مقتل ابن زياد بيد ابن الأشتر

« إني قد ضربت رجلا فقتلته ووجدت منه رائحة المسك، ضربة شرّقت يديه وغرّبت رجليه، تحت راية منفردة على شاطئ جازر، وأظنّه طاغيتهم، فالتمسوه. » فالتمسوه، فإذا هو عبيد الله بن زياد قتيلا، ضربه فقطّه.
وحمل شريك بن حرير على الحصين بن نمير السكوني وهو يحسبه ابن زياد، فاعتنق كلّ واحد منهما صاحبه، ونادى شريك:
« اقتلوني وابن الزانية. » فقتل ابن نمير.
وكان شريك بن حرير مع عليّ أصيبت عينه معه، فلما انقضت حرب عليّ لحق ببيت المقدس، فلما جاءه قتل الحسين قال:
« أعاهد الله، لئن وجدت من يطلب بدم الحسين أقبل إليه، ولأقتلنّ ابن مرجانة، أو لأموتنّ دونه. » فلما بلغه خروج المختار يطلب بدم الحسين، جاءه، فوجّهه مع ابن الأشتر.
وقتل ابن ذي الكلاع، وتبع أصحاب إبراهيم أهل الشام المنهزمين فكان من غرق أكثر ممن قتل. وأصابوا من عسكرهم كلّ شيء من الغنائم.
ومضى ابن الأشتر إلى الموصل، وبعث عمّاله، فبعث أخاه عبد الرحمن بن عبد الله على نصيبين، فغلب على سنجار ودارا وما والاهما من أرض الجزيرة، وخرج من أهل الكوفة كلّ من كان قاتل المختار وهزمهم، فلحقوا بمصعب بن الزبير بالبصرة وفيهم شبث بن ربعيّ. وكان المختار قال لأصحابه:
« سيأتيكم الفتح من قبل إبراهيم بن الأشتر. قد هزموا أصحاب ابن مرجانة. » وخرج المختار من الكوفة، واستخلف عليها السائب بن مالك الأشعري، وخرج بالناس، فنزل ساباط، وقال للناس:
« أبشروا، فإنّ شرطة الله قد حسّوهم بالسيوف يوما إلى الليل بنصيبين أو قريبا منها. » قال: ودخلنا المدائن واجتمعنا إليه، فصعد المنبر، فو الله إنّه ليخطبنا، ويأمر بالجدّ والاجتهاد والثبات على الطاعة والطلب بدماء أهل البيت، إذ جاءته البشرى تترى، يتبع بعضها بعضا بقتل عبيد الله بن زياد وهزيمة أصحابه، وأخذ عسكره، وقتل أشراف أهل الشام، فقال المختار:
« يا شرطة الله، ألم أبشركم بهذا قبل أن يكون؟ » قالوا:
« بلى والله، لقد قلت ذلك. » قال الشعبيّ: فيقول لي رجل من بعض جيراننا:
« أتؤمن الآن يا شعبيّ؟ » قال: قلت:
« بأيّ شيء أو من؟ بأنّ المختار يعلم الغيب؟ لا أومن بذلك أبدا. » قال:
« أو لم يقل لنا أنهم انهزموا؟ » فقلت:
« بلى، ولكن زعم أنهم هزموا بنصيبين من أرض الجزيرة، وإنما هو بخازر من أرض الموصل. » فقال:
« والله لا تؤمن حتى ترى العذاب الأليم. »
ذكر مسير مصعب إلى المختار وحربه

لما قدم شبث على مصعب بن الزبير كان تحته بغلة له قد قطع ذنبها وقطع طرف أذنها، وشقّ قباءه وهو يصيح:
« يا غوثاه، يا غوثاه! » فعرّف مصعب أنّ بالباب رجلا صفته كذا وكذا، فقال لهم:
« نعم، هذا شبث بن ربعيّ، ولم يكن ليفعل هذا غيره، أدخلوه. » فأدخل إليه، وجاءه أشراف الناس من أهل الكوفة، فأخبروه بما أصيبوا به من وثوب عبيدهم ومواليهم عليهم، وشكوا إليه، وسألوه النصر لهم والمسير إلى المختار معهم. وقدم عليهم محمد بن الأشعث بن القيس، ولم يكن شهد وقعة الكوفة، وإنما كان يقصّ له. فلما بلغه هزيمة الناس، تهيّأ للشخوص، وسأل عنه المختار، فأخبر بمكانه، فسرّح وراءه قوما، فلم يلحقوه، ومضى إلى مصعب، فأدناه معصب وقرّبه وأكرمه لشرفه، وهدم المختار دار ابن الأشعث.
ثم قال مصعب لمحمد بن الأشعث لما أكثر عليه الناس:
« إني لا أسير حتى يأتينى المهلّب بن أبي صفرة. » فكتب مصعب إلى المهلّب وهو عامله على فارس أن:
« أقبل إلينا لتشهد أمرنا وتسير معنا إلى الكوفة. » فتباطأ عنه المهلّب كراهة للخروج، واعتلّ بشيء من الخراج، فأمر مصعب محمد بن الأشعث بن قيس في بعض ما كان محمد يستحثّه:
« ايتني بالمهلّب. » فخرج محمد بكتاب مصعب إلى المهلّب، فلما قرأه، قال:
« مثلك يا محمد في شرفك يأتى بريدا؟ أما وجد المصعب بريدا غيرك؟ » قال محمد:
« إني، والله، ما أنا ببريد لأحد، غير أنّ نساءنا وأبناءنا وحرمنا غلبنا عليهم عبداننا وموالينا. » فخرج المهلّب بجموع كثيرة وأموال عظيمة معه في هيئة وعدّة وجموع ليس بها أحد من أهل البصرة. ولما ورد باب مصعب صادفه وقد أذن للناس، فحجبه الحاجب وهو لا يعرفه، فرفع المهلّب يده وكسر أنفه. فدخل الحاجب إلى المصعب وأنفه يسيل دما، فقال له:
« ما لك؟ » قال:
« ضربني رجل ما أعرفه. » ودخل المهلّب، فلما رءاه الحاجب، قال:
« هو ذا. » فقال له مصعب:
« عد إلى مكانك. » ثم عسكر مصعب عند الجسر الأكبر، وقدّم أمامه عبّاد بن الحصين الحبطيّ من بنى تميم على مقدّمته، وبعث عمر بن عبد الله بن معمر على ميمنته، وبعث المهلّب على ميسرته، وبعث على الأخماس مالك بن مسمع ومالك بن المنذر، والأحنف بن قيس، وزياد بن عمرو الأزديّ، وقيس بن الهيثم.
وبلغ ذلك المختار، فقام في أصحابه، فحمد الله وأثنى، وقال:
« يا أهل الدين وأعوان الحق وأنصار الضعيف وشيعة ال الرسول! إنّ فرّاركم الذين بغوا عليكم فهزمتموهم، أتوا أشباههم من الفاسقين، فاستغووهم عليكم ليمصح الحقّ وينعش الباطل، ويقتل أولياء الله. والله لو هلكتم ما عبد الله في الأرض إلّا بالفرى على الله واللعن لأهل بيت نبيه . انتدبوا مع أحمر بن شميط. » فعسكر بحمّام أعين. ودعا المختار رؤوس الأرباع الذين كانوا مع ابن الأشتر، فبعثهم مع ابن شميط، لأنهم فارقوا ابن الأشتر لما رأوا من تهاونه بأمر المختار، فبعثهم المختار مع ابن شميط، وبعث معه جيشا كثيفا.
وسار أحمر بن شميط حتى ورد المذار وجاء مصعب حتى عسكر قريبا منه، ثم عبّى كل واحد منهم جنده، وجعل أحمر بن شميط على ميمنته عبد الله بن كامل، وعلى ميسرته عبد الله بن وهب بن نضلة، وعلى الخيل رزين بن عبد الله السلولي، وعلى الرجّالة كثير بن إسماعيل الكنديّ، وجعل أبا عمرة على الموالي وكان مولى لعرينة.