انهزام الكوكبي

وفيها لقي موسى بن بغا بقزوين الكوكبيّ الطالبيّ على فرسخ من قزوين، فهزمه، ولحق الكوكبي بالديلم.
ذكر الخبر عن ذلك

كان أصحاب الكوكبي من الديلم أقاموا تراسهم في وجوههم. فلمّا نظر موسى ورأى سهام أصحابه لا تصل إليها أمر بما معه من النفط، فصبّ في الأرض على حشيش كان هناك. ثم أمر أصحابه بالاستطراد لهم. فلمّا فعلوا ذلك ظنّ الكوكبي وأصحابه أنّهم قد انهزموا فتبعوهم، فلمّا علم موسى أنّهم قد توسّطوا النفط أمر بالنار فأشعلت فأحدقت النار فيه، وخرجت من تحت أقدامهم، فجعلت تحرقهم وهرب الباقون، فصارت هزيمة، ودخل موسى قزوين.
ودخلت سنة أربع وخمسين ومائتين

وفيها كان مقتل بغا الشرابيّ.
ذكر مقتل بغا الشرابي

كان بغا يحضّ المعتزّ على المصير إلى بغداد والمعتزّ يأبى ذلك. ثم انّ بغا اشتغل مع صالح بن وصيف في خاصّته لعرس جمعة بنت بغا وكان صالح بن وصيف تزوّجها. فركب المعتزّ ليلا ومعه أحمد بن إسرائيل إلى كرخ سرّ من رأى يريد بايكباك ومن كان على رأيه في الانحراف عن بغا مستخفيا منه.
فلمّا وافى المعتزّ بمن معه الكرخ اجتمع مع بايكباك أهل الكرخ والدور، ثم أقبلوا مع المعتزّ إلى الجوسق بسرّ من رأى، وبلغ ذلك بغا فخرج في غلمانه وهم زهاء خمسمائة ومثلهم من ولده وأصحابه وقوّاده. فصار إلى نهر نيزك ثم تنقّل إلى مواضع، ثم صار إلى السنّ ومعه من العين تسع عشرة بدرة ومائة بدرة دراهم أخذها من بيت ماله وبيوت أموال السلطان، فأنفق منها يسيرا إلى أن قتل.
ولمّا بلغه أنّ المعتزّ قد صار إلى الكرخ مع أحمد بن إسرائيل، خرج في خاصّته إلى تلّ عكبر، ثم مضى إلى السنّ فشكا أصحابه بعضهم إلى بعض ما هم فيه من العسف، وأنّهم لم يخرجوا معهم مضارب ولا ما يتدثّرون به من البرد وإنّهم في شتاء. وكان بغا في مضرب له صغير على دجلة فكان يكون فيه، فأتاه أساتكين فقال:
« أصلح الله الأمير، قد تكلّم أهل العسكر وخاضوا في كذا وأنا رسولهم إليك. » فقال: « كلّهم يقولون مثل قولك؟ » قال: « نعم وإن شئت فابعث إليهم حتى يقولوا مثل قولي. »
قال: « دعني حتى أنظر ويخرج إليكم أمري بالغداة. » فلمّا جنّه الليل دعا بزورق فركبه مع خادمين معه وحمل معه شيئا من المال ولم يحمل معه سلاحا ولا سكّينا ولا عمودا، ولا يعلم أهل عسكره بذلك من أمره، والمعتزّ في غيبة بغا لا ينام إلّا في ثيابه وعليه السلاح ولا يشرب نبيذا وجميع جواريه على رجل. فصار بغا إلى الجسر في الثلث الأوّل. فلمّا قرب الزورق من الجسر بعث الموكلون به من ينظر من في الزورق. ثم صاحوا بالغلام فرجع إليهم وخرج بغا في البستان الخاقاني، فلحقه عدّة منهم، فوقف لهم وقال:
« أنا بغا. » ولحقه وليد المغربيّ فقال له:
« ما لك جعلت فداك؟ » قال: « إمّا أن تذهب بي إلى منزل صالح بن وصيف وإمّا أن تصيروا معي حتى أحسن إليكم. » فوكّل به وليد المغربي، ثم مرّ يركض إلى الجوسق فاستأذن على المعتزّ، فأذن له فقال:
« يا سيدي هذا بغا قد أخذته وقد وكّلت به. » قال: « ويلك جئني برأسه. » فرجع الوليد إليه فقال للموكّلين:
« تنحّوا عني حتى أبلغه الرسالة. » وضربه ضربة على جبهته ثم على يده فقطعها. ثم ضربه حتى صرعه وذبحه وحمل رأسه في بركة قبائه، وأتى به المعتزّ، فوهب له عشرة آلاف دينار، وخلع عليه.
ونصب رأس بغا بسرّ من رأى ثم ببغداد، ووثبت العامّة على جسده فأحرقوه بالنار.
وكان عبيد الله بن عبد الله بن طاهر قد جعل مكان محمد بن عبد الله بن طاهر بوصيّته، فتتبع بنيه وكانوا صاروا إليها هرّابا مع قوم يثقون بهم.
فأثارهم وحبس قوما في المطبق وقوما في قصر الذهب، وكان سبب انحدار بغا إلى سرّ من رأى مستترا أنّه أشير عليه أن يصير إلى دار صالح بن وصيف، فإذا قرب العيد دخل أهل العسكر وخرج هو وأصحابه فوثبوا بالمعتزّ.
وفي هذه السنة وافى الأهواز دلف بن عبد العزيز بن أبي دلف العجلى بتوجيه والده عبد العزيز إيّاه، فجبى منها ومن جنديسابور وتستر مائتي ألف دينار وانصرف.
ودخلت سنة خمس وخمسين ومائتين

وفيها دخل مفلح طبرستان وواقع الحسن بن زيد الطالبيّ، فهزم مفلح الحسن فلحق بالديلم في طلب الحسن بن زيد.
وقعة بين يعقوب بن الليث وطوق بن المغلس

وفيها كانت بين يعقوب بن الليث وطوق بن المغلّس وقعة خارج كرمان أسر فيها يعقوب طوقا.
ذكر السبب في ذلك

كان السبب في ذلك أنّ عليّ بن الحسين بن قريش بن شبل كتب إلى السلطان يخطب كرمان، وكان قبل من عمّال آل طاهر، ثم كتب إلى السلطان يذكر ضعف آل طاهر وقلّة ضبطهم ما إليهم من البلاد، وأنّ يعقوب بن الليث قد غلبهم على سجستان، وتباطأ على السلطان بتوجيه خراج فارس.
فكتب السلطان إليه بولايته كرمان وكتب أيضا إلى يعقوب بولايتها يلتمس بذلك إغراء كلّ واحد منهما بصاحبه لتسقط مؤونة الهالك منهما عنه ويتفرّد بمؤونة الآخر، إذ كان كلّ واحد منهما عنده حربا له وفي غير طاعته. فلمّا فعل ذلك بهما زحف يعقوب من سجستان يريد كرمان ووجّه عليّ بن الحسين طوق بن المغلّس وقد بلغه خبر يعقوب وفصوله من سجستان.
فصار من كرمان على مرحلة وبقي في معسكره ذلك شهرا أو أكثر يتجسّس أخبار طوق ويسأل عن أمره كلّ من مرّ به خارجا من كرمان إلى ناحيته، ولا يدع أحدا يجوز بعسكره من ناحيته إلى كرمان. فلا يزحف طوق إليه ولا هو إلى طوق.
ثم أظهر يعقوب الارتحال عن عسكره إلى ناحية سجستان فارتحل عنه مرحلة وبلغ طوقا ارتحاله. فظنّ أنّه قد بدا له في حربه وترك عليه كرمان وعلى عليّ بن الحسين، فوضع آلة الحرب وقصّر وقعد للشرب ودعا بالملاهي ويعقوب في كلّ ذلك لا يغفل عن البحث عن أخباره. فاتّصل به وضع طوق آلة الحرب وإقباله على الشرب واللهو لارتحاله، فكرّ راجعا وطوى المرحلتين إليه في يوم واحد فلم يشعر طوق وهو في لهوه وشربه في آخر يومه إلّا بغبرة قد ارتفعت من خارج المدينة التي هو فيها من كرمان.
فقال لأهل القرية:
« ما هذه الغبرة. » فقيل: « هذه غبرة مواشى أهل القرية منصرفة إلى أهلها. » ثم لم يكن إلّا كلّا ولا حتى وافاه يعقوب في أصحابه فأحاط به وبأصحابه. فذهب أصحاب طوق لمّا أحيط بهم يريدون المدافعة عن أنفسهم.
فقال يعقوب لأصحابه:
« أفرجوا عن القوم. » فأفرجوا لهم فمرّوا هاربين على وجوههم وخلّوا كلّ شيء لهم، وأسر يعقوب طوقا. وكان عليّ بن الحسين وجّه طوقا وحمّله صناديق في بعضها أطوقة وأسورة وفي بعضها أموال وفي بعضها قيود وأغلال ليطوّق ويجوّز ويسوّر من أبلى وأحسن وليقيّد من أسر وأخذ من أصحاب يعقوب.
فلمّا أسر يعقوب طوقا ورؤساء جيشه أمر بحيازة كلّ من كان مع طوق وأصحابه من المال والأثاث والكراع والسلاح، فحيز ذلك كلّه وجمع إليه.
فلمّا أتى بالصناديق أمر بفتح بعضها فإذا فيه قيود وأغلال فقال لطوق:
« يا طوق ما هذه القيود والأغلال؟ » قال: « حمّلنيها عليّ بن الحسين على رسم العساكر لأقيّد بها الأسرى وأغلّهم. » فقال يعقوب: « يا فلان اجعل أكبرها وأثقلها في رجل طوق وعنقه، والباقية في أرجل أصحابه وأعناقهم. » ولم يزل يفتح الباقية من الصناديق حتى فتحت صناديق الأطواق والأسورة فقال: « يا طوق ما هذه؟ »
قال: « حمّلنيها عليّ لأطوّق وأسوّر أهل البلاء والإحسان. » فقال: « يا فلان خذ هذه الأطواق والأسورة فطوّق فلانا وسوّره، وفلانا وفلانا. » حتى فرّق تلك الأطواق كلّها ثم نظر إلى ذراع طوق وعليها عصابة فقال:
« يا طوق ما هذا؟ » قال: « أصلح الله الأمير، كنت وجدت حرارة ففصدت. » فدعا يعقوب بعض من معه فأمر بمدّ خفّه، فتناثر من خفّه كسر خبز يابسة فقال:
« يا طوق هذا خفّى لم أنزعه من رجلي منذ شهر وكسر خبزى في خفّى، ما وطأت فراشي ولا تودعت وأنت جالس في الشرب والملاهي.