« أما والله، لو جعلتم حدّكم هذا على من خالفكم من غيركم، لكان أصوب.
فسيروا إلى مضر وإلى ربيعة فقاتلوهم. » وشيخهم أبو القلوص ساكت لا يتكلّم، فقالوا:
« ما رأيك؟ » فقال:
« قال الله عز وجل: قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ من الْكُفَّارِ، وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً. قوموا! » فقاموا، فمشى بهم قيس رمحين أو ثلاثة، ثم قال:
« اجلسوا. » فجلسوا. ثم مشى بهم الثانية أنفس من ذلك شيئا، ثم الثالثة كذلك، ثم قعد، فقالوا له:
« يا با القلوص، والله إنك عندنا لأشجع العرب، فما يحملك على الذي تصنع؟ » قال:
« إنّ المجرّب ليس كمن لم يجرّب، إني أردت أن ترجع إليكم أنفسكم، وكرهت أن أحملكم على القتال وأنتم على حال دهش. » قالوا:
« أنت أبصر بما صنعت. » فلما خرجوا إلى جبّانة السبيع استقبلهم قوم، فهزموهم وقتلوا رئيسهم ودخلوا الجبّانة في آثارهم يتنادون:
« يا لثارات الحسين. » فأجابهم ابن شميط:
« يا لثارات الحسين. » وقاتل يومئذ رفاعة بن شدّاد حتى قتل، وقتل خلق من الأشراف واستخرج من دور الوادعيّين خمسمائة أسير. فأتى بهم المختار مكتّفين، فأخذ رجل من بنى نهد من رؤساء أصحاب المختار يقال له عبد الله بن شريك لا يخلو بعربيّ إلّا خلّى سبيله. فرفع ذلك إلى المختار، فقال المختار:
« اعرضوهم عليّ، فانظروا كلّ من شهد منهم قتل الحسين فأعلمونى به. » فأخذوا لا يمرّ عليه رجل شهد قتل الحسين إلّا قالوا له:
« هذا ممن شهد قتله. » فقدّمه، فيضرب عنقه، حتى قتل منهم قبل أن يخرج مائتين وأربعين قتيلا، وأخذ أصحابه كلّما رأوا رجلا قد كانوا تأذّوا به، وكان يماريهم، أو يضرّبهم، خلوا به فقتلوه، حتى قتل ناس كثير منهم، وما يشعر بهم المختار.
ثم أخبر به المختار من بعد، فدعا بمن بقي من الأسارى فأعتقهم وأخذ عليهم المواثيق ألّا يجامعوا عليه عدوه ولا يبغوه ولا لأصحابه غائلة، إلّا سراقة بن مرداس البارقيّ، فإنّه أمر به أن يساق معه إلى المسجد، ونادى منادى المختار من أغلق عليه بابه فهو آمن إلّا رجلا شرك في دم آل محمّد.
وكان يزيد بن الحارث بن رؤيم وحجّار بن أبجر بعثا لهما رسلا، فقالا لهم:
« كونوا قريبا من أهل اليمن، فإن ظهروا، فلتكن علامتكم كذا وإن ظهر عليكم فلتكن علامتكم كذا. » فلما هزم أهل اليمن أتتهم رسلهم بعلامتهم، فقاما جميعا فقالا لقومهما:
« انصرفوا إلى بيوتكم. » فانصرفوا.
فأما عمرو بن الحجاج الزبيدي، فإنّه كان ممن شهد قتل الحسين، فركب راحلته، ثم ذهب عليها، فأخذ طريق شراف وواقصة، فلم ير حتى الساعة، ولا يدرى أرض لحسته، أم سماء حصبته!
مقتل شمر بن ذي الجوشن
وأما شمر بن ذي الجوشن، فإنّ المختار أنفذ في طلبه غلاما يدعى رزينا.
فحدّث مسلم بن عبد الله الكنانيّ، قال: تبعنا رزين غلام المختار فلحقنا، وقد خرجنا من الكوفة على خيولنا مضمّرة، فأقبل يتقطّر به فرسه. فلما دنا منه قال لنا شمر:
« اركضوا وتباعدوا، فلعلّ العبد يطمع فيّ. » قال: فركضنا وأمعنّا، وطمع العبد في شمر، وأخذ شمر يستطرد له، حتى إذا انقطع عن أصحابه حمل عليه شمر، فدقّ ظهره، وأتى المختار فأخبر بذلك، فقال:
« بؤسا لرزين، أما لو يستشيرنى ما أمرته أن يخرج لأبي السابغة. » ومضى شمر حتى نزل ساتيدما، فنزل إلى جانب قرية يقال لها: الكلبانية على شاطئ نهر إلى جانب تلّ، ثم أرسل إلى تلك القرية، فأخذ منها علجا فضربه، ثم قال:
« النجا بكتابي إلى مصعب بن الزبير. » [ وكتب عنوانه: للأمير مصعب بن الزبير ] من شمر بن ذي الجوشن. فمضى العلج حتى دخل قرية فيها بيوت وفيها أبو عمره، وكان المختار بعثه في تلك الأيام إلى تلك القرية لتكون مسلحة في ما بينه وبين أهل البصرة، فلقى ذلك العلج علجا من تلك القرية، فأقبل يشكو إليه ما لقي من شمر، فسألوا العلج عن مكانه، فأخبرهم به، فإذا ليس بينهم إلّا ثلاثة فراسخ فساروا إليه.
قال: وكنّا قلنا لشمر تلك الليلة:
« لو أنّك ارتحلت بنا من هذا المكان، فإنّا نتخوّف به. » فقال:
« أكلّ هذا فرقا من الكذّاب، والله لا أتحوّل منه ثلاثة أيام، ملأ الله قلوبكم رعبا. » فو الله ما شعرنا إلّا وقد أشرفوا علينا من التلّ، فكبّروا، ثم أحاطوا بنا وخرجنا نشتدّ على أرجلنا وتركنا خيلنا، وأعجل شمر عن لبس سلاحه.
قال: فأمر على شمر وإنّه لمؤتزر ببرد يقاتلهم، وكان أبرص، فكأني أنظر إلى بياض ما بين كشحيه وهو يطاعن الأقوام، فما هو إلّا أن أمعنت ساعة إذ سمعت التكبير وقائلا يقول:
« قتل الله الخبيث. »
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 2 (0 من الأعضاء و 2 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)