« أنا أحسدك يا بن بهلة؟ ستعلم. » وقد كان يزيد قال لنصحائه:
« من ترون الحجّاج يولّى خراسان؟ » قالوا:
« رجلا من ثقيف. » قال:
« كلّا، ولكنّه يكتب إلى رجل منكم بعهده. فإذا قدمت عليه عزله، فولّى رجلا من قيس، وأخلق بقتيبة. » قال: فلمّا قال له أخوه ما قال وولّاه الحجّاج بعد يزيد تيقّن يزيد ما كان يظنّه قبل ذلك. فاستشار الحصين بن المنذر، فقال له:
« أقم واعتلّ، فإنّ أمير المؤمنين حسن الرأي فيك، وإنّما أتيت من قبل الحجّاج، فإن أقمت رجوت أن يكتب إليه بإقرارك. » قال يزيد:
« إنّا أهل بيت بورك لنا في الطاعة، وأنا أكره المعصية والخلاف. » فقال الحصين بن المنذر:
أمرتك أمرا حازما فعصيتني ** فأصبحت مسلوب الإمارة نادما
فما أنا بالباكى عليك صبابة ** وما أنا بالدّاعى لترجع سالما
فلمّا قدم قتيبة خراسان، قال لحصين:
« كيف قلت ليزيد؟ » قال: قلت له:
أمرتك أمرا حازما فعصيتني ** فنفسك ولّ اللّوم إن كنت لائما
فإن يبلغ الحجّاج أن قد عصيته ** فإنّك تلقى أمره متفاقما
قال:
« فما ذا أمرته فعصاك؟ » قال:
« أمرته ألّا يدع صفراء ولا بيضاء إلّا حملها إلى الأمير. » فقال رجل لعباط بن الحصين:
« أمّا أبوك فوجده قتيبة حين فرّه قارحا بقوله: أمرته ألّا يدع صفراء ولا بيضاء إلّا حملها إلى الأمير. » فكان عزل يزيد عن خراسان وخروج قتيبة إليها في سنة خمس وثمانين، وذلك أنّه لمّا حصل يزيد عند الحجّاج عزل المفضّل وولّى قتيبة.
وفي هذه السنة قتل موسى بن عبد الله بن خازم بالتّرمذ
ذكر السبب في ذلك
كنّا ذكرنا ما كان من عبد الله بن خازم من قبل مع بنى تميم. فتفرّق عنه عظم من كان معه منهم، فخرج إلى نيسابور، وخاف بنى تميم على ثقله بمرو، فقال لابنه موسى:
« حوّل ثقلي من مرو، واقطع نهر بلخ حتى تلجأ إلى حصن تثق به فتقيم فيه. » فشخص موسى في مائتين وعشرين فارسا من الصعاليك، فصار في أربعمائة وانضمّ إليه رجال من بنى سليم، فقطع النهر وأتى بخارى فسأل صاحبها أن يلجأ إليه فأبى وخافه وقال:
« رجل فاتك وأصحابه مثله طالبو حرب وشرّ، ولا آمنهم. » فبعث إليهم بصلة من عين ودوابّ وكسوة، فنزل على عظيم من عظماء بخارى في نوقان، فقال له الرجل:
« إنّه لا خير لك في المقام وهم لا يأمنونك. » فخرج يلتمس ملكا يلجأ إليه أو حصنا. فلم يأت بلدا إلّا كرهوا مقامه فيهم، وسألوه أن يخرج عنهم حتى أتى سمرقند وصاحبها طرخون. فأنزله وأكرمه.
فجرى بينهما ما استوحش منه طرخون، فقال له:
« لولا أنّى أعطيتكم الأمان لقتلتكم، فاخرجوا عن بلدي. » ووصله وأخرجه. فخرج موسى وأتى كسّ. فكتب صاحب كسّ إلى طرخون يستنصره. فأتاه فخرج إليه موسى في سبعمائة، فقاتلهم حتى أمسوا وتحاجزوا وبأصحاب موسى جراح كثير.
فلمّا أصبحوا أمرهم موسى فحلقوا رؤوسهم كما تصنع الخوارج، وقطعوا صفنات أقبيتهم كما تصنع العجم إذا استماتوا، ودسّ إلى طرخون زرعة بن علقمة، فقال:
« إنّ القوم مستقبلون، فما حاجتك إلى أن تقتل من لا تصل إليه حتى يقتل من أصحابك عدّتهم، ولو قتلته وإيّاهم جميعا ما نلت حظّا، لأنّ له قدرا في العرب، فلا يلي أحد خراسان إلّا طالبك بدمه، فإن سلمت من واحد لا تسلم من آخر. » قال:
« ليس إلى ترك كسّ عليه سبيل. » قال:
« فكفّ عنه حتى يرتحل. » فكفّ عنه. وأتى موسى الترمذ وبها حصن يشرف على النهر. فنزل موسى على بعض الدهاقين خارجا من الحصن، والدهقان مجانب لترمذ شاه. فقال لموسى:
« إنّ صاحب الترمذ متكرّم شديد الحياء، فإن ألطفته وهاديته أدخلك حصنه. » فأهدى له وألطفه موسى حتى لطف الذي بينهما. وخرج فتصيّد معه وكثر ألطاف موسى له. فصنع يوما صاحب الترمذ طعاما، وأرسل إليه:
« إني أحبّ أن أكرمك، فتغدّ عندي، وائتني في مائة من أصحابك. » فانتخب موسى مائة من أصحابه، فدخلوا على خيولهم، فقيل لهم:
« انزلوا. » فنزلوا، وأدخلوا بيتا خمسين في خمسين، وغدّوهم. فلمّا فرغوا من الغداء اضطجع موسى. فقالوا له:
« اخرج. » قال:
« لا أصيب منزلا مثل هذا. فلست بخارج منه حتى يكون بيتي أو قبرى. » وقاتلوهم في المدينة. فقتل خلق من أهلها وهرب الآخرون. فدخلوا منازلهم وغلب موسى على المدينة وقال لترمذشاه:
« اخرج، فإني لست أعرض لك ولا لأحد من أصحابك. » فخرج الملك وأهل المدينة، فأمّوا الترك يستنصرونهم. فقالوا:
« دخل عليكم مائة رجل فأخرجوكم عن بلادكم، وقد قاتلناهم بكسّ، فعرفناهم، فنحن لا نقاتل هؤلاء. » وأقام ابن خازم بالترمذ، ودخل إليه أصحابه، وكانوا سبعمائة. فلمّا قتل أبوه انضمّ إليه من أصحاب أبيه أربعمائة فارس، فقوى، فكان يخرج ويغير على من حوله. فراسله الترك بقوم ليعلموا ما الذي يريد، ويتقرّر أمورهم على صلح، ويكفّوا عن الغارة.
فلمّا قدموا قال موسى لأصحابه:
« إنّ هؤلاء يسمّونكم جنّا وأريد أن أكيدهم بمكيدة، وذلك في أشدّ ما يكون من زمان الحرّ. »
ذكر مكيدة ضعيفة تمت على قوم أغتام
ثم أمر موسى بنار، فأجّجت، وألبس أصحابه ثياب الشتاء، ولبسوا فوقها لبودا، ومدّوا أيديهم إلى النار كأنّهم يصطلون، وأذن موسى للترك، فدخلوا. فلمّا رأوهم على تلك الحال فزعوا وقالوا:
« ما هذا، ولم صنعتم ما نرى؟ » قالوا:
« إنّا نجد البرد في هذا الوقت ونجد الحرّ في الشتاء. » فلمّا رجعوا أخبروا أصحابهم، فقالوا:
« هذا صنيع الجنّ، ولا خير في قتال هؤلاء، والرأي مقاربتهم. » ولمّا ولى بكير بن وساج خراسان لم يعرض له ولم يوجّه إليه أحدا.
ثم قدم أميّة، فسار بنفسه يريده. فخالفه بكير وخلع ورجع إلى مرو، كما حكينا في ما تقدّم. فلمّا صالح أميّة بكيرا وحال الحول، وجّه إلى موسى رجلا من خزاعة في جمع كثير. فعاد أهل الترمذ إلى الترك، فاستنصرهم، وقالوا:
« نجتمع عليهم مع من غزاهم منهم فنظفر بهم. » فسارت الترك مع أهل الترمذ في جمع كثير، فأطاف بموسى الترك والخزاعيّ.
فكان يقاتل الخزاعيّ أوّل النهار والترك آخره. فقاتلهم ثلاثة أشهر على ذلك.
ثم قال موسى لعمرو بن خالد بن حصن الكلبي، وكان فارسا:
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 5 (0 من الأعضاء و 5 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)