فلمّا رأى الحسن بن سهل أنّ أبا السرايا يهزم عساكره ولا يتوجّه إلى بلدة إلّا افتتحها ولم يجد في قوّاده من يكفيه حربه، تذكّر هرثمة. وكان هرثمة لمّا قدم الحسن بن سهل العراق واليا من قبل المأمون سلّم إليه ما كان بيده من الأعمال وتوجّه نحو خراسان مغاضبا، فبلغ حلوان وبعث إليه الحسن السندي وصالحا صاحب المصلّى يسأله الانصراف إلى بغداد لحرب أبي السرايا فامتنع وأبي وقال:
« تذكروننا عند البلاء. » فانصرف رسل الحسن إليه بإباءه وتمنّعه فأعاد إليه السندي بكتب لطيفة ورسائل تشبه الكتب، فأجاب وانصرف إلى بغداد فقدمها في شعبان وتهيّأ للخروج.
وأمر الحسن عليّ بن أبي سعيد أن يخرج إلى ناحية المدائن وواسط والبصرة وتهيئوا لذلك وبلغ الخبر أبا السرايا وهو بقصر ابن هبيرة، فوجّه إلى المدائن فدخلها أصحابه في شهر رمضان وتقدّم هو بنفسه حتى نزل صرصر.
وكان هرثمة أنفذ منصور بن المهدي إلى الياسرية فخرج وعسكر بها. فلمّا قدم هرثمة خرج فعسكر بالسفينتين بين يدي منصور ثم شخص إلى نهر صرصر بإزاء أبي السرايا والنهر بينهما. وتوجّه عليّ بن سعيد من طريق كلواذى إلى المدائن فقاتل أصحاب أبي السرايا وهزمهم وأخذ المدائن وبلغ أبا السرايا فرجع من نهر صرصر إلى قصر ابن هبيرة وأصبح هرثمة فجدّ في طلبه فوجد جماعة كبيرة فقتلهم وبعث برؤوسهم إلى الحسن بن سهل ثم صار إلى قصر ابن هبيرة فكانت بينه وبين أبي السرايا وقعة قتل فيها من أصحاب أبي السرايا خلق كثير وانحاز أبو السرايا إلى الكوفة.
فوثب محمد بن محمد ومن معه من الطالبيّين على دور بنى العبّاس ومواليهم وأتباعهم فانتهبوها وهدموها وحرّقوها وخرّبوا ضياعهم وأخرجوهم من الكوفة وعملوا في ذلك عملا قبيحا جدّا واستخرجوا الودائع التي كانت عند الناس.
وتوجّه عليّ بن أبي سعيد بعد أخذه المدائن إلى واسط فأخذها ثم توجّه إلى البصرة فلم يقدر على أخذها حتى انقضت سنة تسع.
ثم دخلت سنة مائتين

هروب أبي السرايا من الكوفة ومقتله

وفيها هرب أبو السرايا من الكوفة ودخلها هرثمة ومنصور بن المهدي فآمنوا أهلها ولم يعرضوا لأحد. ثم إنّ أبا السرايا عبر دجلة أسفل واسط. فأتى عبدسيّ فوجد بها مالا كان حمل من الأهواز فأخذه ثم مضى حتى أتى السوس فنزلها وأقام بها أربعة أيّام وجعل يعطى الفارس ألفا والراجل خمسمائة.
فلمّا كان اليوم الرابع أتاهم الحسن بن عليّ الباذغيسى المعروف بالمأمونى فأرسل إليهم:
« اذهبوا حيث شئتم فإنّه لا حاجة لي في قتالكم، إذا أنتم خرجتم من عملي فلست أتبعكم. » فأبى أبو السرايا إلّا قتاله فقاتلهم فهزمهم الحسن واستباح عسكرهم وجرح أبو السرايا جراحة شديدة فهرب واجتمع هو ومحمد بن محمد وأبو الشوك، فأخذوا ناحية الجزيرة يريدون منزل أبي السرايا برأس العين، فلمّا انتهوا إلى جلولاء عثر بهم فأتاهم حمّاد فأخذهم فجاء بهم إلى الحسن بن سهل وكان مقيما بالنهروان حين طردته الحربية فضرب عنق أبي السرايا، وكان الذي تولّى ضرب رقبته هارون بن محمد بن أبي خالد الذي كان أسيرا في يده. فلم ير أحد عند القتل أشدّ جزعا من أبي السرايا كان يضرب بيديه ورجليه ويصيح أشدّ ما يكون من الصياح حتى جعل في رأسه حبل وفي يديه حبل وفي رجليه حبل وهو في ذلك يضطرب ويلتوي ويصيح حتى ضربت عنقه. ثم بعث برأسه فطيف به وبعث بجسده إلى بغداد فصلب على الجسرين في كلّ جسر نصف.
وكان بين خروجه وقتله عشرة أشهر.
وتوجّه عليّ بن أبي سعيد إلى البصرة فافتتحها، وكان الذي بها من الطالبيّين زيد بن موسى بن جعفر بن محمد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام وهو الذي يقال له: زيد النار، وإنّما سمّى بذلك لكثرة ما حرّق من الدور بالبصرة. وكان إذا أتى برجل من المسوّدة كانت عقوبته أن يحرقه بالنار، فأسره عليّ بن أبي سعيد مع جماعة من قوّاده وبعث بهم إلى الحسن بن سهل.
خروج إبراهيم بن موسى بن جعفر (ع) باليمن

وفي هذه السنة خرج إبراهيم بن موسى بن جعفر بن محمد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام باليمن.
ذكر السبب في خروجه

كان سببه أنّ أبا السرايا لمّا تغلّب على الكوفة وتجاسر الناس على الحسن بن سهل، حدّث هذا أيضا نفسه باليمن وكان بها من قبل المأمون إسحاق بن موسى بن عيسى بن موسى. فلمّا سمع بإقبال إبراهيم بن موسى العلوي وأهل بيته إليه كره قتالهم وخرج بجميع من في عسكره من الخيل والرجل فخلّى لإبراهيم اليمن. فدخل إبراهيم بلاد اليمن وقتل خلقا كثيرا وسبى وأخذ أموالا عظيمة من الناس فسمّى إبراهيم الجزّار.
جلوس الأفطس