وفيها خلع على نجح الطولونى وردّ إلى إصبهان لولاية أعمال المعاون بها.
وفيها ورد رسول ملك الروم ومعه أبو عمير ابن عبد الباقي ووصل إلى السلطان وأوصله معه هدايا والتمس الهدنة والفداء فأجيب إلى ذلك بعد الغزاة الصائفة وخلع عليهما ورجع الرسول إلى بلد الروم.
وفيها خلع على جنّى الصفواني وكان ورد من ديار مضر واستدعى محاربة أبي طاهر القرمطي.
قدوم سليمان وابن مقلة وعلي بن عيسى إلى بغداد

وكان سليمان بن الحسن بن مخلد وأبو عليّ ابن مقلة مبعدين بشيراز في يد أبي عبد الله جعفر بن القاسم الكرخي. فذكر أبو عليّ أنّه كان مجتمعا مع سليمان في دار واحدة مصونين مكرمين، فورد عليه الخبر بالقبض على ابن الفرات، وكان أبو الحسن ابن أبي البغل معتقلا في يد صارفه جعفر بن القاسم الكرخي. قال: فاطّلعت الجماعة على الخبر وكان ابن أبي البغل قد وقف على ما كان رسمه ابن الفرات والمحسّن في أمره فحين وقف على الخبر وقّع في حاشية التقويم:
« وفي هذا اليوم ولد محمّد بن أحمد بن يحيى وله إحدى وثمانين سنة. » ولمّا وقف الكرخي على الخبر أطلق أبا عليّ ابن مقلة وسليمان بن الحسين وهنّأهما بالسلامة قبل أن يرد عليه كتاب بإطلاقهما، ثم ورد كتاب الخاقاني على المسمعي والكرخي بإطلاقهما ومراعاتهم حتى لا يخرجا من شيراز فأقام سليمان مدّة أسبوع حتى أحكم أمره.
ودعا المسمعي جعفر بن القاسم الكرخي دعوة عظيمة وأقام على حال سرور يومين متواليين، فخفى عنهما الخبر في خروج سليمان وكان خرج في زيّ الفيوج. فلمّا كتبا إلى الخاقاني بهرب سليمان عظم عليه واشتدّت الأراجيف بوزارة سليمان ودخل سليمان بغداد مستترا وأقام أبو عليّ ابن مقلة بشيراز إلى أن توصّلت زوجته إلى أسباب الخاقاني وعنى به شفيع المقتدري وأمر الخاقاني بإطلاقه والإذن له في المصير إلى الأهواز، وكتب له بإجراء مائتي دينار في كلّ شهر عليه ومنعه من الخروج، فأقام مدّة ثم أذن له في قدوم بغداد بشفاعات الناس له.
وفيها خاطب مونس المظفّر الوزير الخاقاني في أمر عليّ بن عيسى وأن يكتب إلى أبي جعفر صاحب اليمن بالإذن له بالرجوع إلى مكّة فكتب إليه بذلك فأذن له أبو جعفر وحمل إليه طيبا وكسوة وآلات نحو خمسين ألف دينار وعاد عليّ بن عيسى إلى مكّة مع حاجّ اليمن.
فلمّا حصل بها قلّده الخاقاني بمسألة مونس الإشراف على مصر والشام.
وكتب عليّ بن عيسى لمّا وصل إلى مكّة وقبل تقلّده الإشراف على مصر والشام إلى الوزير الخاقاني كتابا يهنّئه فيه بالوزارة ويعزّيه بأبي على أبيه ويسأله صيانة أهله وولده والعناية بهم في ضيعته ومعيشته. فأجابه الخاقاني بجواب جميل وأنّه قد رعى حقّه في أهله وولده وحاشيته غير معتدّ عليه ولا متحمّد به.
ذكر الأسباب التي اتفقت على الخاقاني حتى صرف عن الوزارة

كان أبو العبّاس ابن الخصيبي وقف على مكان زوجة المحسّن بنت حنزابة فسأل أن يولّى النظر في أمرها واستخراج مالها. ففعل ذلك واستخرج منها سبعمائة ألف دينار وصحّحها في بيت مال الخاصّة. فتمهّدت له بذلك حال جليلة عند المقتدر ورشّحه للوزارة وبلغ ذلك الخاقاني فحمل ابن بعد شرّ على أن بذل خطّه أنّه يستخرج من الخصيبي مائة ألف دينار معجّلة وصلت إليه من مال المحسّن وزوجته زيادة على ما صحّحه من هذه الجهة.
وعرض الخاقاني الرقعة فلم تقع موقعها واتصل الخبر بأبي العبّاس الخصيبي فكتب إلى المقتدر رقعة يذكر فيها معايب الخاقاني وابنه وكتّابه وضياع الأموال وفساد التدبير وسلّمها إلى من يعرضها على المقتدر والسيّدة.
وبلغ ذلك الخاقاني واشتدّت به الأراجيف وضعفت نفسه وكان عليلا فزادت عليه حتى أقام شهورا لا يقدر على أكل لحم حمل ولا طائر وكان يأكل كلّ يوم وزن أربعين درهما خبزا، ثم صار عشرين درهما، وظهر به ورم في يديه ورجليه ووجهه وكان يتجلّد ويركب في كلّ شهر مرّة أو مرّتين إلى دار السلطان وينوب عنه ابنه في أيّام المواكب.
فشغب الفرسان لطلب أرزاقهم وخرجوا إلى المصلّى فوعدوا به وتأخّر عنهم فعادوا وطمعوا في النهب.
وأشرفت بغداد على فتنة عظيمة وخرج إليهم ياقوت بتوقيع المقتدر بالله إلى الخاقاني بإطلاق رزقة تامّة لهم وضمن ياقوت ذلك. فراسل المقتدر الوزير الخاقاني بإطلاق نفقاتهم، فذكر أنّه لا يقدر على ذلك وكان عليلا، فعاوده برسالة يأمره فيها أن يحتال في مائة ألف دينار ليضيف إليها مائتي ألف دينار ينفق فيهم. فأقام على أنّه لا يقدر على احتيال مائة ألف درهم وأنّ له في توجيه مال النوبة للرجّالة ومال الغلمان الحجريّة والحشم وخلفاء الحجّاب شغلا طويلا. فتقدّم المقتدر بإخراج ثلاثمائة ألف دينار من بيت مال الخاصّة واعتمد على ياقوت في تفرقتها.
وكان مونس المظفّر بواسط فاستدعاه المقتدر لمّا شغب الفرسان فوافى وتلقّاه الأمير أبو العبّاس والوزير الخاقاني ونصر وسائر الأستاذين والقوّاد ولقي المقتدر فعرّفه ضيق الأموال وتبلّح الخاقاني وشاوره في صرفه، فأشار عليه بالتوقف ليلقاه ويواقفه. فلقيه مونس فعرّفه الخاقاني أنّه لا حيلة له في شيء يصرفه في المهمّ واحتجّ بأنّه عليل لا فضل فيه للعمل.
فأشار مونس لمّا رأى تبلّح الخاقاني الشديد باستحضار عليّ بن عيسى وتقليده الوزارة، فاستبعد المقتدر ذلك فأشارت السيدة والخالة بأبي العبّاس الخصيبي فقبض على الخاقاني واستتر ابنه عبد الوهّاب وإسحاق بن علي القنّاى وأخوه وابن بعد شرّ وخاقان بن أحمد بن يحيى بن خاقان وظهر الباقون.
فكانت مدّة وزارته سنة واحدة وستة أشهر.
ذكر سبب وزارة أبي العباس الخصيبي

واستحضر المقتدر أبا العبّاس الخصيبي وهو أحمد بن عبيد الله يوم الخميس لإحدى عشرة ليلة خلت من شهر رمضان. فقلّده الوزارة والدواوين وخلع عليه وركب معه هارون بن غريب وياقوت ونازوك وأكثر القوّاد، واستكتبت ثمل القهرمانة مكانه على ديوان ضياع السيّدة أبا يوسف عبد الرحمن بن محمّد وكان قد تاب من عمل السلطان. فلمّا أسند إليه هذا العمل الجليل كسر التوبة فسمّاه الناس المرتد، واستدرك أموالا جليلة كان الخصيبي أضاعها، فتنكّرت ثم للخصيبي في الباطن.
وكان أبو العبّاس الخصيبي يواصل شرب النبيذ بالليل والنوم بالنهار في أيّام وزارته كلّها، وإذا انتبه يكون مخمورا لا فضل فيه للعمل، فردّ فضّ الكتب الواردة من عمّال الخراج والمعاون وقراءتها والتوقيع عليها وإخراجها إلى الدواوين، وقراءة الكتب النافذة والتعليم عليها إلى مالك بن الوليد، ويعمل جوامع مختصرة للمهمّ ممّا يرد وينفذ فيعرضه عليه إذا انتبه فربّما قرأه وربّما لم يقرأه فيقرأه أبو الفرج إسرائيل ويوقّع فيه على حسب رأيه.
وكانت الجوامع تعمل بخطّ أبي سعيد وهب بن إبراهيم بن طازاذ فتبقى أيّاما بحضرته فإذا كثرت تقدّم بأن يقرأ عليه ويتقدّم بالتوقيع تحت كلّ فصل بما عنده فيه ويخرج ذلك الجامع إلى مالك بن الوليد فيبقى عنده يوما أو يومين ثم يخرج إلى صاحب الديوان فيقرأه ويوقّع تحته بما يراه ويجاب عن الكتاب من الديوان بما ينفذ إلى صاحب الديوان فيقرأه ويعلم عليه وإلى أن ينفذ الجواب ما قد تمرّدت البثوق واتسعت الفتوق واحتملت الأعراب الغلّات وحدثت الحوادث المفسدة لمعنى ذلك الكتاب.
فلمّا رأى الكلوذانى ذلك ورأى الضرر يزيد والخطأ لا يتلافى كتب إلى العمّال بأن ينفذوا نسخة لما يكتبونها إلى الوزير إليه فكانوا يكتبون إليه نسخا بما ينفذ منهم إلى الوزير فيوقّع على ظهرها بما يجابون به وتخرج إليه الكتب المكتوبة عن الوزير بعد جمعة وأكثر.
وتقدّم الوزير الخصيبي إلى الحسن بن ثوّابة بأن يقرأ قصص المتظلّمين ويوقّع عنه فيها في غير يوم المظالم ويجمع القصص في يوم المظالم ويختصر ما في الرقعة فإذا قرأها وقّع بحسبه وكان أكثر اعتماده على أموال المصادرين. وكان أوّل المصادرين أبو القاسم الخاقاني واعتنق مونس أمره وذكر للمقتدر أنّه لا فضل فيه للحركة وأنّه قد قرّر أمر مصادرته عن نفسه وابنه وكتّابه المختصين به على مائتي ألف وخمسين ألف دينار. فأمضى المقتدر ذلك وأنفذ خطّه به إلى الخصيبي ووضع الخصيبي، يده على العمّال والكتّاب وجازفهم فيما صادرهم عليه، فصادر جعفر بن قاسم الكرخي على مائة وخمسين ألف دينار وقبض على المالكي وعلى هشام وعليّ بن الحسين بن هندي وورثة أبي أحمد الكرخي والحسن بن أبي الحسن ابن الفرات ويحيى بن عمرويه وأبي الحسن بن مابنداذ وإسحاق بن إسماعيل النوبختي ومحمّد بن يعقوب المصري وورثة نصر بن الفتح صاحب بيت المال وابن عبد الوهّاب وعبد الله بن جبير.
وكثرت الأراجيف بالخصيبي وأنّه مصروف عن الوزارة، لأنّه حمار لا يحسن شيئا غير المصادرات وهو مشغول بالشرب واللعب وأنّ الأمور كلّها ضائعة والمهمّات واقفة، وأرجف بالوزارة لجماعة.
وفيها كانت وقعة أبي طاهر سليمان بن الحسن القرمطي بالكوفة وأسر قوّاد السلطان.
ذكر الخبر عن دخول القرمطي الكوفة

كان جعفر بن ورقاء يتقلّد أعمال الكوفة وطريق مكّة. فلمّا شخص الحاجّ من بغداد تقدّمهم خوفا من أبي طاهر القرمطي وكان معه ألف رجل من بنى عمّه من بنى شيبان، ثم خرج في القافلة الأولى ثمل صاحب البحر وفي قافلة الشمسة جنّى الصفواني وطريف السبكرى وسياشير الديلمي. فكانت عدّة من بذرق بالقوافل من أصحاب السلطان ستة آلاف رجل فتلقاهم أبو طاهر الجنّابى وكان أوّل من لقي جعفر بن ورقاء فناوشه قليلا، ثم طلع على جعفر قوم من أصحاب أبي طاهر على نجب يقودون خيلا فنزلوا عن النجب وركبوا الخيل وخالطوا جعفر بن ورقاء فلم يثبت لهم وانهزم بمن معه من بنى شيبان فلق القافلة وقد نزلوا من العقبة فردّهم وأخبرهم الخبر فولّوا مبادرين حتى دخلوا الكوفة.