أيقظ عواطفك الذكية (1-3)
خلال إبحار سفننا في هذه الحياة لا بد أن نتوقف للحظات لنراقب ما يتولد في أعماق نفوسنا من مشاعر وأحاسيس متقلبة بين سعادة وحزن، سكينة وقلق، رضا واستياء ..والسؤال المطروح دائماً: هل بمقدورنا أن ندير مشاعرنا وانفعالاتنا بالشكل الأمثل ؟
والجواب : بالطبع نعم.
وذلك لأن الإدارة الناجحة لعواطفنا ومشاعرنا هي أساس الإرادة وأساس النجاح الشخصي، ومن هنا فإن إدارة هذه العواطف يعتبر تحدياً خطيراً، فالمشكلة ليست في الحالة العاطفية والشعور نفسه بل في سلامته والتعبير عنه، يقول أرسطو :(أن يغضب أي إنسان، فهذا أمر سهل..لكن أن تغضب من الشخص المناسب، وفي الوقت المناسب، وللهدف المناسب، وبالأسلوب المناسب ..فليس هذا بالأمر السهل..)
من هنا بدأ العلماء في توسيع النظرة الضيقة لفهم مشاعر الإنسان، مُطلِقين مستقبلاً جديداً لتعايش الإنسان مع أحاسيسه ومشاعره وبالتالي انعكاس ذلك على حياته الخاصة وعلاقاته مع الآخرين ، وأطلقوا على هذه الثورة الجديدة مصطلح الذكاء العاطفي.
ما هو الذكاء العاطفي؟
استخدم تعبير الذكاء العاطفي لأول مرة في عام 1990 على يد بيتر سالوفن (بجامعة هارفارد) وجون سايد(بجامعة نيوهام بشاير) وذلك من أجل وصف الخصائص العاطفية اللازمة لتحقيق النجاح وهي:
1- ضبط المزاج

2- تحقيق محبة الأخرين
3-المثابرة أو الإصرار
4- التعاطف أو الشفقة
5-التعبير عن المشاعر
6- حل المشكلات بين الأشخاص
7-القابلية للتكيف
8-المودة والاحترام
وقد عرف سالوفي وماير الذكاء العاطفي على أنه يمثل "مجموعة من عناصر الذكاء الاجتماعي تتضمن القدرة على قيام الفرد بالتحكم في عواطفه وأحاسيسه والتمييز بينها، واستخدام هذه المعلومات لتوجيه تفكيره، وضبط تصرفاته".
أنت مصاب بعدوى المشاعر الطيبة؟
حدثنا السيد دانييل جولمان مؤلف كتاب الذكاء العاطفي عن قصة واقعية حدثت معه : " في أحد الأيام حيث كان يشعر ببعض التوتر والتعب، وفي طريق العودة إلى منزله وعند صعوده الحافلة، استقبله سائق الحافلة بابتسامة لطيفة وكلمات طيبة ..ومن ثم سمعه يرحب بكل راكب بعبارات منعشة: السلام عليكم، مساء الخير، طابت ليلتك يا أخي، ومع أن السائق غالباً لا يحظ بالاهتمام الكافي من الركاب إلا أن شعوراً عاماً بالارتياح بدأ يسري سريعاً كالعبير العطر في أرجاء الحافلة وبدأ ملامسة قلب كل راكب"..هذه القصة حدثت بالفعل مع دانييل جولمان وقد اعتبر هذا السائق مصلحاً ورسول سلام يجوب الشوارع لأنه نشر دون أن يدري فيروس المشاعر الطيبة، وغيّر بعباراته الإيجابية وابتسامته اللطيفة تعباً وتجهماً كان مرسوماً على وجوه راكبي حافلته. ....
وبالتالي يقدم لنا الذكاء العاطفي عملياً الكثير الكثير من خلال استثمار واكتشاف ما نمتلكه من مهارات عاطفية, ولا بد هنا أن نعلم بأن الذكاء العاطفي يرتكز على أربعة جوانب أساسية هي :
• معرفة عواطفنا والتعبير عنها: من خلال قراءة العواطف في تعابير الوجه، أو الصوت، أو مغزى القصص والحكايات، وكذلك في حسن التعبير الدقيق عن هذه العواطف.
• إدارة العواطف للعمليات الفكرية: وذلك بالقدرة على ربط عواطف معينة بحالات عقلية محددة أو بالقدرة على ربط العواطف بآليات التفكير والمحاكمة وحل المشكلات، فالعواطف تقوم على ترتيب الأولويات الفكرية، وتوجيه انتباهنا لأكثر المعلومات أهمية، وبالتالي النضج العاطفي يوجه صاحبه للتفكير بما هو أهم. وهنا لا بد أن نذكر بأن المواقف والتوجهات العاطفية تؤثر على الطريقة التي يتبعها الشخص في حل مشكلة ما، فالسعادة والمرح مثلاً يشجعان على ابتداع حلول جديدة.
• التحليل العاطفي: وذلك بزيادة القدرة على حل المشكلات العاطفية، وتحليل العواطف للتفريق بين العواطف المتشابهة والمتعاكسة، واستخدام هذه المعرفة في الحياة اليومية، ومن المهم جداً أن نمتلك القدرة على تسمية العواطف بأسمائها وتفهم العواطف المتداخلة والمعقدة، كما في حال امتزاج مشاعر الحب بالكره، والخوف بعنصر المفاجأة.
• الإدارة العاطفية: القدرة على تحمل الإنسان المسؤولية الذاتية عن مشاعره وسعادته، والقدرة على تحويل العواطف السلبية إلى عملية تعليمية إيجابية وفرصة للمزيد من النمو، والقدرة على المراقبة الواعية للعواطف الذاتية أو عواطف الآخرين، وحسن إدارتها, وأفضل تطبيق عملي لذلك التخفيف من العواطف السلبية وتقوية العواطف الإيجابية من دون المبالغة فيها.
ومع كل التقدم العلمي والتطور المعرفي الذي شهدته الإنسانية وسعيها الدائم على رفع مستويات التعليم الأكاديمي، وخفض معدلات أمية القراءة والكتابة إلا أن أمية عالمية جديدة قد تغزو مستقبلاً العقول والقلوب إذا لم نتحكم بعواطفنا ومشاعرنا ..إنه شبح الأمية العاطفية الذي يسهل القضاء عليه إذا عرفنا أسبابه وعلاجه المتمثل في تحكمنا بمشاعرنا وأحاسيسنا وامتلاكنا لكفاءة عاطفية ومناعة نفسية عصبية.


***ـــــــــــــــــ&&&ــــــــــــــ***

أيقظ عواطفك الذكية(2-3)
بعد الحديث عن تعريف الذكاء العاطفي والمرتكزات الأربعة التي تمكننا من إدارة مشاعرنا بشكل فعال , نأتي إلى الحديث في هذا المقال عن أهمية الذكاء العاطفي والتي تتمثل في الصلة بين أحاسيسنا وشخصيتنا واستعداداتنا الأخلاقية والفطرية، فإن المواقف الأخلاقية الأساسية في حياتنا تنبع من قدراتنا الانفعالية الأساسية على التأقلم مع هذه المشاعر.
نظرية المناعة النفسية العصبية:
ما هي نسبة الأشخاص الذين يستطيعون بالفعل التغلب على مشاكلهم وهمومهم الحياتية والعودة إلى حياتهم الطبيعية بالحيوية والنشاط المطلوبين؟ هؤلاء الأشخاص الذين يتمتعون بمثل هذه الميزة يوصفون بأنهم أصحاب مرونة نفسية عالية ويكتسبون هذه المرونة من خلال قدرتهم على التعامل مع المواقف العصيبة والأزمات وتجاوزها بنجاح.
ويتم اكتساب هذه المرونة عن طريق رفع الكفاءة النفسية وذلك من خلال رفد العواطف بالقوة الداعمة وهذا المجال الجديد يسمى بنظرية المناعة النفسية العصبية Psycho Neuroimmunology وتقوم الفكرة الأساسية لهذه النظرية في مقدرة العقل على إنتاج العناصر الكيميائية التي تحمي الجسم من الأمراض كما أنه يستطيع التحكم بالعصارات الهضمية العصبية ومستقبلاتها الحسية والتي تتواجد في أجزاء المخ المرتبطة بالعواطف ويتم إرسالها بواسطة العقل إلى الجسم، حتى تخبره بالطريقة التي يستجيب بها.
التطبع أقوى من الطبع:
من الأمثلة العربية القديمة (الطبع غلب التطبع) لكن إذا بقي هذا الطبع متحكماً في الأعصاب ومستنزفاً للطاقات العاطفية فهل نسلّم الأمر له ليبقى قدراً محتوماً ومزعجاً لنا طيلة الحياة, أم يجب علينا أن نتعلم أسلوباً آخراً لنتغلب على هذا الوضع؟!
معظم الناس تتشكل المعالم الأساسية لشخصيتهم عند بلوغ السادسة إلا أن التجارب والأبحاث أثبتت بأن للجهد البشري دور هام في تشذيب وتغيير بعض المعالم الشخصية، فكم من الأشخاص استطاع تغيير نظرته في الحياة أو نظرته إلى العالم وحتى نظرته إلى عقيدته ليعود إلى رشده وصوابه ..وليرفع عالياً الشعار القائل "باستطاعتك التغيير إلى الأفضل فلا تحجّم نفسك في قالب الطبع!.."





تطور الذكاء العاطفي خلال مراحل العمر:
بعد إجراء اختبارات الذكاء العاطفي على (3831) شخص, أظهرت النتائج أن الذكاء العاطفي لهؤلاء الأشخاص يزداد بشكل واضح مع تقدم العمر، ويصل إلى ذروته مع نهايات الأربعين وبدايات الخمسين سنة بينما يصل الذكاء العادي المعرفي إلى ذروته مع نهاية مرحلة المراهقة، ويبقى ثابتاً مع نهايات الخمسين، بالإضافة إلى أن الذكاء المعرفي يميل للانخفاض قليلاً بعد هذا العمر، على عكس الذكاء العاطفي الذي يتجدد ويتطور مع تقدمنا في العمر.

مدارس عاطفية ذكية:
وباعتبار أن اكتساب المهارات العاطفية يسهل في مرحلة الطفولة بدأت إحدى المدارس في الولايات المتحدة الأمريكية بتقديم دروس عن علم أطلق عليه اسم (علوم الذات) ,و تعد المشاعر هي الموضوع الأول والأهم في علوم الذات وهي المحور الأساسي في العلاقات بين الناس.
ويتم لتركيز في مثل هذه الدورات النموذجية على البناء العاطفي للطفل هادفة من ذلك رفع مستوى الكفاءة الاجتماعية والعاطفية لدى الأطفال كجزء من التعليم النظامي، ومثل هذه المهارات التي تتكرر لدى الأطفال تصبح خبرات يعكسها المخ كمسارات قوية وعادات عصبية، يستعملها أوقات التهديد والإحباط والإهانة، ومثل هذه المواد ستولد مناعة نفسية عصبية داخلية ..تماماً كما اللقاح الذي نحصن به أطفالنا من أي مرض.