أرى أسدا تضمّن مقطعات ** تهيّبها الملوك ذوو الحجاب
سما بالخيل من أكناف مرو ** يوقّرهنّ بين هلا وهاب
إلى غورين حيث حوى أربّ ** وصافح بالسّيوف وبالحراب
هدى ضلّالنا قتلى نراها ** مصلّية بأفواه الشّعاب
وكان إذا أناخ بدار قوم ** أراها المخزيات من العذاب
ودخلت سنة ثمان ومائة غزو الختّل

وفيها غزا أسد بن عبد الله الختّل. فذكر علي بن محمّد بإسناده، أنّ خاقان أتى أسدا وقد انصرف إلى القواذيان وقطع النّهر، فلم يكن بينهم قتال، ومضى إلى الغوريان، فقاتلوهم يوما، وصبروا لهم، وبرز رجل من المشركين، فوقف أمام أصحابه، وركز رمحه وقد أعلم بعصابة خضراء، وسلم بن أحوز واقف مع نصر بن سيّار، فقال سلم لنصر:
« قد علمت سوء رأي أسد، وأنا حامل على هذا العلج، فلعلّى أقتله فيرضى. » قال:
« شأنك » فحمل عليه، فما اختلج رمحه حتى غشيه سلم، فطعنه، فإذا هو بين يدي فرسه يفحص برجليه، ورجع سلم، فوقف فقال لنصر:
« أنا حامل حملة أخرى. »
فحمل، حتى إذا دنا منهم اعترضه رجل من العدوّ، فاختلفا ضربتين، فقتله سلم، ورجع سلم جريحا، فوقف. فقال نصر لسلم:
« قف لي، حتى أحمل عليهم. » فحمل، حتى خالط العدوّ، فصرع رجلين، ورجع جريحا، ووقف فقال:
« أترى ما صنعنا يرضيه، لا رضي الله عنه؟ » قال:
« لا والله، فيما أظنّ. » قال: وأتاهما رسول أسد فقال:
« يقول لكما الأمير: قد رأيت موقفكما منذ اليوم، وقلّة غنائكما عن المسلمين، لعنكم الله! » فقالا:
« آمين، إن عدنا لمثل هذا. » وتحاجزوا يومئذ، ثم عادوا من الغد. فلم يلبث المشركون أن انهزموا، وحوى المسلمون عسكرهم، وظهروا على البلاد، فأسروا وغنموا.
ثم دخلت سنة تسع ومائة

عزل هشام بن عبد الملك خالدا القسري عن خراسان والسبب في ذلك

وفي هذه السنّة، عزل هشام بن عبد الملك خالد بن عبد الله القسري عن خراسان، وصرف أخاه أسدا عنها. وكان السّبب في ذلك أنّ أسدا أخا خالد تعصّب، حتى أفسد النّاس، وخطب في يوم جمعة فقال في خطبته:
« قبّح الله هذه الوجوه، وجوه أهل الشّقاق والنّفاق والشّغب والفساد.
اللهمّ فرّق بيني وبينهم، وأخرجنى إلى مهاجرى ووطنى. » ثم قال:
« من يروم ما قبلي، أو يترمرم وامير المؤمنين خالي، وخالد بن عبد الله أخي ومعي اثنا عشر ألف سيف يمان؟ » ثم نزل عن منبره. فلمّا صلّى ودخل عليه النّاس وأخذوا مجالسهم أخرج كتابا من تحت فراشه، فقرأه على النّاس، فيه ذكر نصر بن سيّار، وعبد الرّحمن بن نعيم، وسورة بن أبجر، والبختري بن أبي درهم من بنى الحارث بن عبّاد. فدعا بهم، وأنبهم، فأرّم القوم، وتكلّم سورة بن أبجر، فذكر حاله وطاعته ومناصحته، وأنّه ليس ينبغي له أن يقبل قول عدوّ مبطل، وأن يجمع بينهم وبين من فوقهم بالباطل. فلم يقبل قوله، وأمر بهم فجرّدوا، فضرب عبد الرّحمن بن النّعيم، وكان رجلا بطينا أرسح. فلمّا ضرب التوى وجعل سراويله يزلّ عن موضعه. فقام بعض أهل بيته، فأخذ رداء له هرويّا، وقام مادّا ثوبه بيديه، وهو ينظر إلى أسد يريد أن يأذن له فيؤزره. فأومأ إليه أن افعل. فدنا منه فأزّره وقال:
« اصبر أبا زهير، فإنّ الأمير وال مؤدّب. »
ثم ضرب الجميع، وحلّقهم بعد الضّرب، ودفعهم إلى عبد ربّه بن أبي صالح مولى بنى سليم وكان من الحرسي، وعيسى بن بريق، ثم وجّههم إلى خالد، وكتب إليه أنّهم أرادوا الوثوب عليه. فكان ابن بريق كلّما نبت شعر أحدهم حلقه.
وكان البختري بن أبي درهم يقول: « وددت أنّه ضربني وهذا شهرا. » يعنى نصر بن سيّار، لما كان بينهم بالبروقان.
فأرسل بنو تميم إلى نصر:
« إن شئتم انتزعناكم من أيديهم. » فكفّهم نصر. فلمّا قدم بهم على خالد، لام أسدا، وعنّفه، وقال:
« ألا بعثت برؤوسهم؟ » فقال عرفجة التميمي:
فكيف، وأنصار الخليفة كلّهم ** عناة وأعداء الخليفة مطلق
بكيت ولم أملك دموعي وحقّ لي ** ونصر شهاب الحرب في الغلّ موثق
وقال نصر:
بعثت بالعتاب في غير ذنب ** في كتاب تلوم أمّ تميم
إن أكن موثقا أسيرا لديهم ** في هموم وكربة وسهوم
رهن قسر فما وجدت بلاء ** كإسار الكريم عند اللئيم
أبلغ المدّعين قسرا، وقسر ** أهل عود القناة ذات الوصوم
هل فطمتم عن الخيانة والنّك ** ث، أم أنتم كالحاكم المستديم
وقال الفرزدق:
أ خالد، لو لا الله لم تعط طاعة ** ولو لا بنو مروان لم توثقوا نصرا
إذا للقيتم دون شدّ وثاقه ** بنى الحرب لا كشف اللقاء ولا غمرا
وكان قدم خراسان أبو محمّد مولى همدان، داعيا بعثه محمّد بن عليّ بن عبد الله بن عبّاس وقال له:
« أدع النّاس إلينا، وانزل في اليمن، والطف بمضر. » ونهاه عن رجل يقال له غالب من أبرشهر، لأنّه كان مفرطا في حبّ بنى فاطمة. فلمّا قدم زياد أبو محمّد، ودعا إلى بنى العبّاس، وذكر سيرة بنى مروان وظلمهم، وجعل يطعم النّاس الطّعام، توافى إليه خلق، فقدم عليه غالب من أبرشهر، فكانت بينهم منازعة، غالب يفضّل آل أبي طالب، وزياد يفضّل بنى العبّاس. فأخبر بخبرهم أسد بن عبد الله، فدعا بزياد، وكان معه رجل يكنّى أبا موسى. فلمّا نظر إليه أسد قال له:
« أعرفك، رأيتك في حانوت بدمشق. » قال:
« نعم. » قال أسد لزياد:
« فما هذا الّذى بلغني عنك. » قال:
« رفع إليك الباطل. إنّما قدمت خراسان في تجارة لي وقد فرّقت مالي على النّاس ولو قد صار إليّ خرجت. » قال له أسد:
« أخرج عن بلادي. » فانصرف عنه، وعاد إلى أمره.
وكان الحسن بن شيخ على خراج مرو، ويبلغه خبره، فدخل على أسد وعظّم عليه أمره، فأرسل إليه. فلمّا نظر إليه قال:
« ألم أنهك عن المقام بخراسان؟ » فقال له زياد:
« ليس عليك، أيّها الأمير، مني بأس. » فأحفظه فأمر بقتلهم، وكانوا عشرة.
فقال له أبو موسى:
« اقض ما أنت قاض. » فازداد غضبا وقال:
« أنزلتنى منزلة فرعون. » فقال:
« ما أنزلتك، ولكن الله أنزلك. » فقتلوا، وكانوا عشرة من أهل الكوفة، ولم ينج منهم يومئذ إلّا غلامان استصغرهما، وصلب الباقون. فأتى من الغد أحدهما وسأله أن يلحقه بأصحابه، فأشرف به على السّوق وهو يقول:
« رضينا بالله ربّا، وبالقرآن إماما، وبمحمد نبيا. »
فدعا أسد بسيف كان لبخارا خذاه، وضرب عنقه بيده.
ثم قدم بعدهم رجل من أهل الكوفة يقال له كثير. فكان يأتيه الّذين لقوا زيادا فيدعوهم. وكان على ذلك سنة أو سنتين، وكان كثير أمّيّا. فقدم عليه خداش وهو في قرية يقال لها مرغم، فغلب كثيرا على أمره. ولمّا تعصّب أسد وأفسد النّاس بالعصبيّة، بلغ ذلك هشاما، فكتب إلى خالد: اعزل أخاك.
فعزله، واستأذن له بالحجّ، ففعل. فقفل أسد إلى العراق، واستخلف الحكم بن عوانة الكلبيّ، فأقام الحكم صيفته ولم يغز.
استعمال هشام بن عبد الملك أشرس على خراسان

واستعمل هشام بن عبد الملك على خراسان أشرس بن عبد الله السّلمى، وأمره، أن يكاتب خالدا، وكان أشرس فاضلا خيّرا، كانوا يسمّونه: الكامل، لفضله عندهم.
وقال: ولمّا قدم خراسان، فرح به أهلها، فاستعمل على شرطته عميرة أبا أميّة اليشكري، ثم عزله وولّى السّمط، واستقضى محمّد بن زيد وكان أوّل من اتّخذ الرّابطة بخراسان، فاستعمل على الرّابطة عبد الملك بن زياد الباهليّ.
وتولّى أشرس صغير الأمور وكبيرها بنفسه، وكان يحجّ بالنّاس في هذه السّنين إبراهيم بن هشام. فيقال: إنّه خطب النّاس بمنى في غد يوم النّحر وقال:
« سلوني، فأنا ابن الوحيد، لا تسألون أحدا أعلم مني. » فقام إليه رجل من العراق فسأله عن الأضحية: أواجبة هي؟ فما درى أيّ شيء يقول، فنزل.
ثم دخلت سنة عشر ومائة

وفي هذه السّنة همّ أشرس بأن يدعو أهل الذّمّة ممّا وراء النّهر إلى الإسلام على أن يوضع عنهم الجزية.
ذكر سوء رأي أشرس وفساد تدبيره وحرصه على المال حتى نصب الناس له الحرب

ذكر أنّ أشرس قال في عمله بخراسان:
« أبغونى رجلا له ورع وفضل أوجّهه إلى من وراء النّهر يدعوهم إلى الإسلام. » فأشاروا عليه بأبي الصّيداء صالح بن طريف مولى بنى ضبّة، فقال:
« لست بالماهر بالفارسيّة. » فضمّوا إليه الرّبيع بن عمران التيمي. فقال أبو الصّيداء:
« فإني أخرج على شريطة أنّ من أسلم لم تؤخذ منه الجزية، فإنّما خراج خراسان على رؤوس الرّجال. » قال أشرس: « أجل، ذلك لك. » قال أبو الصيداء لأصحابه: « فإني أخرج، فإن لم يف أعنتمونى عليهم. » قالوا: « نعم. » فشخص إلى سمرقند، وعليها الحسن بن أبي العمرّطة الكندي حربها وخراجها. فدعا يومئذ أبو الصّيداء أهل سمرقند ومن حولها إلى الإسلام على أن توضع عنهم الجزية. فتسارع النّاس إلى ذلك، فكتب غورك إلى أشرس أنّ الخراج قد انكسر، وكتب أشرس إلى ابن أبي العمرّطة في ذلك، فقال ابن أبي العمرّطة لأبي الصّيداء:
« لست من الخراج في شيء. فدونك هانئا والاشحيذ. » فقام أبو الصّيداء يمنعهم من أخذ الجزية ممّن أسلم. فكتب هانئ إلى أشرس وقال:
« ممّن تأخذ الخراج، والنّاس قد أسلموا وبنو المساجد. » فكتب أشرس إلى هانئ والعمّال:
« إنّ الخراج قوّة للمسلمين، وقد بلغني أنّ أهل السّغد وأشباههم لم يسلموا رغبة وإنّما دخلوا في الإسلام تعوّذا من الجزية، فانظر من اختتن وأقام الفرائض، وحسن إسلامه، وقرأ من القرآن شيئا فارفع عنه خراجه، وإلّا فاستوفه منه. » فأعاد العمّال الجزية على من أسلم، فامتنعوا، واعتزل من أهل السّغد سبعة آلاف، فنزلوا على ستّة فراسخ من سمرقند، وخرج إليه أبو الصّيداء والرّبيع بن عمران التيمي، وأقسم الشّيبانى وأبو فاطمة الأزدي وجماعته من العرب لينصرونهم، ولم يخرج ابن أبي العمرّطة إلى حربهم، فعزل أشرس بن أبي العمرّطة عن الحرب، واستعمل مكانه المجشّر بن مزاحم السّلمى، وضمّ إليه عميرة بن سعد الشّيبانى.
فلمّا قدم المجشّر كتب إلى أبي الصّيداء وثابت قطنة، وكان خرج معه يسألهما أن يقدما عليه في أصحابهما، فقدم أبو الصّيداء وثابت قطنة، فحبسهما.
فقال أبو الصّيداء: