« أمرت بصيانته وألّا يلحقه مكروه. » وردّه إلى دار السلطان وحبس في الموضع الذي كان إسحاق بن إسماعيل محبوسا فيه.
وورد يوم الثلاثاء لخمس خلون من جمادى الأولى كتاب أبي جعفر الكرخي وكتاب أبي يوسف عبد الرحمن بن محمّد الذي كان يكتب للسيدة بأنّ أصحاب ابن رائق كبسوا سوق الأهواز وأنّهم استولوا على سائر عمل الأهواز وصار كلّ من يتقلّد المعاون في أعمال الأهواز من قبله سوى محمّد بن ياقوت فإنّه كان يتقلّد المعاون بالسوس وجنديسابور فلم ينفذ لابن رائق لأنّه نظيره فكتب الخصيبي رقعة بما ورد عليه من ذلك إلى القاهر.
وكان القاهر قد ابتدأ بشرب فدعا بسلامة وأقرأه الكتاب وقال له:
« امض إلى الخصيبي واجتمع معه على التدبير في ذلك. » وعاود شربه فمضى سلامة وعيسى معه إلى الخصيبي وأطالا عنده إلى نصف الليل ولم يتقرر لهم رأى عليه شيء. فانصرف سلامة إلى منزله لعلمه بأنّ القاهر قد سكر ولا فضل فيه باقى ليلته وصدر نهار الغد، وبكّر سلامة إلى الخصيبي فوجد عنده عيسى المتطبّب وبلغهم خبر الساجيّة والحجريّة واجتماعهم لقصد دار السلطان. فتقدّم الخصيبي إلى عيسى بأن يبادر إلى دار السلطان ويعرّف القاهر الخبر ليتحرّز وإن وجده نائما أنبهه، فمضى عيسى واجتهد في إنباه القاهر فلم تكن فيه حيلة وقيل له: كان يشرب إلى أن طلعت الشمس وأنّه لو أنبه لما فهم عنه ما يقوله لشدّة سكره.
وكانت الحجريّة والساجيّة قد اجتمعوا عند سيما وتحالفوا على اجتماع الكلمة في كبس دار الخليفة والقبض على القاهر فقال لهم سيما:
« إن كان قد صحّ عزمكم على هذا فقوموا بنا الساعة حتى نمضيه. » فقالوا:
« بل نؤخّره إلى غد فهو يوم الموكب ويظهر لنا فنقبض عليه. » فقال لهم سيما:
« إن تفرّقتم الساعة وأخّرتموه إلى ساعة أخرى اتّصل الخبر به فتحرّز ودبّر علينا فأهلكنا كلّنا. » فقبلوا رأيه وركبوا معه إلى دار السلطان بالسلاح فرتّب سيما على كلّ باب من أبوابها غلاما من الساجيّة وغلاما من الحجرية ومعهما قطعة وافرة منهما فلمّا أحكم أمر الأبواب كلّها وقف على باب العامّة وأمر بالهجوم فهجموا كلّهم من جميع الأبواب في وقت واحد، وبلغ سلامة والخصيبي وهما مجتمعان في دار الخصيبي فخرج الخصيبي في زيّ امرأة واستتر وانحدر سلامة إلى مشرعة الساج واستتر.
ولمّا دخل الساجيّة والحجريّة الدار لم يدخلها سيما وأقام بمكانه من باب العامّة إلى أن قبض على القاهر فلما قبض عليه دخل.
ولمّا علم القاهر بحصول الغلمان في الدار انتبه من سكره وأفاق وهرب إلى سطح حمّام في دور الحرم فاستتر فيه ولمّا دخل الغلمان إلى المجلس الذي كان فيه ولم يجدوه وأخذوا من كان بالقرب [ منه ] مثل زيرك الخادم وعيسى المتطبّب واختيار القهرمانة فوكّلوا بهم ووقع في أيديهم خادم صغير فضربوه بالطبرزينات حتى دلّهم على موضعه فدخلوا فوجدوه على سطح الحمّام على رأسه منديل ديبقي وفي يده سيف مجرّد واجتهدوا به على سبيل الرفق أن ينزل إليهم وقالوا:
« نحن عبيدك وما نريد بك سوءا وإنّما نتوثق لأنفسنا. » فأقام على الامتناع من النزول إلى أن فوّق إليه واحد منهم بسهم وقال:
« إن لم تنزل وضعته في نحرك. » فنزل حينئذ وقبضوا عليه - وكان ذلك ضحوة نهار يوم الأربعاء لستّ خلون من جمادى الآخرة سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة - وصاروا به إلى موضع الحبوس وقصدوا البيت الذي فيه طريف السبكرى ففتحوه ووجدوا فيه طريفا فكسروا قيده وأطلقوه وأدخلوا القاهر إلى موضعه وحبسوه فيه ووكّلوا بالباب جماعة من الساجيّة والحجريّة ووقع النهب ببغداد وانقضت خلافة القاهر بالله.
خلافة الراضي بالله أبي العباس محمد بن المقتدر

في سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة

واستدلّ الغلمان الساجيّة والحجريّة حين اقبضوا على القاهر على الموضع الذي فيه أبو العبّاس ابن المقتدر فدلّهم عليه خليفة لزيرك الخادم. ففتحوا عنه الباب ودخلوا عليه وسلّموا عليه بالخلافة وأخرجوه وأجلسوه على السرير وبايع له قوّاد الساجيّة والحجريّة وطريف السبكرى وبدر الخرشنى ولقّب: الراضي بالله.
وتقدّم بإحضار عليّ بن عيسى وأخيه عبد الرحمن وأحضرا، فوصلا إليه وشاورهما واعتمد عليهما فيما يعمل. فعرّفه عليّ بن عيسى أنّ سبيله أن يعقد لواء لنفسه على الرسم في ذلك فاستحضر اللواء وعقده بيده، ثم أمر بالاحتفاظ به وأشار عليه بتسلّم الخلافة، فسلّمها من كان في يده وهو خاتم فضّة فصّه من حديد صينى وعليه كتابة ثلاثة أسطر:
« محمّد رسول الله. » وأشار عليه بتسلّم خاتم الخلافة من القاهر بالله. فوجّه إليه الراضي، ثم فتح عنه الباب وطالبه بخاتمه فسلّمه وكان فصّه ياقوتا أحمر وعليه منقوش:
« بالله محمّد الإمام القاهر بالله أمير المؤمنين يثق. » وصار به إلى الراضي فأمر أن يسلّم إلى حاذق من حذّاق الخزانة ليمحو ذلك النقش منه، ففعل ذلك ونقش له خاتم آخر عليه:
« الراضي بالله » وتقدّم عليّ بن عيسى بأن يحضر القاضي أبو الحسين عمر بن محمّد، والقاضي أبو محمّد ابن أبي الشوارب، والقاضي أبو طالب البهلول، وجماعة من الشهود وممّن يقرّب من دار السلطان فحضروا. فحكى القاضي أبو الحسن محمّد بن صالح الهاشمي ابن أمّ شيبان أنّه لمّا استدعى القاضي أبو الحسين عند القبض على القاهر بالله وجم جميع أطرافه وأخذ معه خمسين دينارا في حجزة سراويله استظهارا واستخلفه في داره ومضى وانصرف بعد أن مضى أكثر الليل إلى منزله قال: فقال لي:
« أنا أعرف ضيق صدرك وتطلّعك إلى معرفة حديثنا فاسمعه: اعلم أنّى مضيت فأدخلت إلى حجرة فيها القاهر بالله ومعي ثلاثة من الشهود وطريف السبكرى. فقال له طريف: تقول يا سيّدي. » وكرّر ذلك دفعات. فقال له:
« اصبر. » ثم التفت إليّ فقال:
« ألست تعرفني؟ » فقلت: « بلى. » فقال: « أنا أبو منصور محمّد بن المعتضد بالله رحمة الله عليه ثم القاهر بالله بيعتي في عنقك وأعناق أهلى وسائر الأولياء ولست أبرّئكم منها ولا أحلّكم بوجه ولا سبب، فانهضوا. » فقمنا فلمّا بعدنا عذلت طريفا ولمته ملاما كثيرا وقلت:
« أيّ رأى كان إحضارنا إلى رجل لم يوطّأ ولم يؤخذ خطّه ويشهد عليه الكتّاب والجند؟ كان ينبغي أن تقدّم ذلك ثم تحضرنا له. » وعدل بنا إلى عليّ بن عيسى فسألنا عمّا جرى فحدّثناه به فقطّب وجهه ثم قال:
« يخلع ولا يفكّر فيه فإنّ أفعاله مشهورة وأعماله معروفة وما يستحقّه غير خاف. » فقلت له:
« بنا لا تعقد الدول وإنّما يتمّ بأصحاب السيوف ونصلح نحن ونراد لشهادة واستيثاق وقد سمعت من الرجل ما حدّثتك به ولم يكن الرأي أن يجمع بيننا وبينه إلّا بعد إحكام أمره. » فتغاضب وحضر وقت الصلاة فقمنا.
فقال القاضي أبو الحسن محمّد بن صالح:
فسمعت ذلك منه وبكّرنا إلى دار السلطان فقيل له: إنّ القاهر سمل البارحة. فلمّا حضر أبو عليّ ابن مقلة استدعينا وكنت مع القاضي أبي الحسين وثلاثة من الشهود واجتمعنا بحضرة الراضي بالله فأومأ إلى مفلح الأسود فأحضر ثلاثة من إخوته فأجلسهم عن يمينه وأخرج أبو عليّ ابن مقلة قرطاسا من كمّه ونشره فاستحلفهم على البيعة ثم أومأ الراضي إلى مفلح إيماء ثانيا فأحضر اثنان آخران من إخوته فأجلسهما عن شماله وأخذت البيعة عليهما ثم أعطى أبو عليّ القرطاس القاضي أبا الحسين فأخذ عليه البيعة وكتبنا خطوطنا في ذلك القرطاس على من بايع وانصرفنا.
وكان سيما أشار بسمل القاهر تلك الليلة فستر الراضي ذلك عن عليّ بن عيسى واستحضرا بختيشوع بن يحيى المتطبّب وسأله عمّن يحسن أن يسمل فذكر له رجلا فأحضره وسمل القاهر.
وما زال عليّ بن عيسى يوم الأربعاء إلى الليل يأخذ البيعة للراضى بالله على القضاة والقوّاد وكتّاب الدواوين والغلمان وطالبه الراضي أن يتقلّد الوزارة فامتنع وذكر أنّه لا يفي بالأمر، فأشار سيما بأبي علي بن مقلة. قال:
« هو يضمن أن يقوم بسائر الأمور. » فقال عليّ بن عيسى:
« قد أشرت به على أمير المؤمنين وما يصلح للوقت غيره. » وكان عليّ بن عيسى يسأل في الفضل بن جعفر فأطلق بمسألته ووقّع الراضي إلى أبي عليّ ابن مقلة فبكّر يوم الخمسين لسبع خلون من جمادى الأولى سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة وحضر عليّ بن عيسى وأخوه عبد الرحمن ووقفا بين يديه يستحلفان من يحضر ويأخذان البيعة عليه وتأخّر الفضل بن جعفر والحسن بن هارون وخلع على أبي عليّ ابن مقلة خلع الوزارة وركب معه سيما وطريف السبكرى وسائر القوّاد والغلمان والخدم الخاصّة وظهر الحسن بن هارون وأبو بكر ابن قرابة وصاروا إلى أبي عليّ ابن مقلة ثم انصرفوا إلى منازلهم.
واستأنف أبو عليّ ابن مقلة سيرة حسنة وقال: « قد عاهدت الله في استتاري ألّا أسىء إلى أحد ونذرت نذورا. »
فوفى وأطلق كلّ من كان في حبس القاهر من كاتب وجنديّ وأطلق عيسى المتطبّب وإسحاق بن عليّ القنّائى وكان الراضي أنفذهم إليه. ثم تعقّب الرأي في عيسى المتطبّب فصادره. وكان القاهر قد اعترف بوديعة أودعها إيّاه من العين والورق والطيب، فاستخرج كلّه منه. وسأل في أمر أبي العبّاس الخصيبي فكتب له أمان وقّع الراضي فيه بخطّه وتسلّمه الوزير أبو عليّ وأنفذه في درج رقعة منه بخطّه إلى الخصيبي وخاطبه أجمل مخاطبة وظهر الخصيبي فقلّده دواوين الضياع الخاصّة والمستحدثة والعبّاسيّة والفراتيّة والمقبوضة عن أمّ موسى ونذير وشفيع اللؤللؤى وضياع المخالفين وضياع البرّ وضياع الجدّة والدة المقتدر وديوانى زمام المشرق والمغرب وأجرى عليه لنفسه سوى أرزاق كتّابه في هذه الدواوين ألف دينار في كلّ شهر وقلّد الراضي بدرا الخرشنى الشرطة بمدينة السلام.
ولمّا تقلّد الراضي الخلافة وردت كتب أبي جعفر الكرخي وأبي يوسف كاتب السيّدة بتخلصهما من الأهواز إلى نواحي دور الراسبي هاربين من محمّد بن رائق وكان بنو البريدي يستترون في أنهار الأهواز نهر بعد نهر.
ووصل الخبر إلى ابن رائق وهو بالباسيان: أنّ القاهر خلع من الخلافة وتقلّدها الراضي بالله وأنّه قد ندب للحجبة. فرجع منكفئا إلى واسط ولم يدخل البصرة ورجع الكرخي إلى البصرة ثم عاد إلى غيلة بالأهواز فنظر وعمل إلى أن ضمّن ابن مقلة بنى البريدي أعمال الأهواز.
ذكر ابتداء أمر أبي الحسن علي بن بويه الديلمي

كنّا كتبنا فيما تقدّم أنّ أبا الحسن عليّ بن بويه لحق بمرداويج وهو في حدود طبرستان فقوّده وضمّ رجالا إليه فلمّا أنفذه إلى الريّ - وكان أخوه وشمكير بها - اتفق أنّ عامل الكرج طمع في مالها فأنفذ عليّ بن بويه ليتلافى أمر الكرج ومعه دون مائة رجل من أصحابه فأقام بها وتلفّق إليه من الأطراف ديلم فصار في نحو ثلاثمائة رجل فأنكر مرداويج أمره وكاتبه بالانصراف فتأخّر، وروسل فتعلّل، وكان قد استخرج من مال الكرج نحو خمسمائة ألف وفوقها في مدّة يسيرة واستوحش مرداويج وهدّده ففزع وأخذ مرداويج ووشمكير في تدبير القبض عليه.
وكان عليّ بن بويه قد استخلف بحضرة وشمكير وهو بالريّ عند خروجه أحمد حاجبه - وهو والد أبي إسحاق الطبري الشاهد - في هذا الوقت، فكتب إليه أحمد بما فيه مرداويج ووشمكير من الخوض في سيّئه. وكان مرداويج قد صار إلى عند أخيه بالريّ بهذا السبب ولتسريب الجيوش إليه فخرج من الكرج إلى إصبهان خائفا ليستأمن إلى المظفّر بن ياقوت وكان عند المظفّر بن ياقوت في الوقت سبعمائة رجل من الديلم ووجههم فناخسره والد الحسن الديلمي الذي كان ببغداد ونظر في الشرطة بها. فلمّا قرب من إصبهان خرج إليه المظفّر ليمنعه ومعه نحو أربعة آلاف رجل فتخاذل أصحابه ووقع بين أصحابه من الديلم خلاف. لأنّ فناخسره كان له عدوّ من الديلم يضادّه فتقاعد المولّدون أيضا وافترقت كلمتهم وانهزم المظفّر بن ياقوت إلى فارس وبها أبوه ياقوت واستأمن إلى عليّ بن بويه نحو من أربعمائة رجل من الديلم فصارت عدّته سبعمائة رجل وملك إصبهان وهو في ثلاثمائة رجل.
وبلغ الخبر مرداويج فسيّر أخاه وشمكير لطلبه في الوقت فلمّا قرب إصبهان رحل عنها عليّ بن بويه وصار إلى أرجان وكان قد تهيّبها لحصوله بين ياقوت وهو بفارس وبين ابنه محمّد وهو برامهرمز فصوّر عنده بالمهانة واضطراب الرأي والرجال. فدخل أرجان واستوطنها وكاتب ياقوت واستخرج من مال أرجان خراجا نحو ألفي ألف درهم ووصل مع ذلك إلى ودائع ونظّم أمره للمسير إلى كرمان وبها ما كان بن كاكى الديلمي ليستأمن إليه فلم يجبه ياقوت عن كتابه ولم يقبله فكاتبه عليّ بن بويه وخاطبه بالإمارة والتعبّد وعرّفه أنّه يسأله أحد الأمرين: إمّا أن يقبله، أو يأذن له في المصير إلى باب السلطان. فلمّا لم يقبله ياقوت وسار إليه مع ابنه المظفّر ليحاربه سار عليّ بن بويه إلى النوبندجان وقدّر أن تكون الحرب بها وقدّم كتبه إليه وطلب منه الأمان واستعفاه من الحرب فحذّره ياقوت وخشي أن يغتاله وكان قيل له: إنّ عليّ بن بويه يريد الحيلة عليه ليحصل بفارس ويخدعه عنها.
وكان عليّ بن بويه قد حصل أيّام مقامه بكازرون وبلد سابور - وذلك عند خروجه من أرجان - نحو خمسمائة ألف دينار مع كنوز كثيرة وجدها فقويت شوكته وزاد رجاله. فلمّا صار إلى النوبندجان قام بأمره أبو طالب زيد بن عليّ وتكفّل بنفقاته فلزمه عليه في كلّ يوم خمسمائة دينار وأقام عنده مدّة. فلمّا خرج إليه ياقوت تهيّبه هيبة شديدة وذلك أنّ جيش ياقوت كانوا سبعة عشر ألف رجل من جميع الأصناف ساجيّة وحجريّة والرجّالة المصافية وغيرهم من الديلم وأصناف العسكر وعليّ بن بويه في ثمانمائة رجل، فسأله أن يفرج له عن الطريق لينصرف عنه ويجتاز إلى حيث يجتاز.
فمنعه ياقوت وطمع فيه لقلّة عدده ولوفور ما وصل إليه من المال.
فلم يثبت له عليّ بن بويه وسار إلى البيضاء فمنعه ياقوت وواقعه على باب إصطخر يومين فكانت لياقوت فاشتدّ طمع ياقوت فيه وزاد تهيّب عليّ بن بويه وحقّق عليه المسألة في الإفراج له لينصرف عنه فامتنع عليه فلمّا كان يوم الخميس لاثنى وعشرة ليلة بقيت من جمادى الآخرة سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة واقعه مستقتلا.
فحدّثني من شهد الوقعة من الديلم أنّه ترجّل ستّة نفر من الديلم وصفّوا تراسهم وتقدّموا زحفا واستأخر من واجههم من أصحاب ياقوت فاشتملوا وتقدّموا وحمل أبو الحسين أحمد بن بويه في نحو ثلاثين رجلا فانهزم ياقوت وجميع من معه وذلك وقت الظهر من ذلك اليوم وانصرف إلى شيراز.
فقدّر عليّ بن بويه أنّ انصرافه مكيدة منه لا هزيمة فتوقّف في موضعه ولم يتبعه إلى وقت العصر، فلمّا صحّ عنده أنّها هزيمة سار إلى شيراز فنزل أوّل منزل قرية يقال لها: الزرقان على ستّة فراسخ من شيراز وبكّر منها يوم السبت فنزل قرية يقال لها: الدينكان، وعنده أنّ سيحارب عن البلد ويدفع عنه لأنّ الجيش الذي انهزم عنه كانوا قد انصرفوا عنه موفورين لم يحاربوه ولا وقفوا بين يديه، فنزل على فرسخ من شيراز في مضاربه، وبلغه أنّ ياقوتا وعليّ بن خلف بن طناب قد خرجا عن شيراز والبلد شاغر خال.