الجزء السادس
جلست على كرسي بعيد قليلا عنهما بعد أن سلمت..
ودون أن انظر..
فقد كنت موخياً برأسي حتى لا أرى شيئاً يزعجني ..
قلت بجفاء:
ماذا تريدين مني؟
قالت بتردد:
أحمد .. أعلم أني قد تعديت حدود الأدب معك ..
وآذيتك بتصرفاتي ..
لا أريد أن تأخذ فكرة سيئة عني ..
فهذه التصرفات ليست من عادتي .. وليست من تربيتي ..
أريدك أن تعلم أنه أنا من ربيت نفسي بنفسي ..
أنا من اهتممت بنفسي ..
أنا من أقوم بواجباتي وواجبات غيري دون مساعدة أحد ..
قاطعتها بسخرية:
ونعم التربية ..!!!
أرجوك أسمعني .. وبعدها لك ماتريد ..
توفي والدي منذ صغري ..
حرمت من أبوته وحنانه ..
فقدت عطفه وصدره الحاني الكبير ..
أمي كانت قاسية علي ّ.. بجفائها وعصبيتها
زرعت في داخلي الخوف من كل شيء ..
كنت أريد من يضمني ..
أريد من يحميني و يسمعني ..
احتاج من يلبي طلبي ويقضي حاجتي ..
بالفعل كنت وحيدة .. وحيدة ...
تهدج صوتها بالبكاء .. وأنا متعجب مما أسمع بناء على رغبتها
لذا لذت بالصمت إلى أن تكمل ..
أضافت:
تزوجت والدتي وأنا في الصف الخامس ..
ظننت زوج والدتي سيكون الأب الحاني ..
لكن للأسف كان الظالم الجاني ..
جنى على طفولتي منذ وقت مبكر ..
فصلني من المدرسة ..
وأبعدني عن زميلاتي اللاتي أحس بقربهن أكثر منه ومن والدتي ..
انتقلنا إلى آخر المدينة .. وبذلك ابتعدت نهائيا عمن أحب ..
أجبرني على أن أعمل في البيوت في تلك السن الصغيرة ..
أخرج من الصباح .. ولا أعود إلا على وقت المغرب .. فأستقبل بالضرب والسب والشتم ..
كان يأخذ ما أحصله من جراء عملي ولا يبقي لي منه شيئا ..
تعبت من وجودي معهم .. قررت الهرب ولكن إلى أين سأذهب ..
وإلى من ألتجئ .. فأنا لا أعرف أحداً في تلك المنطقة ..
ولكن الله يمهل ولا يهمل ..
قُبض عليه في تهمة كبيرة .. وأودع السجن إلى أجل غير معلوم ..
أما والدتي ..
ازداد بكاء ربى وعلا نشيبها ولم تستطع الكلام ..
بقينا برهه ننتظر أن تهدأ حتى تواصل حديثها ..
قالت:
والدتي منذ ثلاث سنوات وهي على السرير الأبيض ..
لايتحرك منها سوى رأسها وأطراف يديها .. لأنها سقطت من أعلى الدرج عندما كانت تضربني ..
لم تستطع أن تكمل حديثها من شدة البكاء ..
آآآآه ياربى .. كيف تحملتي كل هذا من صغرك .. وما زلت صابرة على ذلك ..
كم كنت قاس عليك ..
لا .. لا ..
لا تأخذك بها رأفة أحمد .. فهي لاتعني لك شيئا ..
أردفت: أدخلت أمي المستشفى ..
أما أنا فلم أعد أعرف لي مكان أذهب إليه ..
أخرج من المستشفى لأبحث عن عمل في البيوت كما كنت ..
فأعود أجر أذيال الخيبة ورائي ..
ازداد حالي سوءا .. وتدهورت صحتي ..
يكفي ما فقدت .. لن أفقد نفسي أيضا ..
لن أضعف ..
لن استسلم..
ولكن ماذا أفعل ؟!..
كيف أتصرف ؟!..
من أين أحضر تكاليف العلاج ؟!..
أرشدتني إحدى العاملات في المستشفى بالتوجه إلى مقر الجمعية الخيرية ..
بالفعل توجهت إليها وشرحت لهم الحال ..
قدمت لنا المعونة .. وساعدتني في إكمال دراستي ..
أنهيت الابتدائي وأدرس حاليا في الإعدادي ..
أذهب بين فينة وأخرى بأمي للمستشفى ..
كي تراعى حالتها ..
حتى التقيت ذلك اليوم بسارة ..
هنا بدأن اثنتيهما بالبكاء ..
هناك شيء يخفينه عني ..
أحسست بعاطفة شديدة تجاهها ..
أطفأت كل الغضب الذي تولد منذ عرفناها ..
هي بحاجتنا وتريد المساعدة ..
كيف لي بذلك ..
فكري الآن مشغول بجواهر ..
يبدو أن سارة قد تناستها .. بمجرد دخول ربى في حياتها ..
أرجوك أحمد .. أنا في أشد الحاجة إليك ..
لا تردني كما رددتني من قبل ..
فأنا لم أعد بصغيرة لا يؤخذ كلامها ..
ردت سارة لاتقولي ذلك نحن نبحث عنك منذ زمن ..
لا أصدق بأنني التقيتك مرة أخرى ..
(لا تردني كما رددتني من قبل .. فانا لم أعد بصغيرة لا يؤخذ كلامها )
(نحن نبحث عنك منذ زمن) ..
ترددت هذه الجملتان في رأسي ماذا تقصدان بها ..
أيعقل أن تكوني .......؟
اقتربت مني ونزعت حجابها ..
قالت بصوت مبحوح:
أحمد أنا ..
وضعت يدي على فمها قبل أن تكمل جملتها
وأنا أضمها بكل حنان إلى صدري ..
(أنا الآن بابا يا............ ... جواهر(
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)