مضي ابن عطية إلى مكة واليمن

ومضى ابن عطيّة إلى مكّة واستخلف على المدينة عروة بن الوليد بن محمّد بن عطيّة، ثم مضى من مكّة إلى اليمن واستخلف على مكّة ابن ماعز - رجل من أهل الشام - وبلغ عبد الله بن يحيى وهو بصنعاء مسيره فأقبل إليه بمن معه وقاتله فقتل عبد الله بن معاوية، وتفرّق أصحابه. ودخل ابن عطية صنعاء وبعث برأس عبد الله بن يحيى بن معاوية إلى مروان.
قتل قحطبة أهل جرجان

وفي هذه السنة قتل قحطبة من أهل جرجان زهاء ثلاثين ألف رجل وذلك أنّ أهل جرجان كان أجمع رأيهم بعد مقتل نباتة بن حنظلة على الخروج على قحطبة فبلغه ذلك. فدخل فاستعرضهم فقتل منهم من ذكرت.
رجع الحديث إلى قصة نصر مع أبي مسلم وقحطبة

ولمّا بلغ نصر بن سيّار، قتل نباتة ومن قتل من أهل جرجان وهو بقومس.
ارتحل حتى نزل خوار الريّ. وكتب أبو مسلم إلى زياد بن زرارة القشيري بعهده على نيسابور، وكتب إلى قحطبة يأمره أن يتبع نصرا فوجّه قحطبة العكّى على مقدّمته وسار حتى نزل نيسابور فأقام قحطبة بها شهر رمضان وشوّالا، ونصر نازل بقرية من قومس. فكتب نصر إلى ابن هبيرة يستمدّه ويعظّم الأمر عليه، فحبس ابن هبيرة رسله.
فكتب نصر إلى مروان:
« إني وجّهت إلى ابن هبيرة بوجوه أهل خراسان ليعلموه شدّة الأمر عندنا وسألته المدد فاحتبس رسلي ولم يمدّنى بأحد، وإنّما أنا بمنزلة من أخرج من حجرته إلى داره، ثم أخرج من داره إلى فناء داره، فإن أدركه من يعينه فعسى أن يعود إلى داره، وإن أخرج إلى الطريق فلا بقيّة له. » فكتب مروان إلى ابن هبيرة يأمره أن يمدّ نصرا، وأجاب نصرا يعلمه ذلك.
فكتب نصر إلى ابن هبيرة يسأله أن يعجّل إليه الجند، فإني قد كذبت أهل خراسان حتى ما يصدّق أحد منهم لي قولا فأمدّنى بعشرة آلاف قبل أن تمدّنى بمائة ألف ثم لا تغنى شيئا.
ثم دخلت سنة إحدى وثلاثين ومائة

وارتحل نصر من قومس حتى نزل الخوار وأميرها أبو بكر العقيلي وكان قحطبة وجّه ابنه الحسن إلى قومس ثم وجّه قحطبة أبا كامل وأبا القاسم بن محرز بن إبراهيم وأبا العبّاس المروزي إلى الحسن في سبعمائة، فلمّا كانوا قريبا منه انحاز أبو كامل وترك عسكره وأتى نصرا فصار معه، وأعلمه مكان الجند الذين خلفهم، فوجّه نصر إليهم جندا، فأتوهم وهم في حائط، فحصروهم فنقّب عليهم فهرب القوم وخلّفوا متاعهم، فأخذه أصحاب نصر، فبعث به نصر إلى ابن هبيرة.
وكان ابن هبيرة قد أمدّ بغطيف في ثلاثة آلاف وقد بلغ الريّ فعرض غطيف لمّا أنفذه نصر وأخذ الكتاب من رسول نصر والمتاع وبعث به مع صاحبه إلى ابن هبيرة، فغضب نصر وقال:
« أبي يتلعّب ابن هبيرة؟ أيشغب عليّ بضغابيس قيس؟ أما والله لأدعنّه، فليعرفنّ أنّه ليس بشيء ولا ابنه الذي تربّض له الأشياء. » وسار نصر نحو الريّ وعلى الريّ حبيب بن بديل النهشلي، فلمّا بلغ غطيفا قرب نصر من الريّ خرج متوجّها إلى همذان، وفيها مالك بن أدهم بن محرز الباهلي، فلمّا رأى غطيف مالكا في همذان عدل منها إلى إصبهان، إلى عامر بن ضبارة. ولم يلتق نصر مع غطيف، ثم مرض نصر، وكان يحمل حملا وتوجّه إلى همذان فمات في الطريق.
وبلغ الحسن موت نصر، فبعث خزيمة بن خازم إلى سمنان، وأقبل قحطبة من جرجان، وقدّم أمامه زياد بن زرارة القشيري وكان زياد ندم على اتباع أبي مسلم، فانخزل عن قحطبة وأخذ طريق إصبهان يريد عامر بن ضبارة.
فوجّه قحطبة خلفه المسيّب بن زهير، فلحقه من غد العصر، فقاتله وانهزم زياد، وقتل عامّة من صحبه، ورجع المسيّب إلى قحطبة. ثم سار قحطبة إلى قومس، وبها ابنه الحسن، وقدم خزيمة بن خازم من الوجه الذي كان وجّهه فيه الحسن، وقدّم قحطبة ابنه الحسن إلى الريّ، وبلغ حبيب بن بديل النهشلي ومن معه من أهل الشام مسير الحسن فخرجوا عن الريّ، فقدمها الحسن وأقام حتى قدم أبوه، وكتب قحطبة إلى أبي مسلم بنزوله الريّ.
تحول أبي مسلم من مرو إلى نيسابور

وفي هذه السنة تحوّل أبو مسلم من مرو إلى نيسابور، وذلك لما ورد عليه كتاب قحطبة بنزوله الريّ، ووجّه قحطبة ابنه الحسن بعد نزوله الريّ بثلاث إلى همدان، فلمّا توجّه إليها خرج منها مالك بن أدهم فترك قوم من أصحاب مالك دواوينهم بعد أن بذلها لهم.
وسار مالك إلى نهاوند فيمن تبعه، وسار الحسن فنزل على أربعة فراسخ من المدينة، فأمدّه أبوه قحطبة بأبي الجهم بن عطية مولى باهلة في سبعمائة ووصّاه أن يحاصر المدينة. فذهب حتى حاصرها.
وفي هذه السنة قتل عامر بن ضبارة واستبيح عسكره.
ذكر الخبر عن ذلك وسببه

كان سبب ذلك أنّ ضبارة لمّا هزم عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر، تبعه إلى كرمان ليلحقه، وورد على يزيد بن عمر بن هبيرة مقتل نباتة بن حنظلة بجرجان فكتب إلى عامر بن ضبارة وإلى ابنه داود بن يزيد بن عمر أن يسيرا إلى قحطبة وكان بكرمان، فسار في خمسين ألفا حتى نزلوا إصبهان بمدينة جيّ، فكان يقال لعسكر ابن ضبارة: عسكر العساكر.
فبعث قحطبة مقاتلا وأبا حفص المهلّبي وموسى بن عقيل ومالك بن طريف في جماعة أمثالهم وعليهم جميعا العكّيّ، فسار حتى نزل قم.
وبلغ ابن ضبارة نزول الحسن على أهل نهاوند فأراد أن يأتيهم مغيثا لهم، وبلغ الخبر العكّى فبعث إلى قحطبة يعلمه ووجّه زهير بن محمّد إلى قاسان. وخرج العكّى من قم وخلّف بها طريف بن عجلان فكتب إليه يأمره أن يلبث بقم متلوّما حتى يقدم عليه. وأقبل قحطبة من الرّى وبلغه تلاقى طلائع العسكرين، فلمّا لحق قحطبة بمقاتل بن حكيم العكّى، ضمّه مع عسكره إلى عسكره وسار عامر بن ضبارة إليهم و [ بينه وبين ] وعسكر قحطبة فرسخ. ثم نهد إليه فالتقوا وكان قحطبة في عشرين ألفا وابن ضبارة في مائة وخمسين ألفا، فأمر قحطبة بمصحف، فنصب على رمح ثم نادى:
« يا أهل الشام، ندعوكم إلى ما في هذا المصحف. » فشتموه وأفحشوا له في القول.
فقال قحطبة:
« احملوا على اسم الله. » فحمل عليهم العكي، فلم يكن بينهم كثير قتال حتى انهزم أهل الشام وقتلوا قتلا ذريعا، وحووا عسكرهم فأصابوا شيئا لا يدرى ما عدده من السلاح والمتاع والرقيق، وبعث بالفتح إلى ابنه الحسن.
ذكر السبب في ذلك

وكان السبب في هزيمة ابن ضبارة أنّه كان في خيل لا رجّالة، معه، وكان قحطبة معه خيل ورجّالة فلمّا رمى الرجّالة الخيل بالنّشاب، انهزم أصحاب ابن ضبارة، فنزل ابن ضبارة في العسكر ونادى:
« إليّ، إليّ. » فمضى أصحابه وطووه وقحطبة في أثرهم حتى انتهوا إلى ابن ضبارة فقتله.
وكان داود بن يزيد بن عمر بن هبيرة فيمن انهزم. فسأل عامر عنه، فقيل:
انهزم. فقال:
« لعن الله شرّنا منقلبا. » فقاتل حتى قتل.
وقعة قحطبة بنهاوند

وفي هذه السنة كانت وقعة قحطبة بنهاوند بمن كان لجأ إليها من جنود مروان بن محمّد.
ذكر الخبر عن هذه الوقعة

لمّا قتل ابن ضبارة، وورد خبره على الحسن بن قحطبة، كبّر وكبّر جنده.
فقال عاصم بن عمير:
« ما صاح هولاء إلّا بقتل ابن ضبارة، فافرجوا عن الحسن بن قحطبة قبل أن يأتيه أبوه أو مدد من قبله. » فلا تقومون له.
فقال الرّجالة:
« تخرجون وأنتم فرسان على خيول فتذهبون وتخلّوننا. » فقال لهم مالك بن أدهم الباهلي:
« كتب إليّ ابن هبيرة ولا أبرح حتى يقدم عليّ. » فأقاموا وأقام قحطبة بإصبهان عشرين يوما، ثم سار حتى قدم على الحسن بنهاوند، فحصرهم ودعاهم إلى الأمان فأبوا، فوضع عليهم المجانيق. فلمّا اشتدّ عليهم الأمر، طلب مالك الأمان لنفسه ولأهل الشام، وأهل خراسان لا يعلمون.
فأعطاه الأمان فوفى لهم قحطبة ولم يقتل منهم أحدا وقتل من كان بنهاوند من أهل خراسان إلّا الحكم بن ثابت بن أبي مسعر. وقتل من أهل خراسان أبا كامل، وحاتم بن الحارث بن سريج، وابن نصر بن سيّار، وعاصم بن عمير، وعليّ بن عقيل، وبيهس بن بديل، ورجلا من ولد عمر بن الخطّاب يقال له:
البختريّ. ويقال إنّ قحطبة كان أرسل إلى أهل خراسان بنهاوند يدعوهم إلى الخروج إليه وأعطاهم الأمان. فأبوا ذلك. ثم أرسل إلى أهل الشام بمثل ذلك، فقبلوا الأمان وبعثوا إلى قحطبة أن:
« اشغل أهل المدينة حتى نفتح الباب وهم لا يشعرون. » ففعلوا ذلك. » وشغل قحطبة أهل المدينة بالقتال ففتح أهل الشام الباب الذي كانوا عليه، فلمّا رأى أهل خراسان الذين في المدينة خروج أهل الشام سألوهم عن سبب خروجهم فقالوا:
« أخذنا الأمان لنا ولكم. » فخرج رؤساء أهل خراسان، فدفع قحطبة كل رجل منهم إلى رجل من قوّاد أهل خراسان، ثم أمر مناديه أن ينادى:
« من كان في يده أسير ممّن خرج إلينا من المدينة فليضرب عنقه وليأتنا برأسه. » ففعلوا فلم يبق أحد من الذين كانوا هربوا من أبي مسلم وصاروا في ذلك الحصن إلّا قتل ما خلا أهل الشام، فإنّه خلّى سبيلهم وحلّفهم ألّا يمالئوا عليه عدوّا.
ووجّه قحطبة الحسن ابنه إلى مرج القلعة فقدّم الحسن خازم بن خزيمة إلى حلوان وعليها عبيد الله بن العلاء الكندي، فهرب من حلوان وخلّاها. ووجّه قحطبة أبا عون عبد الملك بن يزيد الخراساني، ومالك بن طواف الخراساني في أربعة آلاف إلى شهرزور وبها عثمان بن سفيان على مقدّمته عبد الله بن مروان، فقدم ابن عون وقاتل عثمان قتالا شديدا ثم هرب عثمان واستباح ابن عون عسكره.
ولمّا بلغ مروان خبر ابن عون وهو بحرّان ارتحل ومعه جنود الشام والجزيرة والموصل وحشرت معه بنو أميّة أبناءهم، وسار مقبلا حتى انتهى إلى الموصل. ثم أخذ في حفر الخنادق من خندق إلى خندق حتى نزل الزاب الأكبر. وأقام ابن عون بشهرزور وفرض بها لخمسة آلاف رجل.
مسير قحطبة نحو ابن هبيرة