ودخلت سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة

كان أبو عليّ ابن مقلة عاتبا على الكلوذانى وذاك أنّه لم يعرف خبر أحد من إخوته وولده وحرمه وأسبابه بعد تقليده خلافته ولا صار إلى داره ولا قلّد أحدا من أسبابه شيئا من الأعمال ولا تفقّد حرمه وولده بشيء، وأعظم من هذا كلّه أنّ أبا عبد الله ابن ثوابة استأذن أبا القاسم الكلوذانى في وقت خلافته أبا عليّ في ذكر كنيته على الكتب النافذة إلى العمّال فلم يأذن له فقبض على الكلوذانى وأسبابه وكان هذا أوّل ما وبّخه به وأخذ خطّه بمائتي ألف دينار ونقله مع كاتبه وأسبابه إلى أبي بكر ابن قرابة ثم قبض على جماعة من العمّال وكتّاب الدواوين وقبض على إسحاق بن إسماعيل النوبختي وعلى بنى البريدي وضمن أعمالهم من محمّد بن خلف النيرمانى بما كانت عليهم وزيادة ثلاثمائة ألف دينار وضمن أيضا أن يصادرهم على ستمائة ألف دينار وتسلّمهم وحملهم إلى داره وجميع ذلك بتوسط ابن قرابة فاعتقلهم محمّد بن خلف في داره وفرّق بينهم.
وجمع أبو على ابن مقلة لمحمّد بن خلف مع هذه الأعمال أعمال المعاون فخاف إسحاق بن إسماعيل وبنو البريدي على أنفسهم لما يعرفونه من شدّة إقدام محمّد بن خلف وتهوّره فأمّا أبو عبد الله البريدي فإنّه دارى محمّد بن خلف ورفق به وأوهمه أنّه يعمل من قبله ويقوم بمال النواحي وبالزيادة التي بذلها وأن يطيعه في المال كلّه ويعمل بما يأمره فيه ولا يخالفه فرفّهه من بين الجماعة وأوقع بأخويه وعلّق عليهما الجرار المملوءة ودهقهما فلم يذعنا بشيء وضيّق على إسحاق بن إسماعيل ولم يوقع به مكروها.
وكانت بين أبي جعفر ابن شيرزاد وبين إسحاق بن إسماعيل مودّة وكيدة فخاطب أبو جعفر الوزير أبا عليّ في لقاء إسحاق وقال:
« أحتاج أن أواقفه على ما سبّب لصاحبي هارون بن غريب عليه في أيّام المقتدر وما أطلقه حتى لا يحيل عليّ بما لم يطلقه. » فوجّه معه بحاجب من حجّاب الوزارة فأوصله إلى إسحاق فلمّا وقعت عين إسحاق عليه قال له:
« يا سيدي الله الله في أمري بادر إلى الأستاذ المظفّر ولا تفارقه حتى يخلصني من يد هذا المجنون. » فمضى أبو جعفر إلى مونس ولم يزل يسأله حتى دعا يلبق وأمره أن يمضى إلى أبي على ابن مقلة ويخاطبه في أمره فإن أطلقه وإلّا انتزعه من يد محمّد بن خلف وحمله إليه. فمضى يلبق إلى ابن مقلة فخاطبه فلم يجد ابن مقلة بدّا من الاستجابة لتقريب أمر إسحاق.
فحكى أبو الفرج ابن أبي هشام عن أبي سعيد ابن قديدة أنّ السبب فيما لحقهم عتب أبي بكر ابن قرابة عليهم لتأخيرهم مالا كان له عليهم وهو الذي قدّمه عنهم فتقاعدوا عن الوفاء له فعاهد محمّد بن خلف يوم تضمّنهم من أبي عليّ ابن مقلة بستمائة ألف دينار على أن يستوفى له من جماعتهم ما قدّمه عنهم ويردّه عليه. فلمّا حصلوا في يد محمّد بن خلف استخرج من أبي عبد الله وأخويه عشرين ألف دينار وأنفذ قبض بعض الصيارف بدرب عون إلى أبي بكر ابن قرابة بها وجعل ذلك من دينه عليهم وجدّ بهم.
واستسلم له أبو يوسف وأبو الحسين ولحقهما منه مكاره عظيمة وأطمعه أبو عبد الله إطماعا لم يصحّ ورفق به. فلمّا كان في اليوم الثالث ركب محمّد بن خلف إلى أبي عليّ ابن مقلة فقال له أبو عليّ:
« يا أبا عبد الله غررتنا والقوم في يدك فنفذت مخاريقهم عليك وذهبت بريحك. » فخجل محمّد واغتاظ وقال:
« قد حملت من جهتهم عشرين ألف دينار وإنّما ضمنت المال في مدّة ثلاثة أشهر فأيّ عتب للوزير عليّ حتى يخاطبني بهذا الخطاب البشع. » فقال الوزير:
« ما سمعت بهذا إلّا منك فإلى من سلّمت المال؟ » قال: « إلى ابن قرابة. » فدعا بابن قرابة وسأله عمّا ذكر محمّد بن خلف فقال:
« أنفذ أيّها الوزير هذا الخط وو الله ما قبضت ماله من الصيرفي وزعم أنّه من دين لي عليهم ولو قال إنّه من الحمل لأنهيت حاله في الوقت وإذ قد بدا له فها هي الرقعة بارك الله له فيها. » وسلّمهما إلى محمّد بن خلف فقال محمّد:
« ولا والله ما جعلتها من دينك وكيف يجوز أن أقدّم مالك على مال السلطان؟ » فاستوحش كلّ واحد منهما من صاحبه وبلغ أبا عبد الله البريدي خبر المجلس فسرّى عنه واجتهد في أن يكتب رقعة إلى ابن قرابة يسأله فيها المصير إليه فلم يجد دواة ولا من يحملها واتفق أن أنفذ أبو سعيد ابن قديدة غلامه أحمد ليشاهد حاله فاستأمن إليه أبو عبد الله ورغّبه في الإصطناع والإحسان ووعده أن يغنيه إذا أوصل رقعة له إلى ابن قرابة فاستجاب له الغلام واحتال له في جوزة جعل فيها كرسفا وأحضره قلما صغيرا وقطعة من كاغذ فكاتب أبا بكر ابن قرابة وحلف له إنّه إن أخذه إليه وفّاه ماله عن آخره وخدمه أحسن خدمة.
فبكر أبو بكر ابن قرابة إلى محمّد بن خلف وأظهر له أنّه قد قصده لمعاتبته حتى استوفى المفاوضة معه. ثم قال له:
« أخرج ابن البريدي إليّ فإنّه يستقيم إلى كلامي حتى أقرر مصادرته وأعرف ما عنده في ديني. » فأخرج إليه أبا عبد الله فقال أبو عبد الله:
« أوّل إقبالى إن قلت لمحمّد بن خلف: لم يبق من السحر إلّا السرار فيتفضّل الأمير ويخلى لنا مجلسنا. » فنهض محمّد بن خلف من مجلسه وسلّمه إليّ برقاعته وقال:
« أنا داخل إلى دار الحرم. » فتخاطبنا وجلست مجلسه وقعدت مقعده فتفاءلت وقلت:
« هذا مجلس كان لي فأنتقل إليه وقد عاد إليّ. »
فاستصلحت أبا بكر ابن قرابة ووعدني بتخليصى ووفى ومضى ففصل أمرنا وضمن الوفاء عنّا.
فلمّا كان في اليوم الثاني رضى عنّا أبو عليّ ابن مقلة واستدعاني وإخوتى فدعانا محمّد بن خلف وسكّن منّا وأنفذنا إليه فلمّا أردت الخروج قلت لمحمّد ابن خلف:
« أيّها الأمير، أبو يعقوب إسحاق بن إسماعيل خادمك ومونس يعتنى به وسينفذ الساعة من يأخذه فدعني حتى أستصلحه لك وأعقد بينك وبينه عهدا ويمينا. » فقال: « افعل. » فخلوت بإسحاق بن إسماعيل وقلت له:
« قد سخرت من هذا النفس وأنا منصرف فعاقده واحلف له ثم قل له: بيننا الآن عهد ولا بدّ من صدقك ابن مقلة يبغضك ويتّهمك بأنّك تطلب الوزارة وإنّما أراد أن يستنفر لك الأعداء ويأخذ أموالنا بيدك ثم يحملنا على أن نتضمّنك وقد ضمنك أبو عبد الله البريدي بثلاثمائة ألف دينار وحدّثني بهذا فلا تركب أيّاما فإن كان الوزير سأل عنك فقد حماك منه الخليفة وإن طلبك فإنّما يريد أن يسلّمك إليه. » ثم انعطفت إلى محمّد بن خلف وقلت:
« قد فرغت من القصّة والرجل يخدم الأمير كما يريد. » وخرجنا فأعاد عليه إسحاق ما سمعه مني فانصرف قبل العصر بعدي.
فلمّا جلس محمّد بن خلف في منزله ولم يركب إلى أبي عليّ ابن مقلة مضى أبو عبد الله البريدي إلى ابن مقلة وقال له:
« قد عرفت من دار محمّد أنّه يطلب الوزارة وأنّ رسله منبثّون إلى أسباب مونس وإلى القاهر فلا تدعه يقيم في البلد. » وكان ابن مقلة جبانا فطلبه وكان ذلك القول الأوّل قد تقدّم إلى محمّد بن خلف، فوثب بخدم ابن مقلة وغلمانه وحاجبه وضربهم وحصّلهم في بيت وقفل الباب عليهم وتسوّر السطوح وهرب فلم يظهر إلّا في وزارة أبي جعفر محمّد بن القاسم بن عبيد الله للقاهر بالله.
وكان أبو عبد الله البريدي مقيما بالأهواز وعرف محمّد بن خلف من بعد أنّ الحيلة تمّت عليه، فقال لمن بلّغ أبا عبد الله البريدي:
« ظننت بك ظنّا جميلا ولم أعلم أنّك في الحيلة عليّ وكنت قد صدقت عنك فلم أقبل. » فقال أبو عبد الله البريدي لأبي عليّ الكاتب:
« اكتب إلى فائق الغلام بأن يقول لمحمّد بن خلف: هذه الحيلة يجوز أن تخفى عليك، فقد خفى مثلها على من هو أكبر منك ولكنّ أعظم من ذلك أنّه كان لنا من الموضع الذي حسبنا فيه طرق إلى دور حرمك وذهبت عليك ولم تعرفها فاحترس منها في المستأنف. » وتوسّط أبو بكر ابن قرابة أمور الجماعة وفصلها مع ابن مقلة فوقّع ابن مقلة بإعادة ابني البريديين إلى أعمالهم فاستقامت أمورهم. ولمّا بطل ضمان محمّد بن خلف ما كان ضمنه من ضمانات البريديين وإسحاق بن إسماعيل صرف أيضا عن أعمال المعاون في هذه النواحي وطلبه ابن مقلة وكان من وثوبه برسله وحاجبه واستتاره ما ذكرناه.
ووجّه ابن مقلة إلى دار محمد بن خلف من فتح الباب عن خدمه وغلمانه وحاجبه وانصرفوا.
بين ابن مقلة وأبي الخطاب

وكان أبو عليّ ابن مقلة يعادى أبا الخطاب ابن أبي العبّاس ابن الفرات ولم يكن يجد إلى القبض عليه طريقا ديوانيّا لأنّه كان ترك التصرف عشرين سنة ولزم منزله وقنع بدخل ضيعته. وكان سبب عداوة أبي عليّ له أنّه كان استسعفه أيّام نكبته فاعتذر بالإضاقة ولم يسعفه. ثم إنّ أبا الخطّاب طهّر أولاده فتجمّل كما يتجمّل مثله ودعا أولاد أبي عليّ ابن مقلة فشاهدوا مروّة تامّة وآلات جليلة وصياغات كثيرة وكان بعضها عارية فانصرفوا وحدّثوا أباهم الحديث وعظّموا وكثّروا وصار أبو الخطّاب ابن أبي العبّاس ابن الفرات إلى الوزير أبي عليّ ابن مقلة على رسمه يوم الموكب للسلام عليه فقبض عليه.
فحكى أبو الفرج ابن أبي هشام أنّ أبا زكريا يحيى بن أبي سعيد السوسي حدّثه أنّه كان حاضرا حين قبض على أبي الخطّاب وأنّ الوزير أبا عليّ أنفذ إليه وسائط وأنّه كان فيهم وطالب بثلاثمائة ألف دينار وأنّ أبا الخطّاب قال:
« بما ذا يتعلّق الوزير عليّ وقد تركت التصرف منذ عشرين سنة ولمّا تصرفت كنت عفيفا سليما ما آذيت أحدا ولى على الوزير حقوق وليس يحسن به أن يتناساها مع اشتهاره بالكرم ويقبح
بي أن أهجّنه بخطوط له عندي قبل هذه الحال الغالية فقولوا له: أيّها الوزير أبو عليّ، ذكّرتك بما لو طالبتك برعايتها أو بالمجازاة على ما أسلفتك في أوقات انحراف الزمان عنك أو سألتك ولاية أو إماحة أو إحسانا في معاملة في ضيعة أو إرفادا وهل من الجميل ألّا أجد عندك إذا رفّهتك من هذا كلّه سلامة في نفسي فيما قد ركبته مني ممّا إذا صدقت نفسك خفت العقوبة من الله عز وجل ثم قبح الأحدوثة من الناس.
« أما ما ظننته عندي، فما الأمر كما وقع لك لأنّ هذا المال إن كان موروثا عن أبي رحمه الله فلست وارثه وحدي ولو كان لاقتسمناه ونحن عدّة فلم يكن بدّ من أن يشيع ويعرف خبره وإن ظننته من كسبي فتصرفى وما وصل إليّ منه معروف وما خفيت عنك نزارته ومن بحضرتك من أصحاب الدواوين يشهدون لي بأنّى ما حظيت ببعض مؤونتي وإن ظننته من استغلال فما استغلّه مقسوم بين الورثة وإن رجعت إليهم بالمسألة لم تجد ما يخصّنى في زمان تصرفى إلّا بعض ما انصرف إلى مئونتي ومروّتى.
« وقد خلف الوزراء والأكابر وأولادا مثلي في كفايتي ودوني فتعرضوا لمواقف واستشرفوا لرتب وراسلوا وروسلوا فهل رأيتنى إلّا في طريق التسلّم وراضيا بامتداد ستر الله تعالى والزهد في هذه الدنيا. فأيّ شيء تقول الله تبارك اسمه، ثم لعباده إذا أسأت إليّ؟ » فلمّا أعيد هذا الكلام على ابن مقلة من غير جهتنا فإنّه كان أنفذ من يتسمع، خجل وتبلّد وتحيّر ثم قال:
« هذا يدلّ عليّ بالفراتيّة وأمير المؤمنين ليس يمكّننى من رعاية حقوق أمثاله وأنا أنفذه إلى الخصيبي فإنّه أعرف بدوائه. » فقمنا وجئت إلى الخصيبي فحدّثته بما جرى في المجلس وقلت له:
« أعيذك بالله أن تنتصب للتشرّر على الناس وأن يقال: إنّ النعم تزال بك وأنت وزير ابن وزير وقد رفع الله قدرك من ذلك وأجلّك بصناعتك وعفافك وأبوّتك. » فقال: « أحسن الله جزاءك ستعلم أنّى أردّه إليه بعد أن أعذر باليسير إليه. » ثم إنّ أبا عليّ ابن مقلة استدعى الخصيبي وسلّمه إليه بعد أن اضطرّه إلى كتب خطّه بثلاثمائة ألف دينار يصحّحها في مدّة عشرين يوما. فأحضر له الخصيبي صاحب الشرطة وجرّده وضربه عشر درر وخلّع تخليعا يسيرا، ثم ضربه بالمقارع، فأقام على أنّه لا مال له وأنّ ضياعه قد وقفها ولا يمكنه بيعها. فاستعفى الخصيبي منه وردّه إلى دار ابن مقلة فحبسه ثم سلّمه إلى المعروف بابن الجعفري النقيب وأحضر له غلاما من غلمان القاهر وذكر له أنّه قد أمر بضرب عنقه إن لم يؤدّ قدرا من المال.
فما زال يعلّلهم إلى آخر الوقت ولم يؤدّ شيئا. فلمّا حضر الوقت أحضره السيف وشدّ رأسه وعينيه. فقال له أبو الخطّاب:
« وجّهنى رحمك الله إلى القبلة. »
فوجّهه.
ثم قال له:
« برفق ».
وتشاهد.
فبادر بالخبر ابن الجعفري إلى ابن مقلة فقال ابن مقلة:
« لا يجوز أن يكون بعد هذا شيء. » وقال مونس المظفّر لابن مقلة:
« أيّ طريق على رجل لم يعمل عملا منذ آخر سنة تسع وتسعين ومائتين؟ » فأخذه ابن مقلة وسلّمه إلى حاجبه وأمره أن يعتقله. فأقام فيه يومين وحضر أبو يوسف البريدي فشكا إليه ابن مقلة ما أقام عليه أبو الخطّاب من التجلّد ووسّطه بينه وبينه. فصار إليه أبو يوسف وقرّر أمره على عشرة آلاف دينار فحلف أبو الخطّاب ألّا يؤدّى منها درهما ولو قتل أو يطلق إلى منزله.
فوجّه إليه ابن مقلة بخلعة من ثيابه وحمله على دابّة بمركب واستدعاه ووثب إليه حتى كاد أن يقوم له ثم قال له:
« كثّر على الخليفة في أمرك وعزيز عليّ ما لحقك فامض مصاحبا إلى منزلك. » فانصرف وأدّى المال في مدّة عشرة أيّام وأطلق ضياعه وأملاكه.
وأحضر ابن مقلة إسحاق بن إسماعيل وأخذ خطّه بأن يحمل في كل شهر من شهور الأهلّة مثل ما كان يحمله إلى المقتدر بالله لخريطته على سبيل المرفق وهو ألفا دينار وأخذ خطّ أبي عبد الله البريدي بحمل ثلاثة آلاف دينار في كلّ شهر على هذه السبيل وخطّ أبي يوسف وأبي الحسين أخويه بألف وخمسمائة دينار في كلّ شهر.
ذكر ما جرى في أمر الذين هربوا من قواد المقتدر وما آل أمرهم إليه

كتب هارون بن غريب إلى أبي جعفر محمّد بن يحيى بن شيرزاد من واسط بأن يقطع أمره على مصادرة ثلاثمائة ألف دينار على أن يطلق له ضياعه الملك في سائر النواحي ومستغلّاته دون الإجارات والوقوف التي كانت في يده وعلى أن يؤدّى حقوق بيت المال على الرسوم القديمة ويرتجع إقطاعاته. وعنى به مونس المظفّر وأسبابه وكتب له القاهر أمانا وقبلت مصادرته التي بذلها وقلّد أعمال المعاون بماه الكوفة وماسبذان ومهرجانقذق.
وخرج عبد الواحد بن المقتدر ومحمّد بن ياقوت الباهلي وابنا رائق وسرور ومفلح من واسط مفارقين لهارون بن غريب من واسط إلى السوس وجنديسابور فأفسدوا أمر الأعمال هناك وعاثوا وخرّبوا ومدّوا أيديهم إلى التنّاء والتّجار ثم خرجوا على الظهر إلى سوق الأهواز. فلمّا طال مقامهم بالأهواز شخص يلبق والجيش معه نحوهم فلقيه هارون بن غريب بجرجرايا ثم نفذ لحرب القوم.
فأمّا ما حكاه أبو الفرج ابن أبي هشام عن مشاهدة وعيان فإنّه قال: إنّ الهاربين من قوّاد المقتدر مع عبد الواحد ابنه دخلوا سوق الأهواز من طريق الطيب وما دخلوا السوس ولا جنديسابور واستبدّ محمّد بن ياقوت بالأمور على ابني رائق والجماعة.
وقلّد أبا إسحاق القراريطي كاتبه النظر فاستخرج وأمر ونهى وكانت الأموال تنصبّ إلى ابن ياقوت ويعطى منها ابنا رائق وغيرهما ما يريد فتغيرت له القلوب واعتقدوا الخلاف عليه.