مناظرة بين قرمط وصاحب الزنج

وكان مصير قرمط إلى سواد الكوفة قبل قتل صاحب الزنج.
ويحكى عن قرمط أنّه قال: صرت إلى صاحب الزنج وقلت له:
« إني على مذهب وورائي مائة ألف سيف، فناظرني فإن اتفقّنا على المذهب ملت بمن معي كلّهم إليك، وإن تكن الأخرى انصرفت عنك. » وطلبت منه الأمان فأعطانيه. فناظرته إلى الظهر فتبيّن في آخر مناظرتي أنّه مخالف. فقام إلى الصلاة وانسللت وخرجت من عنده إلى سواد الكوفة.
ثم دخلت سنة تسع وسبعين ومائتين

وفاة المعتمد

وفيها توفّى المعتمد وكان شرب على الشطّ في الحسنيّ شربا كثيرا وتعشّى فأكثر، فاختنق ومات ليلا. فكانت خلافته ثلاثا وعشرين سنة.
خلافة المعتضد

وبويع لأبي العباس المعتضد بالخلافة، فولّى غلامه بدرا الشرطة وعبيد الله بن سليمان الوزارة ومحمد بن الشاه بن ميكال الحرس وصالحا الأمين حجبة الخاصّة والعامّة فاستخلف صالح خفيفا السمرقنديّ.
قدوم رسول عمرو بن الليث بهدايا

وفيها قدم على المعتضد رسول عمرو بن الليث الصفّار بهدايا وسأل ولاية خراسان، فوصلوا إليه في شهر رمضان من هذه السنة فخلع عليه ونصب اللواء في صحن داره ثلاثة أيّام.
وورد الخبر بموت نصر بن أحمد وقام مكانه وبما كان إليه من العمل وراء نهر بلخ أخوه إسماعيل بن أحمد.
ورود رسول خمارويه من مصر في تزويج بنت خمارويه من المعتضد

وفيها ورد من مصر الحسين بن عبد الله المعروف بابن الجصّاص رسولا لخماروية بن أحمد بن طولون ومعه هدايا من العين عشرون حملا على بغال في عشرة من الخدم، وصندوقان فيهما نمران، وعشرون غلاما على عشرين نجيبا بسروج محلاة بحلية فضّة كثيرة ومعهم حراب فضّة وعليهم أقبية الديباج والمناطق المحلّاة، وسبع عشر دابّة بسروج ولجم منها خمسة بذهب والباقي بفضّة، وسبع عشرة دابّة بجلال مشهرة، وخمسة أبغل بسروج ولجم وزرّافة فوصل إلى المعتضد فخلع عليه وعلى سبعة نفر معه. وسفر ابن الجصّاص في تزويج بنت خمارويه من عليّ بن المعتضد. قال المعتضد:
« أتزوّجها. » فتزوّجها.
وفيها كتب إلى أحمد بن عبد العزيز بن أبي دلف بمحاربة رافع بالريّ.
فزحف إليه أحمد، فالتقوا فانهزم رافع وخرج عن الريّ ودخلها أحمد بن عبد العزيز.
ودخلت سنة ثمانين ومائتين

قبض المعتضد على عبيد الله بن المهدي وشيلمة

وفيها قبض المعتضد على عبيد الله بن المهدي ومحمد بن الحسن بن سهل المعروف بشيلمة.
وكان شيلمة هذا من أصحاب صاحب الزنج وكان سبب قبضه عليهما أنّه سعى بهما ساع إلى المعتضد وقال: أنّه يدعو إلى رجل لم يوقف على اسمه وانّه قد استفسد جماعة من الجند وغيرهم. وأخذ معه رجل صيدنانيّ، فقرّره المعتضد فلم يقرّ بشيء وسأله عن الرجل الذي يدعو إليه فلم يظهره عليه وقال:
« لو كان تحت قدميّ ما رفعتهما عنه ولو جعلتني كردناك ما أخبرتك به. » فأمر بنار فأوقدت، ثم شدّ على خشبة من خشب الخيم وأدير على النار حتى تقطّع جلده، ثم ضربت عنقه وصلب عند الجسر. وحبس ابن المهتدي إلى أن وقف على براءته فأطلق.
وقال لشيلمة:
« بلغني انّك تدعو إلى ابن المهتدي. » قال: « المأثور عني غير هذا أنا أتولّى آل أبي طالب. » وكان قرّر ابن أخيه، فأقرّ فقال:
« قد أقرّ ابن أخيك. » فقال: « هذا غلام حدث، تكلّم بهذا خوفا من القتل، فلا تقبل قوله. » فأطلقهما بعد مدّة.
شخوص المعتضد إلى بنى شيبان

ثم شخص المعتضد من بغداد إلى بنى شيبان وكانوا بناحية من الجزيرة اتخذوها معقلا فلمّا بلغه قصده إليهم ضمّوا إليهم أموالهم وعيالاتهم. فأسرى إليهم المعتضد فأوقع بهم وقتل منهم مقتلة عظيمة وغرق منهم خلق كثير في الزابين. فأخذ النساء والذراريّ وغنم أهل العسكر من أموالهم ما أعجزهم حمله وأخذ من غنمهم وإبلهم حتى بيعت الشاة بدرهم والجمل بخمسة دراهم، وأمر بحفظ النساء والذراريّ.
ثم لقيه بنو شيبان وسألوه الصفح عنهم وبذلوا رهائنهم فأخذ منهم خمسمائة رجل.
ووافاه أحمد بن أبي الأصبغ بما فارق عليه أحمد بن عيسى بن شيخ من المال الذي أخذه من مال إسحاق بن كنداجيق وبهدايا وبغال ودوابّ.
وفيها ورد الخبر بأنّ محمد بن أبي الساج افتتح المراغة بعد حصار شديد وحرب عظيمة، وأنّه أخذ عبد الله بن الحسين بعد أن آمنه وأصحابه فقيّده وحبسه وقرّره بجميع أمواله ثم قتله.
وفيها ورد الخبر بوفاة أحمد بن عبد العزيز بن أبي دلف، وتنازع الرئاسة عمر وبكر ابنا عبد العزيز، ثم قام بالأمر عمر.
وفيها توفّى جعفر بن المعتمد.
وفيها ورد الخبر بغزو إسماعيل بن أحمد بلاد الترك وافتتاحه مدينة ملكهم وأسره إيّاه وامرأته خاتون ونحوا من عشرة آلاف، وقتل خلقا لا يحصى وغنم من الأموال والدوابّ ما لا يوقف على عدده، وأصاب الفارس من المسلمين من الغنيمة في المقسم ألف درهم.
ثم دخلت سنة احدى وثمانين ومائتين

شخوص المعتضد إلى الجبل وخروجه الثاني إلى الموصل

وفيها شخص المعتضد إلى الجبل فعقد ناحية الدينور، وقلّد ابنه أبا محمد عليّ بن المعتضد الريّ وقزوين وزنجان وأبهر وقم والدينور. وقلّد كتبه أحمد بن أبي الأصبغ ونفقات عسكره، وقلّد عمر بن عبد العزيز بن أبي دلف إصبهان ونهاوند والكرج، وتعجّل الانصراف من أجل غلاء السعر.
وفيها خرج المعتضد الخرجة الثانية إلى الموصل قاصدا حمدان بن حمدون. ذلك أنّه بلغه أنّه مائل إلى هارون الشاري داع له، فورد كتابه على نجاح الحرمي يذكر الوقعة:
« بسم الله الرحمن الرحيم، كتابي هذا وقت العتمة ليلة الجمعة وقد نصر الله وله الحمد على الأعراب والأكراد وأظفرنا بعالم منهم وبعيالاتهم، ولقد رأيتنا نسوق البقر والغنم كما كنا نسوقها عام أوّل، ولم تزل السيوف والأسنة تأخذهم حتى حال بيننا وبينهم الليل، ومن غد يومنا يقع الاستقصاء وكان وقاعنا بهم وقتلنا لهم خمسين ميلا. فلم يبق منهم مخبر والحمد لله كثيرا وصلّى الله على محمد وآله وسلّم. » وكانت الأعراب والأكراد لمّا بلغهم خروج المعتضد تحالفوا أنّهم يقتلون على دم واحد، واجتمعوا وعبّأوا عسكرهم ثلاثة كراديس فكان من أمرهم ما ذكرت.
قصد المعتضد قلعة ماردين ثم الحسينية

ثم قصد المعتضد قلعة ماردين وكانت في يد حمدان بن حمدون. فلمّا بلغه خروج المعتضد إليها هرب وخلّف ابنه فيها، فنزل عسكر المعتضد على القلعة ذلك اليوم. فلمّا كان من الغد ركب المعتضد وصعد حتى وصل إلى باب القلعة ثم صاح:
« يا بن حمدان. » فأجابه فقال:
« افتح الباب. » ففتحه ولم يجر بينهما غير ذلك فقعد المعتضد في الباب ولم يدخل، وأمر من دخل فنقل ما في القلعة من المال والأثاث. ثم أمر بهدمها فهدمت، ويشبه أن يكون راسله قبل ذلك.
ثم وجّه خلف حمدان بن حمدون فطلب أشدّ الطلب وأخذت أمواله وكانت مودعة ثم ظفر به بعد.