ورد الخبر على ركن الدولة بالريّ بخروج قوم من خراسان يحزرون عشرين ألفا ويظهرون أنّهم غزاة واستراب بهم صاحب الحدّ وهو إسفوزن بن إبراهيم وذلك أنّهم عاثوا لما دخلوا الحدّ وخاطبهم وراسل رؤساءهم فلم يجد عندهم نكيرا ولم ير سيرتهم سيرة الغزاة ولم يكن لهم رئيس واحد بل كان لأهل كلّ بلد من بلادهم رئيس منهم.
فلمّا ورد كتاب إسفوزن بصورتهم أشار الأستاذ الرئيس حقّا على ركن الدولة ألّا يأذن لهم في دخولهم مجتمعين وأن يراسلهم في أن تصير منهم عدة نحو ألفى رجل إلى الريّ فإذا خرجت هذه العدّة منها ورد مثلها حتى يتتابعوا على ذلك فلا تكون منهم معرّة ولا يحدّثوا أنفسهم بسوء أدب. فامتنع ركن الدولة من قبول رأيه [ وقال ]:
« ولا يتحدّث الملوك أنّى احترزت من لفيف خراسان وخشيت نايرتهم. » فقال له وزيره أعنى الأستاذ الرئيس حقّا:
« فإن لم تفعل هذا فكاتب عساكرك فإنّهم متفرّقون عنك بالجبل وإصبهان وغيرها حتى تتوافى إليك، فإنّ معك بالريّ عدّة يسيرة وأنت غير مستظهر بالرجال ولا آمن أن يكون لهؤلاء القوم مواطأة مع صاحب خراسان وعددهم كثير وهم مستعدّون بعلة الغزو ونحن على غير أهبة ولا استعداد.
« فأبى عليه في هذا الرأي ولم يحفل بالقوم وكاتب صاحب الحدّ بأن يأذن لهم ويفرج عن وجوههم ولا يصيّر للشر مبدأ. » فسار القوم بأجمعهم ومعهم فيل عظيم من بين الفيلة حتى نزلوا بالريّ واجتمع رؤساؤهم إلى مجلس الأستاذ الرئيس يخاطبونه في مسئلة الأمير ركن الدولة أن يطلق لهم مالا يستعينون به على أمرهم. فوعدهم بذلك وظنّ أنّ القليل يسعهم على رسم الغزاة فإذا هم يطمعون في شيء كثير وقالوا:
« نحتاج إلى مال خراج هذه البلدان كلّها التي في أيديكم فإنّكم إنّما جبيتموها لبيت مال المسلمين لنائبة إن نابتهم ولا نائبة أعظم من طمع الروم والأرمن فينا واستيلائهم على ثغورنا وضعف المسلمين عن مقاومتهم. »
وسألوا مع ذلك أن يخرج معهم جيش ينضمّون إليهم وأخذوا في هذا النحو من الكلام وتبسّطوا في الاقتراح ورفع الأصوات وكان معهم فقهاء خراسان وشيوخها مثل المعروف بالقفّال وغيره.
فتبين الأستاذ الرئيس خبث سرائرهم وتيقّن ما كان ظنّه بهم من الشرّ وطلب الفتنة ولكنه كان يداريهم ويرفق بهم. فلمّا لم يجدوا سبيلا من طريق القول إليه والشغب به عدلوا إلى مشافهة الديلم فكانوا يكفّرونهم ويلعنونهم، وكان ذلك في شهر رمضان وكانوا يخرجون ليلا ومعهم آلاتهم من السيوف والحراب والقسيّ والسهام ويزعمون أنّهم يأمرون بالمعروف فيسلبون العامّة مناديلهم وعمائمهم وإذا تمكنوا من تفتيشه وأخذ جميع ما معه لم يقصّروا فيه والناس مع ذلك يدارونهم.
فاتفق أن وقعت بينهم وبين بعض أصحاب إبراهيم بن بابى خصومة لم يحتملها منهم فتأدى إلى القتال فقتل ذلك الرجل الديلمي واجتمع رفقاؤه للقتال فاجتمع من الغزاة نحو ألف رجل على باب إبراهيم بن بابى فخرج إليهم محاميا على أصحابه وقاومهم مدة إلى أن راسله ركن الدولة بالكفّ وراسلهم بمثل ذلك فأبوا. فتسرّع الديلم ومن كان قريبا لنصرة الديلم فاشتبكت الحرب وحجز بينهم الليل ورجع الخراسانية إلى معسكرهم يضربون بطبولهم الليل كلّه ويتواعدون القتال.
بروز الأستاذ الرئيس للقتال
فلمّا أصبحوا باكروا الحرب ودخلوا المدينة من ناحية اجران وفيها دار الأستاذ الرئيس [ وبرز للقائهم وبين يديه حاجبه روين وكان شهما شجاعا فحمل عليهم في غلمان دار الأستاذ الرئيس ] فحاربهم وكسرهم حتى رجعوا إلى الدرب الذي دخلوا منه ثم كثروا عليه ولم يولّ عنهم حتى طعنه بعضهم بحربة دخلت في كمّ درعه وأفضت إلى ساعده فخرقته وكثر الناس عليه وحامى عليه الأتراك الذين معه حتى ردّ إلى منزله وقد نزفه الدم وضعف وانكسر الأستاذ الرئيس ومضى كلّ من معه وثبت بنفسه على عادته.
فتعلّق به السلّار وكان حاضرا معه وقال له:
« أيّها الأستاذ ارجع إلى الأمير ولا تفجعه بنفسك فإنّه لم يبق حواليك أحد. » وأخذ بلجامه وردّه وسمعته يقول:
« عصّبها بي وأنت بريء من عارها. » فرجعا إلى دار الامارة واشتغل الخراسانية بنهب داره واصطبلاته وخزائنه وكانت موفورة جامّة إلى أن أتى الليل وانصرفوا وكان إليّ خزانة كتبه فسلمت من بين خزائنه ولم يتعرض لها.
أمسى الأستاذ ولا فرش لمنزله ولا آلة إلا دفاتره وكتبه
فلمّا انصرف إلى منزله ليلا لم يجد فيه ما يجلس عليه ولا كوزا واحدا يشرب فيه ماء. فأنفذ إليه ابن حمزة العلويّ فرشا وآلة. واشتغل قلبه بدفاتره ولم يكن شيء أعزّ عليه منها وكانت كثيرة فيها كلّ علم وكلّ نوع من أنواع الحكم والآداب يحمل على مائة وقر وزيادة. فلمّا رآني سألنى عنها فقلت:
« هي بحالها لم تمسّها يد. » فسرّى عنه وقال:
« أشهد أنّك ميمون النقيبة. امّا سائر الخزائن فيوجد منها عوض وهذه الخزانة هي التي لا عوض منها. » ورأيته قد أسفر وجهه وقال:
« باكر بها في غد إلى الموضع الفلاني. » ففعلت. وسلمت بأجمعها من بين جميع ماله.
واجتمع الخراسانية من غد ذلك اليوم وكانوا قد كسروا ركن الدولة في آخر نهار امسه وقويت نفوسهم وكانوا قصدوا باب روين الحاجب لينتهبوا داره وكان طريحا فيها غير مستقل فأمر غلمانه بطرح الحطب المعدّ للشتاء خلف الباب وإشعاله بالنار. ففعل ذلك فلم يصلوا إلى الدار من نحو الباب وراموا أن يتسوّروا سورها فرماهم الغلمان بالسهام فتراجعوا عنها. وعملوا على مباكرتها من الغد.
فلمّا أصبحوا راسلهم ركن الدولة وداراهم وعرض على أن ينقلعوا من مملكته فلم تكن فيهم حيلة وكان الأمر قد أبرم معهم بخراسان وكانوا ينتظرون مددا يلحقهم.
وأشار على ركن الدولة نصحاؤه بالمسير إلى إصبهان مع أولاده وحرمه وبترك هؤلاء والري حتى يجتمع إليه عساكره ويقصدهم بعديد وعتاد فأبى عليهم وخاطر بنفسه ودولته فإنّه كان في خمسمائة من قوّاده وخواصه ونحو ثلاثمائة من الغلمان وباقى عسكره كما ذكرنا متفرقون في ولاياتهم.
فلمّا كان من غد ذلك اليوم وهو يوم الأربعاء للنصف من شهر رمضان تفرق الخراسانية على أبواب المدينة وهجموا من كل وجه فامتلأت منهم الشوارع والمحالّ ونادوا في البلد بما يسكن الناس والرعية وقصدوا دار الامارة وفيها الأمير وأولاده وخزائنه.
وكان الأستاذ الرئيس أمر بتحميل ما أمكن والمبادرة بالحرم وصغار الأولاد إلى طريق إصبهان لينتظروا ما يكون من أمر الحرب وهم على ظهور الدوابّ مستعدّين للتوجّه إلى حيث شاءوا.
فاغتصّ الميدان الذي في الدار بالبغال التي عليها صناديق الخزائن والعماريات فلم يكن للأمير ركن الدولة مخلص من بينها وكان قد ركب في غلمان داره والأستاذ الرئيس معه وجماعة من قوّاده وحاشيته فلم يجدوا طريقا إلى الخروج لتزاحم من ذكرت فوضع بينهم الدبابيس وكسرت عدة من الصناديق والبغال حتى أفرج للفرسان على ضغط شديد وزحمة منكرة فخلصوا إلى الطريق وكنت مع القوم.
وكان الخراسانية قد دنوا من الباب ومعهم السلاليم وعندهم أنّ ركن الدولة يتحصّن في داره. فخرج ركن الدولة من نحو الميدان وخرج حجّابه من الأبواب الاخر وصدموا القوم وصدقهم الديلم في المضايق حتى ردّوهم إلى الصحراء من الناحية المعروفة بالشجرة بعد أن أشرفنا على ذهاب النفس وزوال الدولة. فلمّا حصلوا في السعة صافّوا رجالهم للحرب.
ذكر مكيدة لركن الدولة في الوقت نفذت له
كان ديلم ركن الدولة ضعفت نفوسهم لما رأوا كثرة الرجال من أعدائهم وقلّة عددهم وأقبلوا يقولون:
« أتينا من ورائنا. » فأشفق ركن الدولة إشفاقا شديدا وقال لأصحابه:
« طيبوا نفسا فإنّ الذين وراءنا هم أصحابنا. » وبشّرهم بورود عليّ بن كامه وتقدم إلى الركابية والمجرين أن يبادروا إلى نحو طريق عليّ بن كامه الذي يقبل منه وأمرهم أن يركضوا هناك ويثيروا الغبرة ما استطاعوا ففعل القوم ذلك وارتفع الرهج وكبّر الناس وقالوا:
« هذا عليّ بن كامه. » ونشط الناس ركن الدولة وقال لهم:
« احملوا حملة قبل وروده. » فحمل الديلم بنشاط واستبشار بورود المدد فكانت إيّاها، وركب الخراسانية بعضهم بعضا، فدسّ ركن الدولة إلى بعض رؤساء الخراسانية بالانحياز إليه فآمنه وبذّل له، ففعل وتحطّم ذلك العسكر وقتلوا كل مقتلة وطلبوا الأمان فآمنهم على أن يخلّى لهم الطريق فأجابهم إلى ذلك. وكان قد حصل منهم عدد كثير بالبلد يذبحون كلّ من وجدوه على زيّ الديلم فإذا ذبحوه كبّروا كما يفعل في بلد الكفر بالكفار.
فبينما هم كذلك إذا انكفأ إليهم الديلم ظافرين فهمّوا بهم وقتلوا بعضهم حتى نادى فيهم ركن الدولة بالأمان وأمر الديلم بالكفّ فلمّا كان بالليل تحملوا وانصرفوا على سمت قزوين هائمين على وجوههم لا يلوى بعضهم على بعض.
ثم وردت بعدهم خيل أخرى نحو ألفى رجل بالعدة والسلاح ولم يلحقوا أصحابهم إلّا مفلولين هاربين فراسلهم ركن الدولة بأن يتوقّفوا ولا يرحلوا وأشفق أن يكون لهم بقزوين أو في بعض الممالك عيث واجتماع آخر فلم يفعلوا وتعجّلوا بالرحيل في أثر أصحابهم فأسرع في طلبهم وركض خلفهم حتى أدركهم فصافّوا الحرب فقتل منهم عددا كثيرا وردّ الباقين إلى الريّ بعد أن طلبوا الأمان. ثم أذن لهم في الخروج وأطلق أساراهم وأقر لهم بنفقات فخرجوا وقد ذهبت حشمتهم وزالت هيبتهم عن صدور الناس ولو أنّهم خرجوا بالماء الذي كان لهم لبلغوا من الروم كل مبلغ ولكثرت غزاة المسلمين معهم ولله أمر هو بالغه.
فسمعت الأستاذ الرئيس رحمه الله بعد ذلك يقول: لم أر قوما أشد من هؤلاء وما فرق جمعهم إلّا كثرة رؤسائهم وتحاسدهم وقد كانت لهم فرص لو انتهزوا بعضها لتمّ لهم أمرهم.
منها يومهم الذي دخلوا فيه الري فإنّهم اجتازوا بأجمعهم وفي مواكبهم على باب الأمير وهو غارّ وليس ببابه كبير أحد فلو هجموا عليه ما حال بينهم وبينه أحد.
ومنها ليلة دخلوا البلد لو أقاموا وقصدوا دار الامارة ما تحرّك في وجوههم أحد وكانت ليلة مقمرة وهي ليلة النصف وهي كنهار غدها إشراقا وإضاءة ولكن القوم عملوا على دخول البلد يوم عيد الفطر والناس مشغولون [ بالصلاة ] بمصلاهم غارّون وانتظروا أيضا المدد الذي وعدوا به وكانت الأخبار والرسل تأتيهم بقربهم منهم فعملوا على ذلك. وأبت المقادير إلّا صنع الله لركن الدولة وذلك بحسن نيته ودعاء رعيته له ونظر الله تعالى للناس.
وكان لإبراهيم السلّار في هذه الأيّام مواقف حسنة وآثار جميلة وأصابت بطنه حربة لم تصل إلى أحشائه لكثرة شحمه لأنّه كان سمينا بطينا ولكنها صارت فتقا فكان يشدّها بعصائب ورفائد إلى أن توفى بعد ذلك بسنتين.
وفي هذه السنة أخرج ركن الدولة الأستاذ الرئيس مع إبراهيم السلّار مددا له في نخب الرجال من الديلم والعرب وأصناف العسكر حتى فتح بلاد آذربيجان وأصلح الأستاذ الرئيس له قلوب أصحاب الأطراف وطوائف الأكراد وقاد جستان بن شرمزن إلى طاعته فلمّا فرغ من جميع ذلك ووطّأ له النواحي ومكّنه منها خرج عائدا إلى حضرة ركن الدولة.
ذكر تدبير جيد ورأي صواب رآه الأستاذ الرئيس ابن العميد ولم يقبل وعاقبة ذلك
لما صار الأستاذ الرئيس حقّا إلى آذربيجان رأى زكاء أرضها وكثرة ريعها وسعة مياهها واحتمالها للعمارة وحسب ما يرجى من ارتفاعها فوجده مالا عظيما مثل ارتفاع ممالك ركن الدولة أو قريبا منه ونظر إلى ما تحصّل لإبراهيم السلّار منه فوجده شيئا نزرا قليلا جدا وذلك لسوء تدبير إبراهيم وإهماله الأمور واشتغاله باللعب والنساء والسكر الدائم وطمع ضروب المعاملين فيه ولا سيما الأكراد الذين قد استأكلوا تلك النواحي. ثم قد عرف بالتزيد وقلة الوفاء فليس يوثق بيمينه ولا عهوده.
فعلم الأستاذ الرئيس أنّه إذا فارق الناحية عادت الصورة مع إبراهيم إلى ما كانت ولم يلبث أن يطمع فيه ويخرج من المدينة ثم من الناحية كلّها أو يقتل فيضيع سعى ركن الدولة وسعيه.
فكتب إلى ركن الدولة بصورة الناحية وصورة إبراهيم فيها وعرّفه مقدار ما يصل إليه منها وأشار عليه أن يدبّر الناحية لنفسه ليرفع له [ منها خمسون ألف ألف درهم ويعوض إبراهيم مما يحصل له وكان مقدار ما يرتفع له ] من هذه الجملة بعد ما يخرج في إقطاعات الديلم والأكراد وبعد ما يستولى عليه قوم متعززون لا يتمكن من استيفاء الحقوق عليهم وبعد ما يضيع بالأهمال وترك العمارة من ألفي ألف درهم فرأى أن يعوض إبراهيم من ارتفاع الري أو أصبهان أو همذان هذا المقدار ويجلس آمنا فارغ البال ويشتغل بما يؤثره من صحبة المغنّين والمساخر ويتسلّم الأستاذ الرئيس آذربيجان فيرفع منها لركن الدولة ما ذكرت مبلغه وكان يرجوا أكثر منه ولكنه استظهر عليه. فأبى عليه ركن الدولة وفكر في شيء يفكر فيه مثله من أصحاب الهمم الكبار وقال:
« يتحدّث الناس أنّى افتتحت البلاد لرجل لجأ إليّ ثم طمعت فيه! » وأمر الأستاذ الرئيس بالانصراف إليه مع عسكره وتسليم البلاد إلى إبراهيم.
كلام لابن العميد قاله لمسكويه صاحب هذا الكتاب
فأذكر يوما كنت جالسا فيه بين يدي الأستاذ الرئيس وهو يحدّثني بالشدّة التي قاساها هو وعسكره في سفرته وقلّة جدواها وثمرتها وأنّها لو أثمرت نعمة باقية عند إبراهيم لكان محتملا لها وراغبا فيما ينشر من الأحدوثة الجميلة عنه بعدها. ثم قال:
« ولكني سأضرب لك مثلا لما نحن فيه وتأمّله الآن لتتذكّره فيما بعد.
أما شهدت من يغزل الأبريسم ويفتله بالمغازل الكثيرة المعلّقة بالصنّارات على شبيه الصوالجة من الزجاج. »
قلت: « بلى. » قال: « أما تعلم أنّ الصانع إنّما يتعب حتى ينصب هذه الآلة وينظمها ثم يكفيه بعد ذلك أن يتتبع أذناب تلك المغازل ويتعاهدها بالفتل؟ فنحن قد أحكمنا الآلة والمغازل دائرة والإبريسم ممدود والفتل مستمرّ به، فإذا فارقنا الموضع ابتدأت القوة التي في الدوران تضعف وليس لها من يمدها بحركة فيبتدئ في الاسترخاء وتضعف سرعة دوران المغازل ثم تبتدئ في الانتكاث وتنقلب راجعة بعكس ما كانت تدور، ثم لا تجد أيضا من يتعاهدها فيتساقط أولا أولا حتى لا يبقى منها شيء. » فكأنّ هذا المثل كان وحيا فإنّه ما أخطأ شيئا من صورة إبراهيم بعد خروجنا وانتهى أمره بعد ذلك النظم الذي نظم له إلى أن طمع في ملكه حتى انسلخ منه شيئا بعد شيء إلى أن أسر وحبس في بعض تلك القلاع كما سنحكيه فيما بعد إن شاء الله.
ودخلت سنة ستّ وخمسين وثلاثمائة
وفيها قصد معزّ الدولة عمران بن شاهين صاحب البطائح
وكان قد صمّم على مناجزته وأبي أن يقبل منه صلحا ومالا أو يرضى منه إلّا بحضور بساطه.
فاتّفق أن اعتل من ذرب لحقه وأحسّ بالضعف، فعاد إلى واسط وخلّف على عسكره سبكتكين الحاجب، وظنّ أنّه يتماثل فيعاود، واشتدت به العلة وكان لا يثبت في معدته طعام وأحسّ بالموت ورجع إلى بغداد.
عهد معز الدولة إلى ابنه
وعهد إلى ابنه بختيار عزّ الدولة وأظهر التوبة وأحضر وجوه المتكلمين والفقهاء وسألهم عن حقيقة التوبة وهل تصح له فأفتوه بصحّتها ولقّنوه ما يجب أن يقول ويفعل، وتصدّق بأكثر ماله وأعتق مماليكه وردّ شيئا كثيرا من المماليك وتوفّى في شهر ربيع الآخر سنة ستّ وخمسين وثلاثمائة وكانت له أخبار وأحوال منها إنفاذه جيش الماء والديلم إلى عمان حتى فتحت له ولم يكن فيها ما يستفاد منه تجربة فطويناها.
وكان اتفق عند موته اتفاق حسن لعزّ الدولة فرأينا إثباته ليكون معدودا في جملة أمثالها من الاتفاقات العجيبة.
ذكر اتفاق حسن
لما مات معزّ الدولة ألحّ المطر ببغداد ثلاثة أيّام بلياليها إلحاحا شديدا منع الناس من الحركة ولم يتمكن الديلم من اطلاع رؤوسهم ومنع سائر الناس من البروز وتردّد النقباء إلى رؤسائهم فأرضى كل أحد بما سكن إليه وانجلت السماء عن سكون الجند ورضا الكافّة. فكاتب عزّ الدولة سبكتكين وسائر العسكر بمصالحة عمران بن شاهين والانصراف عنه إلى بغداد ففعل ونفّس خناق عمران. وصولح صاحب الموصل واستقرّت الأمور بيده.
وفيها وردت الأخبار بإقبال جيش قويّ من خراسان مع ابن سمجور ليجتمع مع وشمكير.
ذكر السبب في ذلك
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 9 (0 من الأعضاء و 9 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)