مقتل يزدجرد وما تم عليه من الاتفاقات الطريفة
إنّ يزدجرد لما وقع إلى أرض فارس بقي سنين. ثم أتى كرمان، فأقام بها مثل ذلك. فطلب إليه دهقان كرمان شيئا، فلم يجبه إليه، فطرده عن بلاده. ثم أجمع أن ينزل خراسان، فأتى سجستان، فأقام بها، ثم سار إلى مرو، ومعه الرهن من أولاد الدهاقين، ومعه من رؤسائهم فرّخزاد.
فلمّا قدم مرو، واستغاث منها الملوك، وكتب إليهم يستمدّهم مثل صاحب الصين، وملك فرغانة، وملك كابل، وملك الخزر، كان الدهقان بمرو ماهويه، وكان له ابن يسمّى نزار، فوكّل ماهويه ابنه نزار بمدينة مرو، وتقدّم إليه وإلى أهل المدينة ألّا يفتحوا الباب ليزدجرد، وقال لهم: « ليس هذا لكم بملك لأنّه قد سلّم بلاده وجاءكم مفلولا مجروحا، ومرو لا تحتمل ما تحتمل غيرها من الكور. فإذا جئتكم غدا فلا تفتحوا الباب. » فلمّا أتاهم فعلوا ذلك.
وانصرف [ فرّخزاذ ]، فجثا بين يدي يزدجرد وقال: « استصعبت عليك مرو، وهذه العرب قد أتتك. » قال: « فما الرأي؟ » قال: « أن تلحق ببلاد الترك، فتقيم بها، حتى يتبيّن لنا أمر العرب. فإنّهم لا يدعون بلدة إلّا دخلوها. » قال: « لست أفعل، ولكن أرجع عودي على بدئي. » فعصاه ولم يقبل رأيه. فسار يزدجرد، [ وأتى نزار دهقان مرو ]، وأجمع على صرف الدهقنة عن ابنه نزار إلى سنجان ابن أخيه.
فبلغ ذلك ماهويه وهو أبو نزار وعمل في هلاك يزدجرد، وكتب إلى نيزك طرخان يخبره أن يزدجرد وقع إليه مفلولا، ودعاه إلى القدوم عليه، ليكون أيديهما معا في أخذه والاستيثاق منه، فيقتلوه، ويصالحوا عليه العرب، وجعل له في كلّ يوم ألف درهم، وسأله أن يكتب إلى يزدجرد مما كرا له لينحّى عامّة جنده، ويحصل في طائفة من خواصّه، فيكون أضعف لركنه وأهون لشوكته، وقال: « تعلمه في كتابك إليه الذي عزمت عليه في مناصحته ومعونته على العرب: أن يشتقّ لك اسما من أهل الدرجات بكتاب مختوم بالذهب، وتعلمه أنك لست قادما عليه حتى تنحّى عنه فرّخزاد. » فكتب نيزك بذلك إلى يزدجرد، فلمّا ورد عليه كتابه بعث إلى عظماء مرو، فاستشارهم.
فقال له سنجان: « لست أرى أن تنحّى عنك أصحابك ولا فرّخزاد لشيء. »
وقال نزار: « بل أرى أن تبايعه يعنى نيزك - وتجيبه إلى ما سأل. » فقبل رأيه، وفرّق عنه جنوده، وأمر فرّخزاد [ أن يأتى ] لأجمة سرخس، فصاح فرّخزاد، وشق جيبه وتناول عمودا بين يديه يريد ضرب نزار به، وقال: « يا قتلة الملوك، قتلتم ملكين، وأظنّكم قاتلي. » هذا، ولم يبرح فرّخزاذ. حتى كتب له يزدجرد كتابا بخطّ يده، نسخته: « هذا كتاب لفرخزاذ: إنك قد أسلمت يزدجرد وأهله وولده وحاشيته وما معه، إلى ماهويه دهقان مرو. » وأشهد عليه بذلك.
فأقبل نيزك إلى موضع من مرو يقال له حلبندان. فلما أجمع يزدجرد على لقائه والمسير إليه، أشار عليه أبو نزار ألّا يلقاه في السلاح فيرتاب به وينفر عنه، ولكن يلقاه بالملاهي والمزامير. ففعل، وسار إليه كذلك، وتقاعس عنه أبو نزار، وكردس نيزك أصحابه كراديس.
فلما تدانيا استقبله نيزك ماشيا ويزدجرد على فرس له. فأمر لنيزك بجنيبة من جنائبه، فركبها، فتوسط عسكره، فتواقفا.
فقال له نيزك في ما يقول: « زوّجنى إحدى بناتك لأناصحك وأقاتل معك عدوّك. » فقال له يزدجرد: « عليّ تجترئ يا كلب! » فعلاه نيزك بمخفقته. وصاح يزدجرد: « غدر الغادر. »
وركض منهزما، ووضع أصحاب نيزك سيوفهم فيهم، فأكثروا القتلى.
يزدجرد والطحان
وانتهى يزدجرد في هزيمته إلى مكان من أرض مرو، فنزل عن فرسه، ودخل بيت طحّان، مكث فيه ثلاثة أيام.
فقال له الطحان: « أيها الشقيّ، اخرج فاطعم شيئا فإنّك جائع منذ ثلاث. » قال: « لست أصل إلى ذلك إلّا بزمزمة. » وكان رجل من زمامة مرو قريبا منه، فأتاه الطحّان، وسأله أن يزمزم عليه ليأكل. ففعل ذلك. فلما انصرف إلى مرو سمع أبا نزار يذكر يزدجرد ويطلبه، فأتاه، فسأله وأصحابه عن حليته. فوصفوه. فأخبرهم أنّه رءاه في بيت طحان وهو رجل جعد مقرون حسن الثنايا مقرّط مسوّر.
فوجه إليه رجلا من الأساورة، وأمره أن يخنقه بوتر ويطرحه في نهر مرو.
فلقوا الطحان، فضربوه ليدلّ عليه، فلم يفعل وجحدهم أن يعرف أين يتوجّه. فلما أرادوا الانصراف عنه، قال رجل منهم: « إني أجد ريح المسك فلو تتبّعته. » فنظر إلى طرف ثوب من ديباج في الماء، فاجتذبه إليه، فإذا هو يزدجرد، فسأله ألّا يقتله ولا يدلّ عليه: ويجعل له خاتمه وسواره ومنطقته.
فقال: « أعطنى أربعة دراهم وأخلّى عنك. » قال: « ويحك! خاتمي لك وثمنه لا يحصى! » فأبى عليه.
قال يزدجرد: « قد كنت أخبرت أنّى سأحتاج إلى أربعة دراهم، وأضطرّ إلى أن يكون أكلى أكل الهرّ، فقد عانيته. » ثم انتزع أحد قرطيه، وأعطاه الطحّان مكافأة لكتمانه عليه، ودنا منه كأنّه يكلّمه بشيء، فأنذر الرجل أصحابه، وأتوه، فطلب إليهم يزدجرد ألّا يقتلوه، وخوّفهم ما عليهم من دينهم من ذاك. وقال: « آتوني الدهقان أو سرّحونى إلى العرب، فإنّهم يستحيون مثلي من الملوك. » فأخذوا ما كان عليه من الحليّ، فجعلوه في جراب، وختموا عليه، ثم خنقوه بوتر، وطرحوه في نهر مرو، فجرى به الماء حتى انتهى إلى فوهة الدريق، فتعلّق بعود، فأخذ من هناك. ثم تفقّد أبو نزار أحد قرطيه، فأخذ الذي دلّ عليه، فضربه حتى أتى على نفسه، وبعث بما أصيب له إلى الخليفة يومئذ، فأغرم الخليفة الدهقان قيمة القرط المفقود.
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)