ثم ورد كتاب عبد الله بن طاهر بتسليم مازيار واخوته وأهل بيته إلى محمد بن إبراهيم ليحملهم إلى المعتصم، ولم يعرض عبد الله لأموالهم، وأمر أن يستقصى جميع ما للمازيار، فبعث الحسن إلى المازيار وأحضره وسأله عن أمواله. فسمّى قوما ذكر أنّ أمواله عندهم، فأحضر قوهيار وكتب عليه كتابا وضمّنه المال الذي ذكر مازيار أنّه عند ثقاته وخزّانه وأصحاب كنوزه وأشهد على نفسه. ثم إنّ الحسن أمر الشهود الذين أحضرهم أن يصيروا إلى المازيار ليشهدوا عليه، فذكر عن بعضهم أنّه قال: لمّا دخلنا على المازيار لنشهد عليه قال المازيار:
« إنّ جميع ما حملت من أموالى وصحبني ستّة وتسعون ألف دينار، وسبع عشرة قطعة زمرّد، وستّ عشرة قطعة ياقوتا أحمر، وثمانية أوقار سلالا مجلّدة فيها ألوان الثياب وتاج وسيف محلّى بذهب وجوهر، وحقّ كبير مملوء جوهرا. »
وقد وضعه بين أيدينا وقد سلمت ذلك إلى محمد بن الصباح وهو جار عبد الله بن طاهر وصاحب خبره على العسكر وإلى قوهيار. » قال: فخرجنا إلى الحسن بن الحسين فقال:
« أشهدتم على الرجل؟ » قال: « نعم. » فقال: « هذا شيء أخبرت به فأحببت أن تعلموا قلّته. » وذكر عليّ بن ربّن كاتب مازيار أنّ ذلك الحقّ كان شراء جوهره وحسبه على المازيار وشروين وشهريار ثمانية عشر ألف ألف درهم، وكان مازيار حمل جميع ذلك إلى الحسن بن الحسين على أن يظهر أنّه خرج إليه في الأمان وأنّه قد آمنه على نفسه وماله وولده وجعل له جبال أبيه فامتنع الحسن بن الحسين من ذلك وعفّ عنه وكان أعفّ الناس عن أخذ درهم أو دينار. فلمّا أصبح أنفذ مازيار مع طاهر بن إبراهيم وعليّ بن إبراهيم الحربي وورد كتاب عبد الله بن طاهر في إنفاذه مع يعقوب بن منصور، وقد ساروا بمازيار مراحل فبعث الحسن فردّه وأنفذه مع يعقوب بن منصور.
قتل قوهيار ذكر ترك حزم بالدالة عاد بهلاك

ثم أمر الحسن القوهيار أخا مازيار بحمل الأموال التي ضمنها ودفع إليه بغالا من العسكر وأمر بإنفاذ جيش معه وامتنع القوهيار وقال: إنه لا حاجة لي فيهم. وخرج وأخرج الأموال ليحملها، فوثب عليه مماليك المازيار من الديالمة وكانوا ألفا ومائتين فقالوا:
« غدرت بصاحبنا وأسلمته إلى العرب وجئت لتحمل أمواله. » فأخذوه وكبّلوه بالحديد، فلمّا جنّه الليل قتلوه وانتهبوا تلك الأموال والبغال.
فانتهى الخبر إلى الحسن فوجّه جيشا إلى الذين قتلوا القوهيار، ووجّه قارن جيشا آخر من قبله في أخذهم، فأخذ منهم صاحب قارن عدّة فيهم ابن عمّ للمازيار يقال له شهريار بن المصمغان وكان رأس العبيد ومحرّضهم، فوجّه به قارن إلى عبد الله بن طاهر فمات في الطريق، وكان جماعة أولئك الديالمة أخذوا على السفح والغيضة يريدون الديلم فنذر بهم محمد بن إبراهيم بن مصعب، فوجّه من قبله الطبرية وغيرهم حتى عارضوهم وأخذوا عليهم الطريق، فأخذوا على طريق الروذبار إلى الرويان.
سبب فساد أمر مازيار

وكان سبب فساد أمر مازيار أنّ جبال طبرستان ثلاثة يتوارثها ثلاثة أولاد لكسرى جبل ونداذ هرمز وجبل أخيه ونداذ سخنان بن الأنداد بن قارن وجبل شروين بن سرخاب بن باب.
فلمّا قوى أمر المازيار بعث إلى ابن عمّه فألزمه بابه وإلى أخيه قوهيار وأنفذ إلى هناك واليا من قبله، فلمّا احتاج مازيار إلى رجال لمحاربة عبد الله بن طاهر دعا ابن عمّه وأخاه وقال:
« أنتما أعلم بجبلكما من غيركما. » وقال: « صيرا في ناحية الجبل. »
وكتب إلى الدرنيّ وضمّ إليه العساكر وولّاه السهل ليحارب عبد الله بن طاهر وظنّ أنّه قد توثّق من الجبل بابن عمّه وأخيه القوهيار، وذلك أنّ الجبل لم يكن يظنّ أنّه يؤتى منه لأنّه ليس فيه للعساكر والمحاربة طريق لكثرة المضايق والشجر الذي فيه، وتوثّق من الموضع الذي يتخوّفه بالدّرنى.
فلمّا وجّه عبد الله بن طاهر عمّه الحسن بن الحسين بن مصعب في عسكر عظيم من خراسان ووجّه المعتصم محمد بن إبراهيم بن مصعب ووجّه معه صاحب خبر يقال له: يعقوب بن إبراهيم مولى الهادي، ويعرف بقوصرة وزحفت العسكر وأحدقت بمازيار دعا ابن عمّ مازيار نار الحقد الذي كان في قلبه على مازيار وتنحيته له عن جبله، إلى أن كاتب الحسن وأعلمه جميع ما يتطلّعه من الأخبار وأخبر خبر الأفشين، وكذلك فعل قوهيار أخوه.
وكانت هذه الأخبار ترد على عبد الله بن طاهر وعبد الله يكاتب بها المعتصم.
فشرط عبد الله بن طاهر لابن عمّ مازيار إن هو وثب بالمازيار أن يردّ عليه جبله وما ورثه عن آباءه فلا يعرض له فيه ولا يحارب. فرضي بذلك وكتب له بذلك كتابا وتوثّق له فيه فلم يشعر المازيار حتى سلّمت الجبال التي كان يأمنها وأتى من مأمنه وأنزل على حكم المعتصم والعسكر الذي مع الدرنيّ بالسهل غارّون في حربهم فأتاهم الحرب من وراءهم وقد أسر مازيار وهلك، فأعطوا حينئذ بأيديهم حتى هلكوا بأسرهم.
وكان عبد الله بن طاهر لمّا أسر مازيار وحصل في يده منّاه ووعده إن هو أظهره على كتب الأفشين، أن يسأل أمير المؤمنين الصفح عنه، وأعلمه عبد الله أنّه قد علم أنّ الكتب عنده، فأمر المازيار بذلك فطلبت الكتب ووجّه بها مع المازيار إلى إسحاق بن إبراهيم بن مصعب وأمره أن لا يخرج الكتب من يده والمازيار إلّا الى يد المعتصم لئلا يحتال المازيار في الكتب، ففعل إسحاق ذلك فأوصلها من يده إلى يد المعتصم فسأل المعتصم مازيار عن الكتب فلم يقرّ بها فأمر بضربه حتى مات فصلب إلى جانب بابك.
نهاية الدرني

فأمّا الدرنيّ فإنّه كان في نفسه شجاعا بطلا والتقى مع محمد بن إبراهيم بن مصعب، وكان جمع أموالا ورجالا يريد أن يدخل بها بلاد الديلم فلمّا عارضه محمد بن إبراهيم بين الجبل والغيضة والبحر - والغيضة متصلة بالجبل والديلم - حمل الدرنيّ على أصحاب محمد فكشفهم، ثم سار معارضة من غير هزيمة ليدخل الغيضة ولم يزل يحمل ويكشف الناس ويقرب من الغيضة حتى حمل عليه رجل من أصحاب محمد يقال له فند بن حاجيل فأخذه أسيرا واتبع الجند أصحابه وأخذ جميع ما صحبه من المال والأثاث والدوابّ والسلاح وأمر محمد بقتل أخيه برزجشنس ودعا الدرنيّ فقطعت يده من مرفقه ومدّت رجله فقطعت من الركبة وكذلك اليد الأخرى والرجل الأخرى فقعد الدرنيّ على استه ولم يتكلّم ولا تغيّر، فأمر بضرب عنقه، فأمّا أصحابه فحملوا مكبّلين.
خلاف منكجور الأسروشني بآذربيجان

وفي هذه السنة خالف منكجور الأسروشنى قرابة الأفشين بأذربيجان.
ذكر السبب في ذلك

كان سبب ذلك أنّ الأفشين لمّا فرغ من بابك ولّى أذربيجان منكجور هذا، فأصاب في قرية بابك في بعض منازله مالا عظيما فاحتجنه ولم يعلم به الأفشين ولا المعتصم، وكان على البريد بأذربيجان رجل من الشيعة يقال له عبد الله بن عبد الرحمن، فكتب إلى المعتصم بخبر، المال فكوتب منكجور فيه فأنكره وهمّ منكجور بقتل عبد الله بن عبد الرحمن، وذلك أنّه وقعت بينهما فيه مناظرة فهرب عبد الله وامتنع بأهل أردبيل فمنعوه وقاتلوا، وبلغ ذلك المعتصم فوجّه إليه عسكرا عظيما وبلغ منكجور فخلع وجمع إليه الصعاليك وخرج من أردبيل، وقصده القائد مع العسكر الذي خرج من جهة المعتصم وواقفه فانهزم منكجور وصار إلى حصن لبابك في جبل منيع فبناه وأصلحه وتحصّن فيه ووثب به أصحابه بعد شهر وأسلموه إلى القائد الذي يحاربه، فقدم به سرّ من رأى.
ودخلت سنة خمس وعشرين ومائتين

وفيها أجلس المعتصم أشناس على كرسيّ وتوجّه ووشّحه.
وفيها أحرق غنّام المرتد.
وفيها قدم بمازيار سرّ من رأى وحمل على الفيل.
وكنا ذكرنا أنّ محمد بن عبد الملك قال بيتين في بابك لمّا حمل وهو بهذا أشبه أعنى بمازيار وهما:
قد خضب الفيل كعاداته ** لحمل شيطان خراسان
والفيل لا تخضب أعضاؤه ** إلّا لذي شأن من الشان