.
كان يهود خيبر رجالا محاربين ولهم عدة حصون منيعة وهي سبعة ذكرناها آنفا، وقد كانوا عدا ذلك أهل مكر وخداع، فأراد رسول الله التخلص من جوارهم كما تخلص من يهود المدينة الذين لجأ بعضهم إلى خيبر.
كانت غزوة خيبر سنة سبع من الهجرة (أغسطس سنة 628 م) وذلك أن رسول الله ص لما عاد من الحديبية أقام بالمدينة ذا الحجة وبعض المحرم من السنة السابعة وولي تلك الحجة المشركون ثم خرج في بقية المحرم إلى خيبر وكان معه 1600 مسلحين تسليحا حسنا، منهم 200 فارس، ويلاحظ أن عدد الفرسان في هذه الغزوة قد ازداد لأنهم لم يكونوا في الغزوات السابقة يجاوزون الثلاثين وذلك بفضل عناية رسول الله بتربية الخيل، وخرج معه من نسائه أم سلمة رضي الله عنها وهي التي كانت خرجت معه إلى الحديبية واستخلف على المدينة سباع بن عرفطة الغفاري واستنفر ص من حوله ممن شهد الحديبية يغزون معه وجاء المخلفون عنه في غزوة الحديبية ليخرجوا معه رجاء الغنيمة، فقال: «لا تخرجوا معي إلا راغبين في الجهاد، فأما الغنيمة فلا» (لأن الغرض الأساسي هو الجهاد لا الغنيمة) وكان الله قد وعد رسوله ص عند انصرافه من الحديبية في سورة الفتح بمغانم كثيرة بقوله تعالى: {وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا} (الفتح: 20).
وفي البخاري عن أنس رضي الله عنه: «أن النبي ص أتى خيبر ليلا فنام هو وأصحابه دونها، ثم ركبوا إليها بكرة فصبحوها بالقتال»، وفي رواية لابن إسحاق: أنه ص لما أشرف على خيبر قال لأصحابه: «قفوا» ثم قال:
«اللهم رب السموات وما أظللن، ورب الأرضين وما أقللن، ورب الشياطين وما أضللن، ورب الرياح وما ذرين، فإنا نسألك خير هذه القرية وخير أهلها وخير ما فيها، ونعوذ بك من شرها وشر أهلها وشر ما فيها أقدموا بسم الله» وسار الجيش أربعة أيام إلى أن وصلوا خيبر.
فلما أصبح خرجت اليهود إلى زروعهم بمساحيهم ومكاتلهم ودفع رايته العقاب إلى الحباب بن المنذر، ودفع راية لسعد بن عبادة، ونزل بواد يقال له الرجيع بينهم وبين غطفان لئلا يمدوهم، وكانوا حلفاءهم ومُظاهرين لهم على رسول الله ص وأن غطفان تجهزوا وقصدوا خيبر، فسمعوا حسا خلفهم فظنوا أن المسلمين خلفوهم في ذراريهم فرجعوا وأقاموا وخذلوا أهل خيبر، وكان أهل خيبر 10.000 مقاتل.
وكان يهود خيبر أدخلوا أموالهم وعيالهم في حصن الكتيبة، وجمعوا المقاتلة في حصن النطاة، وكان النبي ص نزل قريبا من حصن النطاة فأشار عليه ص الحباب بن المنذر بالتحول قائلا: إن أهل النطاة لي بهم معرفة ليس قوم أبعد مدى منهم ولا أعدل رمية منهم وهم مرتفعون علينا وهو أسرع لانحطاط نبلهم ولا نأمن من بياتهم يدخلون في حمر النخل، فتحول رسول الله ص وتحول الناس إلى موضع حائل بين أهل خيبر وغطفان وابتنى هناك مسجدا صلى فيه طول مقامه بخيبر وأمر بقطع نخيل أهل حصون النطاة فوقع المسلمون في قطعها حتى قطعوا 400 نخلة ثم نهاهم عن القطع، فما قطع من نخيل خيبر غيرها، وقاتل ص يومه ذلك أشد القتال وعليه درعان وبيضة ومغفر وهو على فرس يُقال له الظرب في يده قناة وترس وفي ذلك اليوم قُتل محمود بن مسلمة أخو محمد بن مسلمة برحى ألقيت عليه من حصن ناعم، ألقاها عليه مرحب اليهودي وكان الحر في ذلك اليوم شديدا ومكث ص سبعة أيام يقاتل أهل حصن النطاة يذهب كل يوم بمحمد بن مسلمة للقتال ويخلف على محل العسكر عثمان بن عفان رضي الله عنه فإذا أمسى رجع إلى ذلك المحل ومن جرح من المسلمين يحمل إليه ليداوي جرحه، وكان اليهود كعادتهم يحاربون أمام الحصون لأنهم يخشون الحرب في الميدان فإذا انهزموا عادوا إلى حصونهم وأغلقوها دونهم.
ولما كانت الليلة السادسة أتى رجل من يهود خيبر في جوف الليل إلى النبي ص وأخبره أنه خرج من حصن النطاة من عند قوم يتسللون من الحصن في هذه الليلة ويذهبون إلى حصن يجعلون به ذراريهم ويتهيأون للقتال وأخبره أن في حصن الصعب من حصون النطاة، في بيت فيه تحت الأرض منجنيقا ودبابات ودروعا وسيوفا فإذا دخل فيه رسول الله ص أوقفه على أسراره.
وكان رسول الله ص تأخذه الشقيقة في بعض تلك الأيام فيبعث أناسا من أصحابه فلم يكن فتح ومنهم أبو بكر وعمر بن الخطاب.