المؤمنين، وأرجو أن يجعل الله لأمير المؤمنين الخير وللمسلمين. » فعقد له وأمر أن يقطع حبال القصّارين عن طريقه، وتنحّى عن الطرقات المظالّ لئلّا يكون في طريقه ما يردّ لواءه، ثم عقد له لواء مكتوب عليه بصفرة ما يكتب على الألوية. وزاد فيه: « المأمون يا منصور. » فركب إليه الناس وركب إليه الفضل بن الربيع فأكرمه عبد الله وقال له: « قد تقدّم أبي وأخوك إليّ ألّا أقطع أمرا دونك. وأحتاج أن أستطلع رأيك واستضئ بمشورتك. » فأقام عنده إلى الليل وسأله المبيت فأبى واعتذر. فمشى معه عبد الله إلى صحن داره وودّعه.
وفي هذه السنة ولّى عبد الله بن طاهر إسحاق بن إبراهيم أمر الجسر وجعله خليفته على ما كان أبوه طاهر استخلفه فيه من الشرط وأعمال بغداد وشخص هو إلى الرقّة لحرب نصر بن شبث.
ودخلت سنة سبع ومائتين

وفاة ذي اليمينين

وفيها كانت وفاة ذي اليمينين طاهر من حمّى وحرارة أصابته. وذكر أنّه وجد في فراشه ميتا. فحكى خواصّه وعمّه عليّ بن مصعب أنّهم صاروا إليه يعودونه، فسألوا الخادم عن خبره وكان يغلّس بصلاة الصبح، فقال الخادم:
« هو نائم لم ينتبه. » فانتظروه ساعة، فلمّا تأخّر قالوا للخادم:
« أيقظه. » قال:
« لا أجسر. » فقالوا له:
« طرّق لنا لندخل إليه. » فدخلوا فوجدوه ملتفّا في دوّاج قد أدخله تحته وشدّه عليه من عند رأسه ورجليه، فحرّكوه فلم يتحرّك، فكشفوا عن وجهه فوجدوه قد مات، ولم يعلم أحد الوقت الذي توفّى فيه.
وذكر أبو سعده كلثوم بن ثابت قال: كنت على بريد خراسان ومجلسي يوم الجمعة في أصل المنبر، فلمّا كانت سنة سبع ومائتين بعد ولاية طاهر بن الحسين بسنتين حضرت الجمعة، فصعد طاهر المنبر فخطب، فلمّا بلغ إلى ذكر الخليفة أمسك عن الدعاء له وقال:
« اللهم أصلح أمّة محمد بما أصلحت به أولياءك واكفها مؤونة من بغى لها السوء وأرادها بمكروه بلمّ الشعث وحقن الدماء وإصلاح ذات البين. » قال: فقلت في نفسي: أنا أوّل مقتول لأنّى لا أكتم الخبر. فانصرفت واغتسلت ووصّيت وائتزرت بإزار ولبست قميصا وارتديت رداء وطرحت السواد وكتبت إلى المأمون.
قال: فلمّا صلّى العصر دعاني، وحدث حادث في جفن عينه وفي ماقه فسقط ميتا. فخرج طلحة بن طاهر فقال:
« ردّوه ردّوه ».
وقد خرجت فردّونى وقال:
« هل كتبت بما كان؟ » قلت: « نعم. » قال: « فاكتب بوفاته. » فأعطاني مالا وثيابا. فكتبت بوفاته وقد قام طلحة بالجيش.
قال: فوردت الخريطة على المأمون بخلعه. فدعا ابن أبي خالد فقال:
« اشخص الآن فأت به كما زعمت وضمنت. » قال: « أبيت ليلتي؟ » قال: « لا لعمري ولا تبيت إلّا على الظهر. » فلم يزل يناشده حتى أذن له في المبيت، ووافت الخريطة بموته ليلا، فأمر بمكاتبة طلحة وأقامه مقامه فبقى طلحة واليا على خراسان في أيّام المأمون سبع سنين بعد موت طاهر ثم توفّى وولّى عبد الله خراسان.
وذكر بعض خواصّ المأمون قال: شهدت مجلسا للمأمون وقد أتاه نعى طاهر فقال:
« لليدين وللفم. الحمد لله الذي قدّمه وأخّرنا. » ثم وجّه المأمون أحمد بن أبي خالد إلى خراسان للقيام بأمر طلحة، فشخص أحمد إلى ما وراء النهر فافتتح أسروشنة، وأسر كاووس وابنه وبعث بهما إلى المأمون، ووهب طلحة لأحمد ثلاثة آلاف ألف درهم وعروضا بألفي درهم ووهب لإبراهيم بن العبّاس كاتب أحمد خمسمائة ألف درهم.
ودخلت سنة ثمان ومائتين

ولم يحدث فيها حدث ينسخ في هذا الكتاب.
ودخلت سنة تسع ومائتين

وفيها حصر عبد الله بن طاهر نصر بن شبث وضيّق عليه حتى طلب الأمان.
ويقال: إنّ ثمامة حكى أنّ المأمون سأله أن يحمل إليه رجلا له عقل وبيان يحمّله رسالة إلى نصر بن شبث. قال: فحملت إليه رجلا من بنى عامر يقال له جعفر بن محمد فقال: أحضرنى المأمون بين يديه فكلّمنى بكلام كثير، ثم أمرنى أن أبلغه نصرا. قال: فأتيت نصرا وهو بسروج بموضع يقال له كفرغزون فأبلغته رسالته فأذعن وشرط شروطا منها أن لا يطأ له بساطا. قال: فأتيت المأمون فأخبرته فقال:
« لا أجيبه إلى هذا أبدا ولو أفضيت إلى بيع ما عليّ حتى يطأ بساطي وما باله ينفر مني. » قال: قلت:
« لجرمه وما تقدّم منه. » قال: « أتراه أعظم جرما عندي من الفضل بن الربيع ومن عيسى بن أبي خالد أتدرى ما صنع بي الفضل؟ أخذ قوّادى وأموالى وجنودي وسلاحي وجميع مالي ممّا أوصى به لي أبي فذهب به إلى