وهذا الحديث مداره على قتادة عن أبي رافع عن أبي هريرة، رواه عن قتادة فيما وقفت عليه ثلاثة: الأول: شيبان بن عبد الرحمن في مسند أحمد (2: 523). الثاني: أبو عوانة في سنن الترمذي ومستدرك الحاكم (4: 488) الثالث: سعيد بن أبي عروبة في تفسير ابن جرير (16: 16) وسنن ابن ماجه ومسند أحمد (2: 532).
فأما شيبان وأبو عوانة: ففي روايتهما (… قتادة عن أبي رافع).
وأما سعيد: فرواه عنه فيما وقفت عليه ثلاثة: الأول يزيد بن زريع عند ابن جرير وفيه أيضًا: (… قتادة عن أبي رافع). الثاني: عبد الأعلى بن عبد الأعلى عند ابن ماجه وفيه: (… قتادة قال حدث أبو رافع) هكذا نقله ابن كثير في تفسيره طبعة بولاق (6: 173) وطبعة المنار (5: 333)، ومخطوط مكتبة الحرم المكي، وهكذا في سنن ابن ماجه نسخ مكتبة الحرم المكي المخطوطة وهي أربع، وطبعة عمدة المطابع بدلهي في الهند سنة (1273)، ووقع في أربع نسخ مطبوعة هنديتين ومصريتين: (… قتادة قال حدثنا أبو رافع) مع أن سياق السند من أوله فيها هكذا (حدثنا أزهر بن مروان ثنا عبد الأعلى ثنا سعيد عن قتادة…) فلو كان في الأصل: (قال حدثنا) لاختصر في الأصول المخطوطة لهذه النسخ الأربع إلى (ثنا) كسابقيه في أثناء السند، ولكنه جهل الطابعين، حسبوا أنه لا يقال: (حدث فلان) وإنما يقال: (حدثنا فلان) فأصلحوه بزعمهم، وتبع متأخرهم متقدمهم والله المستعان. الثالث: روح بن عبادة عند أحمد وفيه: (… قتادة ثنا أبو رافع) وأحسب هذا خطأ من ابن المذهب راوي المسند عن القطيعي عن عبد الله بن أحمد وفي ترجمته من الميزان واللسان قول الذهبي: (الظاهر من ابن المذهب أنه شيخ ليس بمتقن، وكذلك شيخه ابن مالك، ومن ثم وقع في المسند أشياء غير محكمة المتن ولا الإسناد) ومن المحتمل أن يكون الخطأ من روح، فإن كلًا من يزيد وعبد الأعلى أثبت منه، وقتادة مشهور بالتدليس، فلو كان الخبر عند سعيد عنه مصرحًا فيه بالسماع لحرص سعيد على أن يرويه كذلك دائمًا
134
بل أطلق أبو داود أن قتادة لم يسمع من أبي رافع، وظاهره أنه لم يسمع منه شيئًا، ولكن نظر فيه ابن حجر، على كل حال فلم يثبت تصريح قتادة في هذا بالسماع، فلم يصح الخبر عن أبي رافع، وأبو رافع هو نفيع البصري مخضرم ثقة لا يظن به أن يخطيء الخطأ الذي أشار إليه ابن كثير، فلو صح الخبر عنه لزم تصحيحه عن أبي هريرة، ولو صح عن أبي هريرة لصح عن النبي ، ولو صح مع ذلك أن كعبًا أخبر بما يشبهه لكان محمله الطبيعي أن كعبًا سمع الحديث من أبي هريرة أو غيره من الصحابة فاقتبس منه خبره، لكن الخبر لم يصح عن أبي رافع فلم يصح عن أبي هريرة فلم يصح عن النبي ، ولا ندري ممن سمعه قتادة. والله أعلم
قال أبو رية: (وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة: «إن الله خلق آدم على صورته». وهذا الكلام قد جاء في الإصحاح الأول من التوراة ونصه هناك: وخلق الله الإنسان على صورته، على صورة الله خلقه).
أقول: قد علم الجن والإنس أن في الكتاب الموجود بأيدي أهل الكتاب مسمى بالتوراة ما هو حق وما هو باطل وأن في القرآن كثيرًا من الحق الذي في التوراة وكذلك في السنة، فإذا كان هذا منه كان ماذا؟ والكلام في معناه معروف. [43]
وعلق أبو رية في الحاشية بذكر ما ورد في سياق الحديث أن طول آدم كان ستين ذراعًا، فلم يزل الخلق ينقص، واستشكال ابن حجر له بما يوجد من مساكن الأمم السالفة.
أقول: لم يتحقق بحجة قاطعة كم مضى للجنس البشري منذ خلق آدم؟ وما في التوراة لا يعتمد عليه، وقد يكون خلق ستين ذراعًا فلما أهبط إلى الأرض نقص من طوله دفعة واحدة ليناسب حال الأرض إلا أنه بقي أطول مما عليه الناس الآن بقليل، ثم لم يزل ذلك القليل يتناقص في الجملة. والله أعلم، وفي فتح الباري (6: 260) (روى ابن أبي حاتم بإسناد حسن عن أبي بن كعب مرفوعًا: «إن الله خلق آدم رجلًا طوالًا كثير شعر الرأس كأنه نخلة سحوق»).
وقال في حاشية (ص 175) (وأنكر مالك هذا الحديث وحديث: «إن الله يكشف عن ساقه يوم القيامة، وأنه… يدخل في النار يده حتى يدخل من أراد» إنكارًا شديدًا).
أقول: لم يذكر أبو رية مصدره إن كان له مصدر، والحديث الثالث أحسبه يريد به حديث الصحيحين عن أبي سعيد الخدري مرفوعًا، وفيه: «فيقبض قبضة من النار فيخرج أقوامًا» ومالك رحمه الله يؤمن بهذه الأحاديث ونظائرها الكثيرة في الكتاب والسنة.
135
قال: (وحديث كشف الساق من رواية أبي هريرة في الصحيحين…).
أقول: هذا كذب، وإنما هو في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري، وله شاهد من حديث عبد الله بن مسعود، وآخر من حديث أبي موسى، رضي الله عنهم.
قال أبو رية (ص175) (ولما ذكر كعب صفة النبي في التوراة قال أبو هريرة في صفته : «لم يكن فاحشًا ولا متفحشًا ولا صخابًا في الأسواق». وهذا من كلام كعب كما أوردناه من قبل).
أقول: ثبتت هذه الفقرة في خبر عبد الله بن عمرو بن العاص في صفة النبي في التوراة، وجاء نحوه عن عبد الله بن سلام وعن كعب كما (ص71). أما أبو هريرة ففي المسند (2: 448) من طريق صالح مولى التوأمة وهو ضعيف: (سمعت أبا هريرة ينعت النبي فقال: «كان شبح الذراعين، أهدب أشفار العينين، بعيد ما بين المنكبين، يقبل إذا أقبل جميعًا، ويدبر إذا أدبر جميعًا» زاد بعض الرواة: «بأبي وأمي لم يكن فاحشًا ولا متفحشًا ولا صخابًا بالأسواق» وقد علم أبو هريرة معنى هذه الفقرة يقينًا بالمشاهدة والصحبة، فأي شيء عليه في أخذ لفظها مما ذكره عبد الله بن عمرو أو غيره؟
قال: (وروى مسلم عن أبي هريرة: أخذ رسول الله بيدي فقال: «خلق الله التربة يوم السبت، وخلق فيها الجبال يوم الأحد، وخلق الشجر يوم الاثنين، وخلق المكروه يوم الثلاثاء، وخلق النور يوم الأربعاء، وبث فيها الدواب يوم الخميس، وخلق آدم بعد العصر من يوم الجمعة…» وقد قال البخاري وابن كثير وغيرهما: إن أبا هريرة قد تلقى هذا الحديث عن كعب الأحبار؛ لأنه يخالف نص القرآن في أنه خلق السموات والأرض في ستة أيام).
أقول: هذا الخبر رواه جماعة عن ابن جريج قال: (أخبرني إسماعيل بن أمية عن أيوب بن خالد عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة عن أبي هريرة قال: أخذ…) وفي الأسماء والصفات للبيهقي (ص176) عن ابن المديني أن هشام بن يوسف رواه عن ابن جريج.
وقد استنكر بعض أهل الحديث هذا الخبر، ويمكن تفصيل سببب الاستنكار بأوجه:
الأول: أنه لم يذكر خلق السماء، وجعل خلق الأرض في ستة أيام.
الثاني: أنه جعل الخلق في سبعة أيام.