أبو موسى الأشعري ومعاذ بن جبل بعثهما إلى اليمن




أبو موسى الأشعري واسمه عبد الله بن قيس، أسلم قديما ثم أرسله رسول الله إلى زبيد وعدن فكان عاملا عليهما، واستدل العلماء بإرساله على أنه كان عالما فطنا حاذقا ولولا ذلك لم يوله النبي الإمارة ولذلك اعتمد عليه عمر ثم عثمان ثم عليّ رضي الله عنهم، ونسبته الخوارج والروافض إلى الغفلة وعدم الفطنة لما صدر منه في التحكيم بصفين، وسيأتي ذكر ذلك في كتابنا (علِيّ) رضي الله عنه إن شاء الله.
وأما معاذ بن جبل فهو أحد السبعين الذين شهدوا العقبة من الأنصار وشهد بدرا وأُحدا والمشاهد كلها مع رسول الله وهو أنصاري خزرجي وكان عمره لما أسلم ثماني عشرة سنة، قال رسول الله «خذوا القرآن من أربعة: من ابن مسعود، وأُبيّ بن كعب، ومعاذ بن جبل، وسالم مولى أبي حذيفة».
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله «أرحمُ أمتي بأمتي أبو بكر» وذكر الحديث، وقال: «وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل».
وكان معاذ رضي الله عنه ممن يفتون في عهد رسول الله وكان من أحسن الناس وجها وأحسنهم خلقا وأسمحهم كفا فكثرت ديونه فأرسله رسول الله إلى اليمن وقال: «لعل الله يجبرك ويؤدي عنك دينك».
وفي البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله لمعاذ: «إنك ستأتي قوما أهل كتاب فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فإن هم أطاعوا لك بذلك، فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، فإن هم أطاعوا لك بذلك فإياك وكرائم أموالهم واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب».
وعن معاذ أنه قال: لما بعثني إلى اليمن قال: «قد بعثتك إلى قوم رقيقة قلوبهم، فقاتل بمن أطاعك من عصاك».
ولما بعث رسول الله معاذا خرج يوصيه ومعاذ راكب ورسول الله يمشي تحت ظل راحلته فلمّا فرغ قال: «يا معاذ إنك عسى أن لا تلقاني بعد عامي هذا ولعلك أن تمر بمسجدي وقبري»، فبكى معاذ رضي الله عنه لفراقه، ولم يزل معاذ على اليمن إلى أن قدم في خلافة أبي بكر ثم توجه إلى الشام فمات بها.