أهل بغداد يبايعون إبراهيم بن المهدي بالخلافة

وفي هذه السنة بايع أهل بغداد إبراهيم بن المهدي بالخلافة وخلعوا المأمون.
ذكر السبب في ذلك

قد ذكرنا ما أنكره العباسيون ببغداد على المأمون حتى أخرجوا الحسن بن سهل عن بغداد. فلمّا ورد أمره بالبيعة لعليّ بن موسى ولبس الخضرة وأخذ الناس به، أرادوا أن يبايعوا إبراهيم بن المهدي بالخلافة ويخلعوا المأمون، وبذلوا للجند عشرة دنانير لكلّ واحد منهم. فاضطرب الناس وقبل بعضهم ورضى وأبي قوم وامتنعوا، فاجتمعوا وأمروا رجلا يقول يوم الجمعة حين يؤذّن المؤذّن:
« إنّا نريد أن ندعو للمأمون ومن بعده إبراهيم يكون خليفته والنائب عنه. » ودسّوا قوما آخرين يقولون:
« إذا قام هذا الرجل وقال ما عنده لا نرضى إلّا أن تبايعوا لإبراهيم بالخلافة وتخلعوا المأمون، أتريدون أن تأخذوا أموالنا كما صنع منصور، ثم تجلسوا في بيوتكم؟ » فقال يوم الجمعة هذا الرجل ما وصّوه به، وقام الآخرون فقالوا ما وصّوا به، وماج الناس، فلم يصلّ تلك الجمعة ولا خطب أحد وإنّما صلّى الناس بعد ما حسّوا الفوت أربع ركعات وانصرفوا.
تحرك بابك الخرمى في الجاويذانية

وفي هذه السنة تحرّك بابك الخرّمى في الجاويذانية أصحاب جاويذان بن سهل صاحب البذّ، وادّعى أنّ روح جاويذان دخل فيه، وأخذ في العيث والفساد.
ودخلت سنة اثنتين ومائتين

فلمّا كان يوم الجمعة لخمس خلون من المحرّم أظهروا أمر إبراهيم، وصعد إبراهيم المنبر، فكان أوّل من بايعه عبيد الله بن العباس بن محمد، ثم منصور بن المهدي، ثم سائر بنى هاشم وكان المتولّى لأخذ البيعة المطّلب بن عبد الله بن مالك وقام في ذلك السندي وصالح صاحب المصلّى ومنجاب ونصير الوصيف وسائر الموالي - إلّا أنّ هؤلاء كانوا الرؤساء - غضبا منهم على المأمون حين أراد الخروج، وإخراج ولد العباس من الخلافة، ولتركه لباس آباءه.
ولمّا فرغ من ذلك وعد الجند أن يعطيهم أرزاقهم لستّة أشهر فدافعهم بها.
فلمّا رأوا ذلك شغبوا عليه، فأعطى كلّ رجل منهم مائتي درهم وكتب لبعضهم إلى السواد بقيمة ما لهم حنطة وشعيرا، فخرجوا في قبضها، فلم يمرّوا بشيء إلّا انتهبوه، وأخذوا النصيبين جميعا.
وخرج على إبراهيم بن المهدي، مهدى بن علوان الحروريّ فحكّم وظهر ببزرج سابور، وغلب على الراذانين ونهر بوق. فوجّه إبراهيم إليه أبا إسحاق ابن الرشيد في جماعة من القوّاد كثيرين، وكان مع أبي إسحاق غلمان له أتراك، فلقوا الشراة، فطعن رجل من الأعراب أبا إسحاق فحامى عنه غلام تركيّ، وقال له:
« يا مولاي، مرا بشناس. » فسمّاه يومئذ: أشناس.
إنفاذ العباس بن موسى بن جعفر إلى الكوفة

وأنفذ الحسن بن سهل العباس بن موسى بن جعفر، وهو أخو عليّ بن موسى الرضا، إلى الكوفة وأمره بلباس الخضرة، وأن يدعو أوّلا للمأمون ومن بعده لأخيه عليّ بن موسى، وأعانه بمائة ألف درهم وقال له:
« قاتل عن أخيك، فإنّ أهل الكوفة يجيبونك وأنا معك. » وكانت الكتب نفذت من جهة إبراهيم بن المهدي إلى الكوفة بتقلّده الأمر وقيامه بإمرة المؤمنين وخلع المأمون، ونفذت الكتب من جهة الحسن بن سهل بما رآه المأمون وكثر الخلاف. وكانت لهم أخبار لا يليق ذكرها بهذا الكتاب إذ كانت فتنا لا تجربة فيها وحروبا يقتل فيها بعض الناس بعضا من غير تدبير لطيف ولا مكر بديع، وإنّما كانت مصالتات بالسيوف، فمرّة يكون لهؤلاء ومرّة لهؤلاء.
فلمّا بلغ خبر العباس بن موسى بن جعفر العلوي أهل الكوفة، أجابه قوم كثيرون وقال قوم آخرون:
« إن كنت إنّما تدعو إلى المأمون ثم من بعده إلى أخيك، فلا حاجة لنا في دعوتك. وإن كنت تدعو إلى أخيك أو إلى نفسك أجبناك. » فقال: « إنّما أدعو إلى المأمون ثم من بعده لأخي. » فقعد عنه المستبصرون في التشيّع. وكان يظهر أنّ حميدا يأتيه ويعينه ويقويّه، وأنّ الحسن بن سهل يوجّه إليه قوما مددا له، فلم يأته منهم أحد، وتوجّه إليه أصحاب إبراهيم بن المهدي فهمزموه.
وكان كلّ فريق من أصحاب الخضرة والسواد ينهبون ويحرقون.
ثم أمر إبراهيم بن المهدي عيسى بن محمد بن أبي خالد أن يسير إلى ناحية واسط على طريق النيل، وأمر جماعة أن يسيروا ممّا يلي جوخى حتى عسكروا قرب واسط ممّا يلي الصيّادة وعليهم عيسى بن محمد بن أبي خالد، فتحصّن منهم الحسن بن سهل، فكان لا يخرج إليهم. ثم تهيّأ بعد أيّام الحسن للقتال فظنّ الناس أنّ ذلك لنظره في النجوم. ثم اختار يوما فخرجوا إليهم فاقتتلوا قتالا شديدا إلى الظهر، ووقعت الهزيمة على عيسى وأصحابه فانهزموا، فأخذ أصحاب الحسن جميع ما كان في عسكرهم من سلاح ودوابّ ومتاع وغير ذلك.
ظفر إبراهيم بسهل المطوعى

وفي هذه السنة ظفر إبراهيم بن المهدي بسهل بن سلامة المطوّعى فحبسه وعاقبه.
وكان السبب في ذلك
أنّ عيسى لمّا انهزم، أقبل هو وإخوته وأصحابه نحو سهل بن سلامة، لأنّه كان يذكرهم بأسوأ أعمالهم ويسمّيهم الفسّاق، ليس لهم عنده اسم غيره.
وكان أصحابه - الذين بايعوه على الكتاب والسنّة وألّا طاعة لمخلوق في معصية الخالق - وقد عمل كلّ رجل منهم على باب داره برجا بجصّ وآجر، وقد نصب عليه السلاح والمصاحف حتى بلغوا من الحربية إلى باب الشام سوى من أجابه من الكرخ وسائر الناس. فلمّا قصده عيسى لم يمكنه الوصول إليه. فأعطى أصحاب الدروب التي تقرب منه، الألف درهم والألفى درهم، على أن يتنحّوا له عن الدروب. فأجابوه إلى ذلك وكان نصيب الرجل الدرهم والدرهمان ونحو ذلك.
فلمّا كان يوم السبت لخمس بقين من شعبان تهيّئوا له من كلّ وجه وخذله أهل الدروب حتى وصلوا إلى مسجده ومنزله. فلمّا رآهم قد وصلوا إليه اختفى منهم وألقى سلاحه واختلط بالنظارة ودخل بين النساء. فدخلوا منزله فلم يظفروا به وأذكوا عليه العيون. فلمّا كان في الليل أخذوه في بعض الأزقّة فأتوا به إسحاق بن موسى الهادي وهو وليّ عهد عمّه إبراهيم وهو بمدينة السلام، فكلّمه وحاجّه وجمع بينه وبين أصحابه وقال له: