وكان النعمان بن مقرّن على كسكر، ولّاه سعد الخراج بها. فكتب إلى عمر: « إنّ مثلي ومثل كسكر مثل رجل شابّ إلى جنبه مؤمسة تلوّن له وتعطّر، فأنشدك الله لمّا عزلتني وبعثتني إلى جيش من جيوش المسلمين. » فلمّا كان هذا اليوم الذي خطب فيه عمر، وجرى ما جرى مما كتبته، قال عمر: « أما والله لأولّينّ أمرهم رجلا ليكوننّ أول الأسنّة إذا لقيها غدا. » فقيل: « من، يا أمير المؤمنين؟ » فقال: « النعمان بن مقرّن ». قالوا: « هو لها. »
فكتب إليه عمر أن: « ائت نهاوند، فأنت على الناس بها. » فلمّا التقوا كان أول قتيل. وسنحكى خبره في موضعه.
وردّ عمر قريب بن ظفر، وردّ معه السائب الأقرع وكان السائب يومئذ مندوبا للأمانة وقسمة الفيء، لأنّه كان كاتبا حاسبا، كما كان محمد بن مسلمة مندوبا لتتبع العمال والطواف عليهم.
وقال عمر للأقرع: « إن فتح الله عليكم فاقسم ما أفاء الله عليهم، ولا تخدعني، ولا ترفع إليّ باطلا، وإن نكب القوم، فلا تراني ولا أراك، فبطن الأرض خير لك من ظهرها. » فقدما الكوفة بكتاب عمر بالاستحثاث. وكان أسرع أهل الكوفة إلى ذلك الروادف، ليبلوا في الدين، وليدركوا حظّا.
ذكر خديعة للهرمزان لم تتم له وما جرى بعد ذلك

كان عمر بن الخطّاب استدعى الهرمزان حين آمنه، فقال: « انصح لي فقد آمنتك. » قال: « نعم. إنّ الفرس اليوم رأس وجناحان. » قال: « فأين الرأس. » قال: « بنهاوند مع بندار، ومعه أساورة كسرى وأهل إصبهان. » قال: « فأين الجناحان؟ » فذكر مكانا. قال الهرمزان: « فاقطع الجناحين يهن الرأس. »
فقال عمر: « كذبت يا عدوّ الله بل أعمد إلى الرأس، فأقطعه، فإذا قطعه الله لم يقبض عليه الجناحان. »
فكتب إلى أبي موسى أن: سر بأهل البصرة، وإلى حذيفة أن: سر بأهل الكوفة.
وبعث بعثا من المدينة فيهم ابنه عبد الله بن عمر، وفيهم المهاجرون والأنصار، وقال: « إذا التقيتم فأميركم النعمان بن مقرّن. » فخرج حذيفة بن اليمان بالناس ومعه نعيم بن مقرّن حتى قدموا على النعمان بالطزر وجعلوا بمرج القلعة خيلا عليها النّسير، وقد كتب عمر إلى سلمى بن القين وحرملة وزرّ بن كليب وقوّاد المسلمين الذين كانوا بين فارس والأهواز أن: « اشغلوا فارس عن إخوانكم، وحوطوا بذلك أمّتكم وأرضكم، وأقيموا على حدود ما بين الأهواز وفارس حتى يأتيكم أمري. » وبعث مجاشع بن مسعود السلميّ إلى الأهواز، وقال له: انصل منها على ماه.
فلما صار بغضي شجر ناحية مرج القلعة، أمره النعمان أن يقيم بمكانه ونصل سلميّ وحرملة وزرّ، فكانوا في تخوم إصبهان وفارس، فقطعوا بذلك عن نهاوند الأمداد من فارس.
وورد على النعمان، وهو بطزر، كتاب عمر: « إنّ معك حدّ العرب ورجالهم فاستعن بهم وبرأيهم، وسل طليحة وعمرا، ولا تولّهم شيئا ».
فبعث من بطزر طليحة وعمرا، وعمرو بن أبي سلمى ليؤاتوه بالخبر. فأما عمرو وعمرو فإنّهما رجعا من الطريق آخر الليل.
فقال طليحة: « ما الذي يرجعكما؟ »
قالا: « سرنا يوما وليلة ولم نر شيئا، وخفنا أن يؤخذ علينا بالطريق. » ولم يحفل بهما. ومضى طليحة حتى انتهى إلى نهاوند، وبينها وبين الطزر بضعة وعشرون فرسخا.
فقال الناس: « ارتدّ الثانية. » فلما علم طليحة علم القوم، رجع، حتى إذا انتهى إلى الجمهور كبّر الناس.
وقال: « ما شأن القوم؟ » فأخبروه بالذي خافوا عليه.
فقال: « والله لو لم يكن [ دين ] إلّا العربية فقط، ما كنت لأجزر هذه العرب العاربة لهذه العجم الطماطمة. » فأتى النعمان، فدخل إليه، وأخبره أن ليس بينه وبين نهاوند شيء يكرهه.
فنادى النعمان بالرحيل وعبّأهم، وجعل على المجرّدة القعقاع بن عمرو، وكذلك جعل على ميمنته وميسرته ومقدمته أهل النجدات.