كانت جماعة من كلب تخفر الطريق على البرّ بالسماوة فيما بين الكوفة ودمشق على طريق تدمر وغيرها. فأرسل زكرويه أولاده إليهم فبايعوهم وخالطوهم وانتموا إلى عليّ بن أبي طالب، وإلى محمّد بن إسماعيل بن جعفر، منهم، وذكروا أنّهم خائفون من السلطان وأنّهم لجأوا إليهم. فقبلوهم على ذلك ثم دبّوا فيهم بالدعاء إلى رأى القرامطة، فلم يقبل ذلك أحد منهم إلّا الفخذ المعروفة ببني العليص ومواليهم خاصّة، فبايعوا في آخر سنة تسع وثمانين ومائتين ناحية السماوة ابن زكرويه المسمّى: يحيى والمكنّى: أبا القاسم ولقّبوه: الشيخ على مامويه، وزعم لهم: أنّه أبو عبد الله محمّد بن إسماعيل بن جعفر بن محمّد، وأنّ له بالسواد والمشرق والمغرب مائة ألف تابع، وأنّ ناقته التي يركبها مأمورة، وأنّهم إذا اتّبعوها في مسيرها ظفروا، وتكهّن لهم.
وانحازت إليه جماعة من بنى الإصبع، وأخلصوا له وتسمّوا بالفاطميين، ودانوا بدينهم.
فقصدهم سبك الديلمي مولى المعتضد بناحية الرصافة في غربيّ الفرات وديار مضر. فاغترّوه وقتلوه وحرّقوا مسجد الرصافة، واعترضوا كلّ قرية اجتازوا بها حتى صعدوا إلى أعمال الشام، فأناخ عليها وهزم كلّ عسكر لقيه لطغج حتى حصره في مدينة دمشق. فأنفذ المصريّون إليه بدرا الكبير وواقعوهم قريبا من دمشق، فقتل يحيى بن زكرويه.
ثم دارت الحرب على المصر فانحازت واجتمعت موالي بنى العليص ومن معهم من الأصبعيين على نصب الحسين بن زكرويه أخي المقتول، وزعم لهم أنّه أحمد بن عبد الله بن محمّد، بن إسماعيل بن جعفر بن محمّد وهو ابن نيّف وعشرين سنة. فبايعوه بعد أخيه، وأظهر له شامة في وجهه ذكر أنّها آيته. وطرأ إليه ابن عمّه عيسى فلقّبه بالمدّثّر، وعهد إليه، وذكر أنّه المعنيّ في السورة التي ذكر فيها المدّثّر، وقلّد غلاما له قتل أسرى المسلمين، ولقّبه المطوّق، وظهر على جند حمص وغيرها من أرض الشام وتسمّى بأمير المؤمنين على منابرها.
وفيها أوقع إسماعيل بن أحمد بمحمّد بن هارون بالريّ فهزمه وكان في ثمانية آلاف، فمضى نحو الديلم، ودخل إسماعيل الريّ وصار ألف رجل من المنهزمة إلى باب السلطان.
ودخلت سنة تسعين ومائتين
وفيها ورد كتاب عليّ بن عيسى من الرقّة يذكر فيها أنّ القرمطي ابن زكرويه وافى في جمع كثير، فخرج إليه جماعة من أصحاب السلطان وبينهم سبك غلام المكتفي، فواقعوه فقتل سبك وانهزم أصحاب السلطان. ثم إنّ طغج بن جفّ أخرج من دمشق جيشا إلى القرمطي عليهم غلام يقال له: بشير، فواقعه القرمطي فهزم الجيش وقتل بشيرا.
ثم خلع السلطان على أبي الأغرّ وبعث به لحرب القرمطي بناحية الشام، فمضى في عشرة آلاف إلى حلب. ووردت كتب التجار من دمشق إلى بغداد أنّ القرمطي قد هزم من طغج غير مرّة وقتل أصحابه إلّا القليل وأنّه بقي في قلّة وامتنع من الخروج وإنّما تجتمع العامّة ثم تخرج للقتال وأنّهم قد أشرفوا على الهلكة فاجتمع التجار ومضوا إلى يوسف بن يعقوب فأقرأوه الكتاب وسألوه أن يخبر الوزير ذلك.
وفيها قوطع صاحب طاهر بن محمّد بن عمرو بن الليث على أموال فارس، ثم عقد المكتفي لطاهر على أعمال فارس وخلع على صاحبه وحمل إليه الخلع مع العقد.
وفيها ورد الخبر وكتاب قرأ في جوامع بغداد بأنّ يحيى بن زكرويه قتله المصريّون على باب دمشق بعد أن اتصلت الحروب بينه وبين جند دمشق ومددهم من أهل مصر وكسر لهم جيوشا وقتل منهم خلقا.
وكان يحيى هذا يدّعى النبوّة والكهانة.
خبر الحسين أخي يحيى بن زكرويه
فلمّا قتل يحيى انحاز أصحابه إلى أخيه الحسين بن زكرويه فطلبوا أخاه في القتلى فلم يجدوه. وكان أخوه قد سبق إليه ودعا الحسين إلى مثل ما دعا إليه أخوه، فأجابه أكثر أهل البوادي وغيرهم من سائر الناس واشتدّت شوكته.
وظهر وصار إلى دمشق، فصالحه أهلها على خراج دفعوه إليه، فانصرف عنهم وسار إلى أطراف حمص فتغلّب عليها وخطب له على منابرها، ثم سار إلى حمص فأطاعه أهلها وفتحوا له بابها خوفا على أنفسهم فدخلها. ثم سار إلى حماة ومعرّة النعمان وغيرهما فقتل أهلها وقتل النساء والأطفال. ثم سار إلى بعلبك فقتل عامّة أهلها حتى لم يبق منهم إلّا اليسير. ثم سار إلى سلمية فحارب أهلها ومنعوه الدخول. ثم أعطاهم الأمان ففتحوا له بابها. فدخلها وبدأ بمن فيها من الهاشميين فقتلهم أجمعين، وقتل بعدهم الرجال أجمعين، ثم قتل البهائم، وقتل صبيان الكتاتيب، ثم خرج منها وليس بها عين تطرف وسار فيما حولها يقتل ويسبى ويخيف السبل.
وحكيت عنه حكايات في إباحة الفروج لأصحابه، وأنّ جماعة منهم كانوا يجتمعون على مرأة واحدة إذا استحسنوها لا يتحاشون ذلك فيما بينهم
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 6 (0 من الأعضاء و 6 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)