يقول:
شاهدت حلقة من برنامج ساخر لا يخلو من سخافة متخلفة!
" فحتى السخافة عندنا هي أسخف من سخافة الغرب "
كما يقول الرافعي ..
كان الممثل يصنّع " مقالبه" في الناس الطيبين ..
وكان يكشف عن هويته ، بعد أن يستفزهم إلى ذروة الغضب ..
ومن هذه المشاهد أذكر أنه راح يمثل دور ضرير يهمّ بعبور الشارع ..
بادر أحد الطيبين إلى مساعدته في العبور ، فراح يسخر منه ، ويعرّض به ، ويتثاقل عليه ..
وأخيراً كشف عن هويته فإذا هو مبصر العينين ، رغم أنه كان ضرير الفؤاد ..
قلت يومها في نفسي :
حتى متى نسخر من عواطف الطيبين فنسحقها ؟!
ماهي تداعيات هذا المشهد المتماجن في أخلاق أبنائنا المساكين؟!
هو من غير شك قتلٌ لروح حب الخير، وللغيرية الفطريةالتي تميَّز بها الإنسان المسلم ، والتي تنهض بها الأمم ..
..
مساكين هم الناس الطيبون!
كم يُسلّمون عقولهم لمن يقودونهم في طريق ذواتهم الضيقة!
ليس لهم في الحياة إلا التضحية ودفع الثمن ، ليقطف غيرهم المجد والأوسمة..
كم تُستدعى كرائم عواطفهم لتُسحق تحت أقدام العابثين !
كم تُحشد هذه العواطف، فتُرفع في فضاءالفرح الموعود ،
ثم يرمى بها لتهوي في قاع من الإحباط سحيق !..
كم يُحشدون ليصفقوا بحب وحفاوة وتكريم للمحبوب الملهم ،
ثم لا يكون جزاؤهم إلا إعراضه عنهم ، وغفلته عن رد التحيات بمثلها، أوحتى بأقل منها!
وكيف سيذكرهم المحبوب، وبينه وبينهم حاجزعريض من نسيانه لهم! ..
هو لا يراهم أصلا ، لأنه محكوم عليه بالسجن المؤبد بين المرايا ،
فهو لا يرى غير جمال ذاته الفريدة ..
وحتى لو خطب فيهم فسيقف على ذروة مجد شاهق ، ليراهم جميعاً كسجادة حمراء مُدّت في طريق مجده الأثيل..
وإذا ما اقتربت منه الأضواء ، تعاظم ظله على جدار العصر ،
بقدر ما يتصاغر في نفوس الأحرار ..
وكلما اقترب الضوء ، وتضخم الظل على الجدار،
تضاءل في عيون الأحرار ..
وأتذكر وصية ابن المبارك :
" لا تشتر صداقة ألف رجل بعداوة رجل واحد " !
فكيف بمن يشتري عداوة الكرام بصداقة نفس بخيلة!..
..
من نلوم ؟!
الجلاد ، أم الذين ناولوه السوط ، وقالوا له :
هذه كراماتنا فاجلد ..
اجلد وشدّ .. قُطعت يدك !
هو لم يجلدهم إلا بعد أن صنعوا له سلسلة طويلة من الألقاب الكبيرة !
وهكذا الأمم الهاوية..
عندما تفشل في صنع الحياة ، وتعجزعن تكاليف السيادة ،
تتقدم في صناعة الألقاب ، لتلهوَ بها عن أحلام الحضارة ..
وصدق الرافعي :
(فكم من إنسانٍ مُطوَّلٍ في ألقابه .. مُختَصرٍ في معانيه !)..

من نلوم ؟!