ليسرى وبعض أصابع يده اليمنى وأثخن بالضرب في رأسه وسائر جسده وسقط بين القتلى. وورد الخبر بذلك إلى جيرفت فهرب كاتبه كوردفير ومن تأخّر من أصحابه. ولمّا أصبح عليّ بن كلويه أمر بتتبّع القتلى والتماس أحمد بن بويه فوجدوه حيّا. إلّا أنّه قد أشفى على التلف. فحمل إلى جيرفت وأقبل عليّ بن كلويه على علاجه وخدمته وبلغ في ذلك كلّ مبلغ واعتذر إليه وأظهر الغمّ بما أصابه. واتّصل الخبر بعليّ بن بويه فاشتدّ غمّه وقبض على كوردفير وأنفذ مكانه أبا العبّاس وخطلخ حاجبه في ألفى رجل ليجمعا ما بقي من سواد معزّ الدولة - أعنى أحمد بن بويه - بالسيرجان ويضمّا من بقي من فلّ العسكر.
وأنفذ عليّ بن كلويه رسله وكتبه إلى عليّ بن بويه بالاعتذار ممّا جرى ويوضّح له الصورة ويبذل من نفسه الطاعة ويذكر أنّه ما فارقها ولا خرج عنها. فأنفذ إليه عليّ بن بويه قاضى شيراز وأبا العبّاس الحنّاط وأبا الفضل العبّاس بن فسانجس وجماعة من الوجوه وأجابه بالجميل وبسط عذره وأمضى ما كان قرّره وردّ رهينته وجدّد له عهدا وعقدا. فحينئذ أطلق عليّ ابن كلويه أبا الحسين أحمد بن بويه وأطلق معه اسفهدوست وسائر من كان أسيرا في يده بعد أن أجمل معاملتهم وخلع عليهم وحمل إليهم آلات وألطافا.
فلمّا وصل أحمد بن بويه إلى السيرجان وجد كاتبه مقبوضا عليه وقد جرى عليه مكاره عظيمة أشرف منها على التلف فاستنقذه ونصره وبرّأه من الذنب وشفع إلى أخيه فيه فشفّعه وأطلقه.
وتأدّى إلى أبي عليّ ابن الياس ما جرى على أبي الحسين وطمع فيه وسار من سجستان حتى نزل البلد المعروف بخناب فتوجّه إليه أبو الحسين واشتدّت الحرب بينهما أيّاما، إلّا انّ عاقبة الأمر كانت لأبي الحسين.
فانهزم ابن الياس وعاد أبو الحسين ظافرا وتتبعت نفسه التشفي من عليّ بن كلويه وطلب الثأر عنده. فتوجّه إليه واستعدّ عليّ بن كلويه واحتشد ثم سار إليه فلمّا صار بين العسكرين نحو من فرسخين نزل وعملوا على مباكرة الحرب فأسرى عليّ بن كلويه في جماعة من أصحابه وهم قوم رجّالة قادرون على العدو والمصابرة فيه فوقع على عسكر أبي الحسين ليلا.
واتفق أن تغيّمت السماء بمطر جود واختلط الناس فلم يتعارفوا إلّا باللعنات. فأثّروا في عسكر أبي الحسين وقتلوا ونهبوا وانصرفوا وبات عسكر أبي الحسين بقية ليلتهم يتحارسون. فلمّا أصبحوا ساروا إلى القوم فأوقعوا بهم وقتلوا منهم عدّة وانهزم عليّ بن كلويه ورجع أبو الحسين وقد نقع بعض غلّته إلّا أنّ في صدره بعد حزازات.
وكتب إلى أخيه عليّ بن بويه بالبشارة والظفر بابن الياس وانهزامه وبعليّ ابن كلويه وهربه. فورد عليه الجواب بأن يقف حيث انتهى ولا يتجاوزه.
وأنفذ إليه المرزبان بن خسره الجيلي أحد قوّاده الكبار ليبادر به إلى حضرته ويمنعه التلوّم والمراجعة وكاتب سائر القوّاد بمثل ذلك. فرجع إلى حضرته كارها لأنّه ما كان بلغ ما في نفسه من عليّ بن كلويه وأصحابه.
فلمّا وصل إلى إصطخر أقام.
ذكر ما اتفق له من الخروج إلى بلدان العراق حتى ملكها

واتفق أنّ أبا عبد الله البريدي وافى فارس في البحر لاجئا إلى عليّ بن بويه وذلك أنّ محمّد بن رائق وبجكم استظهرا عليه في عدّة حروب وانتزعا الأهواز من يده وأشرفا على انتزاع البصرة منه. فخلّف أخاه أبا يوسف وأبا الحسين عليّ بن محمّد بها. فلمّا ورد حضرة عليّ بن بويه مستصرخا به أكرمه وأحسن ضيافته وبذل له أبو عبد الله - إذا ضمّ إليه الرجال - أن يمكّنه من أعمال العراق ويصحّح له أموالا عظيمة من الأهواز ويسلّم إليه ولدين له رهينة.
واستقدم عليّ بن بويه أخاه أبا الحسين من إصطخر فلمّا قرب منه تلقّاه في جميع عسكره وقرّبه ورتّبه فوق ما كان في نفسه تسلية له عن مصيبته ثم أنهضه مع أبي عبد الله البريدي في عسكر قويّ وعدّة تامّة وسار واتّصل خبره بمحمّد بن رائق وبجكم. فأمّا بجكم فإنّه عاد إلى الأهواز وكان مع ابن رائق بعسكر أبي جعفر محاصرين البصرة وأراد أن يمنع الديلم من تورّد الأهواز. وأمّا ابن رائق فعاد إلى واسط والتقى عسكر بجكم وعسكر أبي الحسين بالقرب من رامهرمز وانحاز بجكم إلى عسكر مكرم بعد حروب سنذكرها إن شاء الله في سنة ستّ وعشرين.
ودخلت سنة خمس وعشرين وثلاثمائة

وفيها أشار أبو بكر محمّد بن رائق على الراضي بالله أن ينحدر معه إلى واسط ليقرب من الأهواز ويراسل البريدي فإن انقاد إلى ما يراد منه وإلّا... عليه قصده. فاستجاب الراضي إلى ذلك وانحدر يوم السبت غرّة المحرّم واضطربت الحجريّة وقالوا:
« هذه تعمل علينا ليعمل بنا ما عمل بالساجيّة ونحن نقيم ببغداد. » فلم يلتفت ابن رائق إليهم وانحدر بعضهم وتأخّر أكثرهم ثم انحدر الجميع.
فلمّا صاروا بواسط عرضهم ابن رائق وبدأ بخلفاء الحجّاب وكانوا نحو خمسمائة حاجب فاقتصر منهم على ستين وأسقط الباقين ونقص أزراق من أقرّ منهم وأخذ يعرض الحجريّة ويسقط منهم الدخلاء والبدلاء والنساء والتجّار ومن لجأ إليهم فاضطربوا من ذلك ولم يستجيبوا إليه. ثم استجابوا وعرضهم وأسقط منهم عددا كثيرا ثم اضطربوا وحملوا السلاح فحاربهم ابن رائق يوم الثلاثاء لخمس بقين من المحرّم حربا عظيمة فكانت على الحجريّة فقتل بعضهم وأسر بعضهم وانهزم الباقون إلى بغداد. فركب لؤلؤ صاحب الشرطة ببغداد وأوقع بالمنهزمين واستتروا فنهبت دورهم وأحرق بعضها وقبضت أملاكهم.
فلمّا فرغ ابن رائق من حرب الحجريّة وقهرهم تقدّم بقتل من كان اعتقلهم من الساجيّة فقتلوا سوى صافى الخازن والحسن بن هارون. فلمّا فرغ من الساجيّة والحجريّة عمل الراضي بالله وأبو بكر بن رائق على الشخوص إلى الأهواز ودفع البريدي عنها وأخرجت المضارب إلى باذبين وبلغ البريدي ذلك فقلق قلقا شديدا وأنفذ إلى أبو جعفر ابن شيرزاد وأبو محمّد الحسن بن إسماعيل الإسكافي برسالة من الراضي بالله ومن ابن رائق يعرّفان أنّه قد أخّر الأموال واستبدّ بها وأفسد الجيوش وحسّن لها المروق وأنّه ليس بطالبيّ يسارع على الملك ولا بجنديّ فيبتغى الإمارة ولا من حملة السلاح فيؤهّل لفتح البلاد المنعلقة وأنّه كان كاتبا صغيرا فرفع بعد خمول وعاملا من أوسط العمّال فاصطنع وأهّل لجليل الأعمال فطغى وكفر النعمة وجازى عن الإحسان بالسوء وخلع الطاعة وأنّه إن سلّم الجند وحمل المال أقرّ على العمالة وإلّا قصد وعومل بما يستحقّ.
فوافياه وأخبراه بما تحمّلاه ونصحا له فعقد على نفسه كور الأهواز بثلاثمائة وستين ألف دينار يحمل منها في كلّ شهر من شهور الأهلّة ثلاثين ألف دينار وأن يسلّم الجيش ممّن يؤمر بتسليمه إليه ممّن يؤمّر عليهم ليخرج بهم إلى فارس للحرب إذ كانوا كارهين للعود إلى الحضرة لضيق الأموال بها ولاختلاف كلمة الأولياء فيها ولأنّهم لا يأمنون الأتراك والقرامطة.
وكاتبا ابن رائق بذلك فعرضه على الراضي بالله وشاور فيه الحسين بن عليّ النوبختي فأشار بألّا يقبل منه ذلك وأن يتمّم ما شرع فيه من قصده ما دام قلبه قد نخب وأن يخرج الأهواز من يده ولا يقارّ بها. وأشار أبو بكر ابن مقاتل بقبول ما بذله وإقراره في ولايته. فمال ابن رائق إلى الهوينا وقبل رأى ابن مقاتل وكان الرأي الصحيح مع النوبختي وكتب إلى ابن شيرزاد وابن إسماعيل وأذن لهما في العقد والإشهار ففعلا وانصرفا.
فأمّا المال فما حمل منه دينار واحد. وأمّا الجيش فإنّه أنفذ جعفر بن ورقاء لتسلّمه والنهوض إلى فارس به فوافى جعفر بن ورقاء الأهواز وتلقّاه أبو عبد الله البريدي في الجيش كلّه كوكبة بعد كوكبة حتى ملأ الأرض بهم واسودّت منهم حافّين بأبي عبد الله حوله فورد على جعفر بن ورقاء ما حيّره.
ثم أنفذت الخلع السلطانيّة إلى أبي عبد الله البريدي بالولاية وعمالة الأهواز فلبسها في جامع الأهواز وانصرف إلى داره فمشى العسكر قوّادهم وفرسانهم وصميمهم وعبيدهم ورجالتهم بخفاقهم وراياتهم وأسلحتهم بين يديه. فيئس جعفر بن ورقاء وكان راكبا معه وانخزل وسقطت نفسه. فلمّا بلغ داره احتبسه واحتبس القوّاد معه والناس، وكان يوما عظيما.
ثم أقام جعفر بن ورقاء أيّاما فدسّ عليه البريدي الرجال فشغبوا وطالبوه بمال يفرّق فيهم رزقة تامّة للنهوض. فاستتر واستجار بالبريدى فأخرجه وعاد إلى الحضرة.
وعنى ابن رائق بأبي الحسين البريدي قبل هذه الحال حتى انحدر من بغداد ولحق بأخويه. ولمّا تقرّر أمر البريدي أصعد الراضي بالله وابن رائق إلى بغداد. ودخل أبو عبد الله الحسين بن عليّ كاتب الأمير ابن رائق بغداد.
ذكر حيلة أبي بكر ابن مقاتل على الحسين بن علي النوبختي حتى عزله عن كتابة ابن رائق

وكان أبو بكر محمّد بن مقاتل متمكّنا من ابن رائق التمكّن المشهور منحرفا عن الحسين بن عليّ النوبختي بعد المودّة الوكيدة. وكان هو أوصله إلى ابن رائق وأدخله في كتابته فلهذا ولأنّ الحسين بن عليّ فوقه ومتفرّد بابن رائق - وهو المدبّر للملك والذي بنى لابن رائق تلك الرتبة العظيمة والذي ساق إليه تلك النعمة وجمع له تلك الأموال التي كان مستظهرا بها من ضمان واسط والبصرة - أشار على ابن رائق أن يعتضد بأبي عبد الله البريدي وأن يستكتبه ليتفق الكلمة ويجتمع جيش الأهواز إلى جيشه وقال له:
« أيّها الأمير لك في ذلك جمال عظيم لأنّه اليوم كالنظير لك فإذا تواضع وصار تابعا جاز حكمك عليه وسيقال لك: إنّ البريدي غدر بالسلطان وبياقوت فكيف تثق به؟ فالجواب عن هذا أنّه ليس يجمعكما أرض فتتمّ حيلته عليك كما تمّت على ياقوت وأنت غير قادر عليه إلّا بحرب وقد يجوز أن تظفر به أو يظهر هو. فإذا كنّا قد انتهينا إلى هذه الحال معه فحطّه من الإمارة إلى الكتابة وتصييره تابعا ثم جذب رجاله وجيشه بالخدعة أو إنفاذه مع بجكم ليفتح لنا فارس وإصبهان أولى من دفعه عمّا سأل وإيحاشه فيحتاط لنفسه ويخبّب الرجال وقد حمل إلى الأمير مع هذا ثلاثين ألف دينار هدية هي في منزلي. » وقال له ابن رائق: