من عاصر الأشغانيين من ملوك العرب

فكان أوّل من ملك منهم:
مالك بن فهم، وملوك الفرس طوائف، وقد دخل الوهن عليهم، وطمع فيهم.
ثم ملك أخوه عمرو بن فهم.
ثم جذيمة الأبرش بن مالك بن فهم، فقوى أمره، وكان جيّد الرأي، شديد النكاية في الأعداء بعيد المغار. فاستجمع له الملك بأرض العراق، وضمّ إليه العرب، وغزا بالجيوش، وعظّمته العرب، وكنت - عن برص به - ب « الأبرش » وب « الوضّاح »، فكان تفد عليه الوفود، وتجبى إليه الأموال.
وكان عنده غلام من إياد يقال له: عديّ بن نصر بن ربيعة، وضيء، له جمال وظرف، يلي شرابه. فعشقته أخت جذيمة رقاش، وما زالت تحتال، وتواطئه، حتى زوّجها الملك بعديّ في سكره. فوطئها من ليلته وعلقت منه. فلما أصبح جذيمة وعرف الخبر، ندم ندامة شديدة. وعرف عديّ الخبر، فهرب، ولحق بإياد حتى هلك. واشتملت رقاش على حبل، فولدت غلاما وسمّته عمرا. فترعرع الغلام وحسن وبرع، فالبسته وحلّته، وأزارته خاله جذيمة، فأعجب به، وأحبّه، وخلطه بولده، وأمر فطوّق، وهو أوّل عربيّ ألبس طوقا. ثم تزعم العرب أنّ الجنّ استهوته زمانا إلى أن عاد إلى جذيمة. وله خبر.
عمرو بن ظرب

وكان قد ملك بأرض الحيرة ومشار [ ف ] بلاد الشام، عمرو بن ظرب بن حسّان العمليقى. فجمع جذيمة جموعه من العرب ليغزوه. وأقبل عمرو بن ظرب بجموعه من الشام. فالتقوا، واقتتلوا قتالا شديدا، فقتل عمرو بن ظرب، وفضّت جموعه، وغنمه جذيمة وانصرف موفورا. فملكت من بعده ابنته:
الزباء

واسمها نائلة. وكان جنودها بقايا من العماليق، والعاربة الأولى، وقبائل من قضاعة. فلمّا استحكم حكمها، أجمعت على غزو جذيمة الأبرش تطلب بثأر أبيها. واستشارت أهل الرأي، فأشير عليها بالعدول عن الحرب إلى المكر، وأعلموها أنّها امرأة، والحرب سجال بين الرجال، وأنّها لو قد هزمت كان البوار، وأعلموها من غبّ مباشرة مثلها للحرب، ما كرهته.
وأشارت عليها أختها « زنيبة » وكانت ذات دهاء وإرب - أن تأتى الأمر من جهة الخدع والمكر، وأن تكتب إلى جذيمة تدعوه إلى نفسها وملكها.
فقبلت ذلك وكتبت إليه:
أنها لم تجد ملك النساء إلّا إلى قبح في السماع، وضعف في السلطان وقلّة ضبط للمملكة، وأنّها لم تجد لملكها موضعا، ولا لنفسها كفؤا « غيرك. فهلمّ إليّ، واجمع ملكي إلى ملكك، وصل بلادي ببلادك، وتولّ تدبيري كلّه وأمري، لتموت الضغائن والأحقاد، وتزول عن قلوب الناس ما خامرها من العداوات. » فلما انتهى كتاب الزباء إلى جذيمة، وقدم عليه رسلها بمخاطبات شبيهة بهذا المعنى، استخفّه ما دعته إليه، ورغب فيما أطمعته فيه، وجمع أهل الرأي من أصحابه، فاستشارهم. فأجمع رأيهم على أن يسير إليها، ويستولى على ملكها.
وكان فيهم رجل يقال له:
قصير بن سعد

وكان سعد هذا تزوّج أمة تخدم لجذيمة، فولدت له قصيرا، وكان حازما، أريبا، أثيرا عند جذيمة. فخالفهم في ما أشاروا به عليه، وقال:
« رأى فاتر وغدر حاضر. » - فذهب مثلا.
فنازعوه الرأي، فقال لجذيمة:
« أكتب إليها: فلتقبل إليك إن كانت صادقة. فإن لم تفعل. لم تسر إليها ممكّنا [ إيّاها ] من نفسك وقد وترتها، وقتلت أباها. » فلم يوافق جذيمة ما أشار به عليه قصير، وقال جذيمة:
« أنت امرؤ رأيك في الكنّ، لا في الضحّ » - فذهبت مثلا.
دعا جذيمة ابن أخته عمرو بن عديّ، فاستشاره، فشجّعه على المسير، وقال:
« هناك نمارة قومي، ولو قد رأوك، صاروا معك. » فأطاعه وعصى قصيرا. فقال قصير:
« لا يطاع لقصير أمر. » وفي ذلك يقول الشعراء ما حذفناه طلب الإيجاز.
واستخلف جذيمة عمرو بن عديّ على ملكه وسلطانه. وسار في وجوه أصحابه، فأخذ على الفرات من الجانب الغربيّ. فلمّا نزل رحبة مالك بن طوق - وكان تدعى في ذلك الزمان « الفرضة» - دعا قصيرا، فقال: ما الرأي؟ »
فقال: « ببقّة تركت الرأي. »
فذهبت مثلا. واستقبلته رسل الزبّاء بالهدايا والألطاف، فقال: « يا قصير كيف ترى؟ » قال:
« خطر يسير في خطب كبير - فذهبت مثلا - وستلقاك الخيل، فإن سارت أمامك فإن المرأة صادقة، وإن أخذت جنبتيك، فالقوم غادرون، فاركب العصا، فإني مسايرك عليها. » وكانت العصا فرسا لجذيمة لا تجارى، فلقيته الخيول والكتائب، فحالت بينه وبين العصا، فركبها قصير مولّيا على متنها، فقال:
« ويل أمّه حزما على ظهر العصا. » - فذهبت مثلا.
ونجا قصير، وأدخل على الزبّاء. فلما رأته كشفت له عن إسبها، فإذا هو مضفور. فقالت:
« يا جذيمة! أدأب عروس ترى؟ » - فذهبت مثلا.
فقال: « بلغ المدى، وجفّ الثرى، وأمر غدر أرى. » - فذهبت مثلا.
فتمّت حيلتها على جذيمة، حتى قتلته بأن قطعت راهشيه، في خبر طويل، وأمثال محفوظة. فهلك جذيمة، وخرج قصير حتى قدم على عمرو بن عديّ
وهو بالحيرة.
فقال له قصير: « أداثر، أم ثائر؟ » فقال: « بل ثائر سائر. » - فذهبت مثلا.