«يا أيها الناس باب خير، باب خير، أخبركم عن جيشكم هذا الغازي أنهم انطلقوا فلقوا العدو، فقتل زيد شهيدا فاستغفروا له، ثم أخذ الراية جعفر فشد على القوم حتى قتل شهيدا فاستغفروا له، ثم أخذ الراية عبد الله بن رواحة وأثبت قدميه حتى قتل شهيدا فاستغفروا له، ثم أخذ اللواء خالد بن الوليد ولم يكن من الأمراء وهو أمّر نفسه ولكنه سيف من سيوف الله فآب بنصره» فمن يومئذ سُمي خالد: «سيف الله».
قال بعضهم: كون ما وقع يوم مؤتة فتحا ونصرا واضح لإحاطة العدو بهم وتكاثرهم عليهم لأنهم كانوا أكثر من مائتي ألف والصحابة رضي الله عنهم ثلاثة آلاف وكان مقتضى العادة أنهم يُقتلون عن آخرهم.
وفي هذه الغزوة فرت طائفة من الصحابة إلى المدينة لما عاينوا كثرة جموع الروم فصار أهل المدينة يقولون: إنهم «أنتم الفرارون»، ورسول الله ص يقول: «بل هم الكرارون» ولقي هؤلاء الذين رجعوا إلى المدينة شرا حتى إن الرجل يجيء إلى أهل بيته يدق عليهم بابه فيأبون يفتحون له ويقولون: هلا تقدمت مع أصحابك فقتلت؟ حتى إن نفرا منهم جلسوا في بيوتهم استحياء كلما خرج واحد منهم صاحوا به وصار رسول الله يرسل إليهم رجلا، رجلا.
وأول من جاء بخبر الجيش يعلى بن أمية رضي الله عنه فلما قدم قال له النبي ص «إن شئت فأخبرني وإن شئت أخبرتك»، قال: فأخبرني يا رسول الله لأزداد يقينا، فأخبره رسول الله ص الخبر كله ووصف له ما كان فقال: «والذي بعثك بالحق ما تركت من حديثهم حرفا واحدا وإن أمرهم لكما ذكرت»، لكن مستر «موير» اعتبر تلك الرواية التي ذكر فيها أن النبي ص أخبر بما حدث في ساحة القتال قبل أن يصله الخبر خرافة، لأن الخبر كان قد وصل رسول الله من أول رسول أرسله خالد بن الوليد إلى المدينة وعلى ذلك فليست هناك معجزة كما يقول المسلمون، لكنه لم يعلق شيئا على معجزة رسول الله التي تنبأ فيها بإصابة زيد وجعفر وعبد الله بن رواحة قبل أن يذهبوا إلى الحرب وقد أصيبوا جميعا بالترتيب كما ذكر، فكان حقا عليه وهو مؤرخ أن يصرح برأيه في هذه المسألة لا أن يذكرها بلا تعليق ويغض الطرف عنها، والحقيقة أنه لما رأى أن هذه المعجزة واضحة وضوح الشمس في رائعة النهار لم يشأ أن يقرها ويعترف بها.
مواساة رسول الله صلى الله عليه وسلم لآل جعفر

عن أسماء بنت عميس رضي الله عنها زوج جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه، قالت: دخل عليَّ رسول الله يوم أصيب جعفر وأصحابه فقال: «ائتني ببني جعفر» فأتيته بهم فشمهم وذرفت عيناه، وفي رواية: وبكى حتى نقطت لحيته الشريفة فقلت: يا رسول الله بأبي وأمي ما يبكيك؟ أبلغك عن جعفر وأصحابه شيء؟ قال: نعم أصيبوا هذا اليوم، قالت: فقمت أصيح واجتمع عليّ النساء وجعل رسول الله ص يقول لي: «يا أسماء لا تقولي هُجْرا ولا تضربي خدا»، وقال: «اللهم قدمه إلى أحسن الثواب واخلفه في ذريته بأحسن ما خلفت أحدا من عبادك في ذريته».
وخرج رسول الله ص إلى أهله فقال: «لا تغفلوا عن آل جعفر أن تصنعوا لهم طعاما فإنهم قد شغلوا بأمر صاحبهم»، وقيل: إنه دخل على فاطمة وهي تقول: واعماه، فقال: «على مثل جعفر فلتبك البواكي»، ثم قال ص «اصنعوا لآل جعفر طعاما فقد شغلوا عن أنفسهم اليوم»، وهذا الطعام الذي جعل لآل جعفر رضي الله عنه هو أصل طعام التعزية وتسميه العرب «الوضيمة».
ولحسان بن ثابت قصيدة في رثاء جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه.