وكان أوّل من صعد السور من باب الشرقي عبد الله الطائي ومن قبل باب الصغير بسّام بن إبراهيم فقتل بها ثلاث ساعات. ثم أمر بالكفّ.
وأقام عبد الله بن عليّ بدمشق ثمانية عشر يوما. ثم سار يريد فلسطين فنزل بهم الكسوة، ووجّه منها يحيى بن جعفر الهاشمي إلى المدينة ثم ارتحل إلى الأردن، فأتوه وقد سوّدوا. ثم سار إلى مرج الروم ثم أتى نهر أبي فطرس.
وقد هرب مروان فأقام بفلسطين وجاءه كتاب أبي العبّاس أن وجّه صالح بن عليّ في طلب مروان. فسار صالح بن عليّ من نهر أبي فطرس ومعه ابن قنّان وعامر بن إسماعيل وأبو عون. فقدّم أبا عون وعلى مقدّمته وسار فنزل الرملة، ثم سار فنزل ساحل البحر وجمع صالح بن عليّ السفن وتجهّز يريد مروان وهو بالفرما، فسار على الساحل والسفن حذاءه في البحر، حتى نزل العريش، وبلغ مروان، فأحرق ما كان حوله من علف وطعام، وهرب.
ومضى صالح بن عليّ، فنزل النيل، ثم سار حتى نزل الصعيد. وبلغه أن خيلا لمروان بالساحل يحرقون الأعلاف، فوجّه إليهم قوّادا فأخذوا رجالا وقدموا بهم على صالح وهو بالفسطاط، فعبر مروان النيل وقطع الجسر وحرق ما حوله. ومضى صالح يتبعه فالتقى هو وخيل لمروان على النيل، فاقتتلوا، فهزمهم صالح، ثم مضى إلى خليج فصادف عليه خيلا لمروان فأصاب منهم طرفا وهزمهم ثم ارتحل فنزل موضعا يقال له ذات الساحل. وقدّم أبا عون ومعه شعبة بن كثير المازني، فلقوا خيلا لمروان فهزموهم فأسروا منهم رجالا، فقتلوا بعضهم واستحيوا بعضا وسألوهم عن مروان، فقالوا:
« إن آمنتمونا دللناكم على مكانه. » فآمنوهم، فأخبروهم به. وساروا فوجدوه نازلا في كنيسة بوصير، ووافوه في آخر الليل، فهرب الجند وخرج إليهم مروان في نفر يسير، فأحاطوا به فقتلوه.
اتفاق عجيب
ومن عجيب الأمور التي جرت هناك أنّ أبا عون عامر بن إسماعيل تحدّث فقال: لقينا مروان ببوصير ونحن في جماعة يسيرة، فشدّوا علينا فانضوينا إلى نخيل، ولو يعلمون بقلّتنا لأهلكونا، فقلت لأصحابي:
« إن أصبحنا فرأونا ونحن نفر يسير لم ينج منّا أحد. » وذكرت قول بكير بن ماهان:
« أنت والله تقتل مروان، كأنّى أسمعك تقول: دهيذ يا جوانكان. » فكسرت جفن سيفي وكسر أصحابي جفون سيوفهم وقلت: دهيذ يا جوانكان، فكأنّها نار صبّت عليهم، فانهزموا. » وحمل رجل على مروان فضربه بسيفه فقتله.
وكتب عامر بن إسماعيل إلى صالح بن عليّ فكتب صالح بن عليّ إلى أمير المؤمنين أبي العبّاس:
« إنّا اتّبعنا عدوّ الله الجعديّ حتى ألجأناه إلى أرض عدوّ الله شبيهه فرعون، فقتله بأرضه. » وبعث صالح برأسه مع يزيد بن هانئ، وكان على شرطة أبي العبّاس يوم الأحد لثلاث بقين من ذي الحجّة سنة اثنتين وثلاثين ومائة.
ورجع صالح إلى الفسطاط ثم انصرف إلى الشام فدفع الغنائم إلى أبي عون، والسلاح والأموال والرقيق إلى أبي الفضل ابن دينار، وخلّف أبا عون على مصر.
وقتل مروان وهو ابن نيّف وستين سنة واختلف الناس في النيّف، فلذلك لم أثبته.
فكانت ولايته من حين بويع إلى أن قتل خمس سنين وعشرة أشهر وستّة عشر يوما.
وكانت أمّه أمّة لإبراهيم بن الأشتر، أصابها محمد بن مروان بن الحكم يوم قتل ابن الأشتر، فأخذها من ثقله وهي نس، فولدت مروان على فراشه. ولمّا بويع أبو العبّاس دخل عليه ابن عياش المنتوف فقال:
« الحمد لله الذي أبدلنا بحمار الجزيرة وابن أمة النخع، ابن عمّ رسول الله وابن عبد المطلب. » وفي هذه السنة خلع أبو الورد أبا العبّاس بقنّسرين، فبيض وبيّضوا معه.
ذكر الخبر في تبييض أبي الورد وانتقاض تلك النواحي كلها وما آل إليه أمرهم
كان سبب ذلك أنّ أبا الورد واسمه مجزأة بن الكوثر بن زفر بن الحارث الكلابي كان من أصحاب مروان وفرسانه وقوادّه، فلمّا هزم مروان وأبو الورد بقنّسرين قدمها عبد الله بن عليّ، فبايعه فدخل فيما دخل فيه الناس من الطاعة وكان ولد مسلمة بن عبد الملك مجاورين له ببالس والناعورة، فقدم بالس قائد من قوّاد عبد الله بن عليّ من الأزاذ مرديّة في مائة وخمسين فارسا، فتعرّض لنساء مسلمة بن عبد الملك وعبث بولد مسلمة، فشكا بعضهم ذلك إلى أبي الورد وذكّره الحقّ والحرمة فخرج من مزرعة له تعرف بخساف في عدّة من أهل بيته حتى هجم على ذلك القائد وهو نازل حصن مسلمة، فقاتله حتى قتله ومن معه، وأظهر التبييض والخلع، ودعا أهل قنّسرين إلى ذلك، فتسارعوا إليه، وبيّضوا بأجمعهم وعبد الله بن عليّ مشغول. بحرب ابن حبيب بن مرّة في أيلة بأرض البلقاء والبثنيّة وحوران.
وكان قد لقيه عبد الله بن عليّ في جموعه فقاتله، وكان بينه وبينهم وقعات وكان من قوّاد مروان وفرسانه، وكان سبب تبييضه الخوف على نفسه وقومه فبايعته قيس وغيرهم ممّن يليهم من أهل تلك الكور. فلمّا بلغ عبد الله بن عليّ تبييض أهل قنّسرين دعا حبيب بن مرّه إلى الصلح فصالحه وآمنه ومن معه، وخرج متوجّها نحو قنّسرين للقاء أبي الورد، فمّر بدمشق، فخلّف عليها أبا غانم عبد الحميد بن ربعي في أربعة آلاف رجل من جنده، وكان بدمشق يومئذ امرأة عبد الله بن عليّ أمّ البنين بنت محمّد بن عبد المطلّب النوفلية وأمّهات الأولاد لعبد الله بن عليّ وثقل له، فلمّا قدم حمص في وجهه انتقض عليه بعده أهل دمشق، فبيّضوا ونهضوا مع عثمان بن عبد الله بن سراقة الأزدي، فنهضوا إلى أبي غانم ومن معه فقاتلوه وهزموه، وقتلوا من أصحابه مقتلة عظيمة، وانتهبوا ما كان عبد الله بن عليّ خلّفه من ثقله ومتاعه ولم يعرضوا لأهله، وبيّض أهل دمشق واستجمعوا على الخلاف.
ومضى عبد الله بن عليّ وقد كان تجمّع مع أبي الورد جماعة من أهل قنّسرين وكاتبوا من يليهم من أهل حمص وتدمر، فقدم منهم ألوف وعليهم أبو محمّد بن عبد الله بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، فرأسوا عليهم أبا محمّد ودعوا إليه وقالوا:
« هو السفياني الذي كان يذكر. » وهم نحو من أربعين ألفا.
فلمّا دنا منهم عبد الله بن عليّ، وأبو محمد معسكر بجماعتهم في مرج يقال له: مرج الأخرم، وأبو الورد المتولّى لأمر العسكر وهو صاحب القتال والوقائع، وجّه عبد الله بن عليّ أخاه عبد الصمد بن عليّ في زهاء عشرة آلاف فارس، فناهضهم أبو الورد ولقيهم بين العسكرين واستحرّ القتل في الفريقين، وثبت القوم حتى انهزم عبد الصمد ومن معه. وقتل منهم يومئذ ألوف.
وأقبل عبد الله حيث أتاه عبد الصمد ومعه حميد بن قحطبة وجماعة من معه من القوّاد، فالتقوا واقتتلوا ثانية بمرج الأخرم قتالا شديدا فانكشف منهم جماعة ممّن كان مع عبد الله، ثم ثابوا، وثبت لهم عبد الله وحميد بن قحطبة فهزموهم وثبت أبو الورد في نحو من خمسمائة من أهل بيته وقومه فقتلوا جميعا، وهرب أبو محمّد ومن معه حتى لحقوا بتدمر.
وآمن عبد الله أهل قنّسرين، وسوّدوا وبايعوا. ثم انصرف راجعا إلى أهل دمشق لما كان من تبييضهم عليه وتوثّبهم على أبي غانم. فلمّا دنا من دمشق، هرب الناس وتفرّقوا ولم يكن بينهم وقعة فآمن عبد الله أهلها وبايعوه، ولم يأخذهم بما كان منهم.
وأمّا أبو محمّد فلم يزل متغيّبا، ولحق بأرض الحجاز وبلغ زياد بن عبيد الله الحارثي عامل أبي جعفر على المدينة مكانه الذي تغيّب فيه، فوجّه إليه خيلا فقاتلوه حتى قتل وأخذوا ابنين له، فبعث بهما إلى أبي جعفر، وهو يومئذ أمير المؤمنين فأمر بتخلية سبيلهما وآمنهما.
وفي هذه السنة بيّض أهل الجزيرة وخلعوا أبا العبّاس
ذكر الخبر عن ذلك
كان الناس يظنّون ببيعة المسوّدة أنّها تردّ عليهم سنّة الصدر الأوّل، فلمّا رأوا سيرتهم شبيهة بسيرة من تقدّمهم، ثم هجم عليهم عسكر غريب منهم، لهم معرّات وأطماع فيهم تبرّموا بهم، فلمّا خرج أبو الورد لما ذكرنا، غيرة وحميّة على نساء مسلمة، انتقض الناس من كل ناحية، وكان بحرّان يومئذ موسى بن كعب في ثلاثة آلاف من الجند، صاحب عبد الله بن عليّ، وسار إليه الناس مبيّضين من كل وجه، فحاصروه ومن معه، وأمرهم متشتت ليس عليهم رأس يجمعهم وقدم على بقيّة ذلك إسحاق بن مسلم من أرمينيه كان شخص عنها حين بلغته هزيمة مروان فرأسته جنود الجزيرة حتى حاصر موسى بن كعب.
فوجّه أبو العبّاس أخاه أبا جعفر بمن معه من الجنود التي كانت بواسط محاصرة ابن هبيرة، فمضى حتى مرّ بقرقيسيا وأهلها مبيّضون قد غلّقوا أبوابها دونهم، ثم قدم مدينة الرقّة وهم على مثل ذلك، وبها بكّار بن مسلم، فمضى نحو حرّان، ورحل إسحاق بن مسلم إلى الرها في سنة ثلاث وثلاثين ومائة، وخرج موسى بن كعب فيمن معه من مدينة حرّان فلقوا أبا جعفر، وقدم بكّار على أخيه [ إسحاق ] مسلم بن عقيل.
فوجّهه إلى رجل من الحروريّة يقال له: بريكة، وهو في جماعة ربيعة، فصمد له أبو جعفر، فقاتلوه قتالا شديدا وقتل بريكة، وانصرف بكّار إلى أخيه بالرّها فخلفه إسحاق بها، ومضى شميشاط، فخندق على عسكره، وأقبل أبو جعفر حتى قاتله بكّار بالرها فكانت بينهم وقعات.
وكتب أبو العبّاس إلى عبد الله بن عليّ في المسير بجنوده إلى إسحاق بشميشاط، فأقبل حتى نزل عليه وهم في ستّين ألفا من أهل الجزيرة جميعا. وبينهما الفرات وأقبل أبو جعفر من الرها، فكاتبهم إسحاق وطلب الصلح فأبوا، فطلب الأمان فأجابوه. وكتبوا إلى أبي العبّاس فأمرهم أن يؤمنوه ومن معه، فكتبوا بينهم كتابا ووثّقوا له فيه، فخرج أبو إسحاق إلى أبي جعفر وتمّ الصلح، وكان مع أبي جعفر، ينزل معه منزلة كبيرة، وآثره على جميع أصحابه.
وكان إسحاق بن مسلم العقيلي حيث حاصره أبو جعفر يقول:
« في عنقي بيعة ولست أدعها حتى أعلم أن صاحبها قد مات أو قتل. » فأرسل إليه أبو جعفر:
« إنّ مروان قد قتل. » فقال:
« حتى أتيقّن. » ثم لمّا طلب الصلح قال:
« قد أيقنت أنّ مروان قد قتل. » وولّى أبو العبّاس أبا جعفر الجزيرة وأرمينية وآذربيجان، ولم يزل عليها حتى استخلف.
وفي هذه السنة شخص أبو جعفر إلى خراسان لاستطلاع رأى أبي مسلم في قتل أبي سلمة حفص بن سليمان الذي يقال له: وزير آل محمّد.
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)