وفيها ظهر بالكوفة عليّ بن زيد الطالبي فوجّه إليه الشاه بن ميكال في عسكر كثيف فهزمه أصحابه ونجا الشاه.
وفيها وثب محمد بن واصل بن إبراهيم التميمي وهو من أهل فارس ورجل من أكرادها يقال له: أحمد بن الليث، بعامل فارس وهو الحارث بن سيما الشاربانى فحارباه وقتلاه وغلب محمد بن واصل على فارس.
وفيها غلب الحسن بن زيد على الريّ وشخص موسى بن بغا إلى الري لحربه وشيّعه المعتمد.
وفيها كانت بين باجور وابن لعيسى بن شيخ وقعة على باب دمشق. وكان خرج باجور مرتادا لنفسه معسكرا وابن عيسى بن شيخ وقائد لعيسى في عسكر لهما بالقرب من دمشق. فاتصل بهما خبر باجور وأنّه في عدد يسير، فزحفا إليه ولا يعلم باجور بهما حتى لقياه فقتل القائد الذي مع ابن عيسى وهزم وقتل خلق من أصحابه وكان في عشرين ألفا باجور في نحو من مائتين إلى ثلاثمائة.
ودخلت سنة سبع وخمسين ومائتين

وفيها صار يعقوب بن الليث إلى فارس
فبعث إليه المعتمد طغّبا وإسماعيل بن إسحاق وأبا سعيد الأنصاري. وكتب إليه أبو أحمد بن المتوكّل بولاية بلخ وطخارستان إلى ما يلي ذلك من كرمان وسجستان والسند وجعل له مال في كلّ سنة من هذه الأعمال فقبل ذلك وانصرف.
وعقد المعتمد لأخيه أبي أحمد على الكوفة وطريق مكّة ثم، عقد له على بغداد والسواد وواسط وكور دجلة والبصرة والأهواز وفارس فولّى خلفاءه وأمر أن يعقد ليارجوخ على البصرة وكور دجلة واليمامة والبحرين فولّى منصور بن جعفر بن دينار البصرة وكور دجلة.
واستحثّ سعيد الحاجب في المصير إلى دجلة والإناخة على صاحب الزنج ففعل ذلك ومضى إلى نهر معقل وكان هناك جيش لصاحب الزنج بالنهر المعروف بالمرغاب وهو معترض في نهر معقل فأوقع بهم وهزمهم واستنقذ ما في أيديهم من النساء وأصاب سعيدا جراحات منها جراحة في فيه. ثم سار سعيد إلى الموضع المعروف بعسكر أبي جعفر واستعدّ للقاء صاحب الزنج بالفرات فقصدهم وهزمهم واستأمن إليه عمران وهو زوج جدّة ابن صاحب الزنج وتفرّق ذلك الجمع.
فحكى من حضر ذلك الموضع قال: لقد لقيت المرأة من سكّان الفرات تجد الزنجيّ مستترا بتلك الأدغال فتخرجه وتحمله إلى عسكر سعيد ما به عنها امتناع.
ثم أوقع الخبيث وقعات متوالية. ثم إنّ الخبيث وجّه إلى يحيى بن محمد البحراني صاحبه وهو مقيم بنهر معقل جيشا وأمره بتوجيه سليمان بن جامع وابن الليث الإصبهاني ليلا مع عسكر قويّ حتى يوقعا بسعيد وقت طلوع الفجر، ففعل ذلك فصادفا منهم غرّة وغفلة فأوقعا بهم وقتلا منهم مقتلة عظيمة. وأحرق الزنج عسكر سعيد فضعف سعيد ومن معه ودخل أمرهم خلل لهذا البيات وقد كانت أرزاقهم احتبست عنهم من جهة منصور بن جعفر بن الخيّاط وهو يومئذ بالأهواز، إليه حربها وله يد في الخراج.
فلمّا اضطرب أمر سعيد وضعف أمر بالانصراف إلى باب السلطان وتسليم الجيش إلى منصور بن جعفر. وذلك انّ سعيدا ترك بعد ما اتّفق عليه من البيات حرب صاحب الزنج وكان بغرا يحمى البصرة ومنصور يجمع السفن التي تحمل المير، ثم يبذرقها إلى البصرة فضاق بالزنج الميرة.
ثم عبّأ منصور أصحابه وقصد صاحب الزنج في عسكره وصعد قصرا على دجلة فأحرقه وما حوله ودخل عسكر الخبيث من ذلك الوجه ووافاه الزنج وكمّنوا له كمينا فهزموه وقتلوا من أصحابه مقتلة عظيمة وألجئ الباقون إلى الماء فغرقوا وحملت الرؤوس إلى يحيى بن محمد البحراني بنهر معقل فأمر بنصبها هناك.
ثم أوقع الخبيث شاهين وإبراهيم بن سيما بالأهواز فقتل شاهين وهزم إبراهيم.
وكاتب عليّ بن أبان بالمصير إلى البصرة لحرب أهلها.
ذكر الخبر عن دخول الزنج البصرة

لمّا ضعف منصور لم يعد لقتال الزنج واقتصر على بذرقة السفن لوصول المير إلى البصرة، فامتنع أهل البصرة. فوجّه الخبيث عليّ بن أبان فشغل منصورا عن بذرقة السفن وعاد أهل البصرة إلى الضيق، وألحّ أصحاب الخبيث عليها بالحرب وأحسّ الخبيث بضعف القوم وإضرار الحصار بهم وتخريبه ما حولها من القرى.
وكان نظر في النجوم ولا يفارقه الأصطرلاب وكتب النجوم، فوقف على كسوف القمر فقال لأصحابه:
ادعاء له

« إني قد ابتهلت إلى الله في الدعاء على أهل البصرة وتعجيل خرابها فخوطبت وقيل لي: إنّما البصرة خبزة لك تأكلها من جوانبها، فإذا انكسر نصف الرغيف خربت البصرة. فأوّلت انكسار الرغيف انكساف القمر في نصفه. » فكان هذا حديث عسكره كلّ يوم. فكثر على الأسماع.
وندب قوما للخروج إلى الأعراب، ففرضوا قوما بينهم. وأتاه خلق عظيم فوجّههم الخبيث إلى ناحية منها وأمرهم بتطرّق البصرة والإيقاع بهم من تلك الجهة. فلمّا ابتدأ القمر بالكسوف انهض عليّ بن ابان في عسكر ضخم وطائفة من العرب إلى البصرة ممّا يلي بنى سعد وكتب إلى محمد بن يحيى البحراني في إتيانها ممّا يلي نهر عديّ وضمّ إليه سائر العرب فواقع بغرا عليّ بن أبان يومين ومال الناس نحوه فدخل عليّ بن أبان من ناحيته ودخل يحيى من ناحيته وتفرّق الجند وانحاز بغرا بمن معه، فلم يكن في وجهه أحد. ولقيه إبراهيم بن يحيى المهلّبي فاستأمنه لأهل البصرة فآمنهم ونادى منادى إبراهيم بن يحيى:
« من أراد الأمان فليحضر دار إبراهيم. » فحضر أهل البصرة حتى ملؤوا الرحاب. فلمّا رأى اجتماعهم أمر بأخذ أفواه السكك والطرق لئلّا يتفرّقوا، ثم غدر بهم ووضع فيهم السيوف فقتلوا بأجمعهم ولم يفلت إلّا الشاذّ. فيقال إنّ أصوات الناس الذين قتلوا ارتفعت بالتشهّد لما أخذهم السيف فسمعهم من بالطّفاوة. فلمّا فرغ من قتلهم أتى عليّ بن أبان المسجد الجامع فأحرقه وراح إلى الكلّاء فأحرقه من الحبل إلى الجسر وأخذت النار في كلّ شيء مرّت به من إنسان وبهيمة ومتاع وآلة. ثم ألّحوا على من وجدوا بعد ذلك غدوّا وعشيّا ليسوقونهم إلى يحيى بن محمد البحرانيّ وهو يومئذ بسيحان. فمن كان ذا مال قرّره حتى يستخرج ماله ثم يقتله ومن كان فقيرا عاجله بالقتل.
ثم نادى محمد بن يحيى بالأمان فلم يظهر له أحد.
فكتب الخبيث إلى محمد، أن: « استخلف على البصرة شبلا فإنّهم يسكنون إليه ليظهر الناس، فإذا آمنوا وظهروا أخذوا بالدلالة على ما دفنوا وأخفوا من أموالهم. » ففعل ذلك حتى استنظف أهل البصرة وقتلهم وهرب الباقون على وجوههم فصرف الخبيث جيشه حينئذ عن البصرة.