· عبير حجازي – فلسطينية مقيمة في الإمارات :
عزيزي المبدع أحمد مطر..
توقفت مطوّلاً لأبحث عن سؤال يختزن كل علامات الاستفهام التي تجول بخاطري، غير أنني لم أجد سوى علامة استفهام مهولة يدور في حلقتها سؤال واحد: أهو الألم أم الأمل ما يزرع بذرة الإبداع وييسر ولادة القصيدة لدى أحمد مطر ؟
- صدّقيني، أيتها العزيزة، إذا قلت لك إنني لست أقلّ حيرةً منك، أمام علامة الاستفهام المهولة تلك.
لا ريب أنّ الألم هو سائق انفعالاتي الفظّ، وأنّ الأمل هو وسيلتي الدائمة لترويضه. لكن.. هل أكون بهذا قد لخّصت لك عملية الإبداع ؟
كلاّ، فليس الألم والأمل سوى عاملين بسيطين ظاهرين على سطح حشد كبير من العوامل الفعّالة الخفية التي لا يمكن لأيّ شاعر أن يتبيّن أسرارها بدقّة .
إنّ للتجارب والأحداث والقراءات خمائر عديدة تعيش في النفس قبل وأثناء وبعد الكتابة، غير أنّ الإلمام بكيفية وحدود تفاعلها، أو طريقة تدفّق خلاصاتها، يبقى، على الدوام، أمراً مستحيلاً. ولعلّ ما يؤكد هذه الاستحالة أنّ العملية الإبداعية لا تتم بصورة واحدة، فهناك قصائد تندلع ثمّ تتّقد وتمتد وتصنع نارها في أقلّ من ساعة، بينما ثمّة قصائد أخرى تمشي متّئدة، وقد لا تبلغ درجة الاتقاد إلاّ خلال أشهر، أو حتى سنوات .
المهم أن يكون المرء حائزاً على القدر المناسب من الطاقة، والقدرة الجيدة على استخدام الأدوات، لكي يستطيع، إذا اندلعت شرارة التفاعلات في داخله، أن يحاصرها في الحدود التي تكفل إنضاج الرغيف ومنح الدفء ونشر النور معاً.
ومن دون هذه الطاقة وتلك الأدوات، فإنّ الشرارة قد تنطفئ قبل الأوان،أو قد تغادر مثابة الجمال والفائدة، إلى مهاوي الإحراق والتدمير .
وأنا بما لدي من طاقة وخبرة في استخدام الأدوات، أحاول، مخلصاً، أن أستمد من ذلك التفاعل الخفي جرعة النار اللازمة، وأن أحول، جاهداً، دون انكسار السدّ وتدفّق طوفان الحريق .


· أحمد سعيد- الأردن- عمّان :
غالبية قصائد الشاعر أحمد مطر تصوّر لنا كبت الحريّات في الأوطان العربية، وبالذات حرية التعبير. كيف يرى أحمد مطر تجربة الإنترنت التي أتاحت للجميع حرية التعبير ؟ وهل استطاعت حرية الكلام أن تغيّر شيئاً ؟
- لاشكّ أنّ تجربة الإنترنت قد فتحت أفقاً رائعاً لتداول المعلومات والأفكار، لكنها - وأرجو أن أكون مخطئاً –لم تفلح ، بعد، في إزالة آثار الكبت، ولا في إتاحة حرية التعبير المبتغاة. ذلك لأنّ طرفي العلاقة (المواطن والسلطة) وهما يواجهان شبكة الإنترنت، مازالا مشدودين بقوّة إلى شبكة خوفهما الأزلية ..فإذا رمى ذلك منشوراته من وراء حائط الأسماء والعناوين المستعارة، كبست هذه زراً فارتفع السقف وانطبق على الحائط .
لقد أبلغني أخي العزيز المشرف العام على هذا الموقع، بأن موقعه كان محجوباً عن بعض الدول الخليجية لمدة ستة أشهر..فيما علمت أن ابن شاعر مصري راحل، دخل السجن لنشره إحدى قصائد والده على الإنترنت .
وهذا يعني أننا، برغم تقدّم وسائل الاتّصال، مازلنا نتحرك في زمن المخبر " عبد العاطي "، وأننا ما زلنا نطبع منشوراتنا السريّة بآلة (الرونيو) البدائية، وكلّ ما جدّ هو أننا صرنا ندثّر عظامها الواهية بسترة (الكومبيوتر) !
ليس ما نتوخاه من حرية التعبير، يا عزيزي أحمد، هو أن ننفض خير وشرّ ما في أنفسنا من غضب مشروع أو عُقَد مستحكمة، لمجرد التنفيس، من وراء الحيطان.
ذلك شبيه برمي بذرة في الهواء، لا هي ضامنة لمسؤولية فلاّح ولا هي طامعة بخصوبة تربة.
إنّ ما نتوخاه من حرية التعبير ليس " التنفيس " السرّي، بل " التنفس " العلني .
وعلى هذا فلا تسأل، بهذه السرعة، عمّا إذا كان الكلام قد غيّر شيئاً. إنها مجرد خطوة.. وهي خطوة واسعة وباعثة للأمل، وعلينا أن نغتنمها بكلّ طاقتنا، للتدرب على القفز إلى ما بعدها، حتى نستكمل المسافة نحو "حرية التعبير" الحقّة، تلك التي نقف فيها على أقدامنا، ونسفر عن وجوهنا، ونعلن عن أسمائنا، لنقول ببساطة ودون خوف، لكل من ينتحل هيئة الخليفة: ( لقد رأينا فيك اعوجاجاً، فاستقم، وإلاً قومناك بالسيف ) .
عندئذ لن تكون هذه الحرية قد غيّرت شيئاً، بل ستكون قد غيّرت كلّ شيء .
شكراً للإنترنت الذي منحنا هذه الخطوة، وعلينا لكي نرد له هذا الجميل، أن نسارع بجعل خطوته قفزات عالية .
أقول قولي هذا، وعيني على الحائط، وأذني على صوت الزّر الذي سيلصق السقف بالحائط !
لا يهمّ .. سيصل الكلام. إن لم يكن اليوم، فغداً .


· أبو سفيان- السعودية :
المفردة في شعر أحمد مطر تتراوح بين " العلو والسمو " وبين اللفظة " السوقية الدارجة " هل استخدام المفردات أيّاً كانت لا يضر بعبقرية الشعر ؟
دعا بعض النقاد إلى دراسة الظاهرة القرآنية في شعر أحمد مطر.. ما هي الحدود التي يوظف فيها أحمد مطر النصوص القرآنية في شعره ؟ أم أن الحرية مفتوحة في ذلك ؟ وكيف ينظر إلى قدسية النص القرآني ؟
- أصدقك القول بأنني، عندما أكتب، لا أتذكّر عبقرية الشعر، وإنما ينحصر همّي في تركيب العبارة السهلة المستوفية للفكرة التي أريد إيصالها بكل صدق إلى القارئ .
وأنا أؤمن، في هذا السبيل، بأن المفردة بذاتها لا تملك أن تكون رفيعة أو وضيعة، بل هي تكتسب صفتها من خلال اتحادها بمجموع مفردات العبارة .
خذ مثلاً هذه العبارة الموجهة من شاعر إلى حاكم: ( ما شئت لا ما شاءت الأقدار.. فاحكم فأنت الواحد القهّار ) ، ألا ترى أنّ ألفاظها الرفيعة المتفرقة، قد بلغت غاية القبح والانحطاط إذ تجمّعت ؟!
وخذ، بالمقابل، هذه العبارة الموجهة من شاعر آخر إلى حاكم آخر: ( وتعجبني رجلاك في النعل، إنني.. رأيتك ذا نعلٍ إذا كنتَ حافيا )، ألست ترى أنّ ألفاظها الوضيعة المتفرّقة، قد بلغت مكاناً عالياً إذ تجمّعت ؟
فإذا كانت العبقرية تتعافى على الأولى، وتمرض من الثانية، فادع معي الله ألاّ يعافيها أبداً .
أمّا قدسية النص القرآني فهي عندي محفوظة بالتنصيص، وفي ما عدا ذلك فأنا شاعر أستلهم روح النص، أو أتأثّر بصدى اللفظ، أو أستهدي بعناصر القصّ، وأوظفها فنيّاً لإظهار المفارقة، أو تحقيق الصدمة، أو إبداء الاحتجاج .
وأحسب أنني، في كل ذلك، لم أصدر إلاّ عن نفس مؤمنة، تتصدّى للإشارة إلى البون الشاسع بين ما أراده الله وبين ما تصنعه الأوثان البشريّة .


· طارق- السعودية :
ما بين الشيوعية والتشيّع مسافات ضاربة في البعد، إلى أي مدى وفّق أحمد مطر بينهما ؟ أم أنّ حب " لينين " كان بديلاً عن آل البيت الكرام !!
- يمكن أن أعتبر نفسي محظوظاً بوجودك، يا عزيزي طارق، فها أنت تكشف لي معلومة جديدة جداً عن أحمد مطر !
ما شاء الله، تبدو مستوعباً لشعره تماماً، ومطّلعاً على سيرة حياته بدقة، وعلى بينة من كل ما ورد في صحيفة أعماله، وعلى الإجمال يبدو أنك تعرفه أكثر مني، بدليل أنني عشت معه أعواماً طويلة، دون أن يصرّح لي بشيء عن بنائه الجسور للتوفيق بين المسافات المتخاصمة، ولا عن انشغاله بتلك الغراميات البديلة !
ومكافأة لك على هذه المعلومة، سأساعدك في حل مشكلتك : مزّق كلّ قصائده التي قالها في حب لينين، وارمها في الزبالة، ثمّ احتفظ، إن شئت، بالقصائد الباقية.
أمّا مشكلتي أنا، فلا أطلب المساعدة في حلّها إلاّ من ربّ العالمين .ومشكلتي هي أنّك تنخزني قائلاً ( أخ فلاديمير.. عندي سؤال)، ثمّ لا تترك لي فرصة القول ( أنت غلطان.. أنا أخوك أحمد ) بل تعاجلني بسؤالك كالطلقة :
( لماذا سموكَ فلاديمير؟ ) !
لقد خنقتني ابتسامة مُرّة، وأنا أقرأ سؤالك، وتساءلت في نفسي بدهشة: إذا كنت أنا، بكلامي البسيط جداً والواضح جداً، لم أستطع أن أوصل معناي إلى العزيز طارق، فعلى أيّ جبل شاهق من الصفاقة والوقاحة يستند أصحاب الطلاسم، حين يدّعون أنّهم واصلون إلى الناس ؟!

· وصايف- عربستان :
حصل بينك وبين الشاعر غازي القصيبي مناوشات أدبية حول بعض الفعاليات السعودية في الخارج. هل من الممكن أن نعرف ولو بعض تفاصيل ما حصل ؟
- قبل عدّة أعوام تلقّيت رسالة من قارئ جزائري، أطال التأكيد فيها على أنه وجد في شعري ما يبحث عنه من معانٍ عميقة وهادفة ، ثم واصل قائلاً: أتوجه إلى حضرتك ببعض الطلبات وأتمنى ألاّ تبخل عليّ بها، وهي أولاً: الشريط الذي يتضمن أشعار سعادتك الفاضلة والذي تقول فيه " قتل كلب في مغتفر جريمة لا تغتفر ". ثانياً: عنوان الممثل محمود عبد العزيز !
لقد أوقعني في حيرة. إذ كان ممكناً أن أعثر له على عنوان محمود عبد العزيز، لكن كيف يمكنني أن أحصل على شريط سعادتي الذي أقول فيه " قتل كلب في مغتفر "، وأنا نفسي لم أسمع به ؟!
أنا، الآن، في مأزق مماثل. صحيح أنني كتبت شعراً عن بعض فعاليات وأفاعيل الدولة السعودية، لكن لم يحدث قط أن دخلت في مناوشات من أي نوع مع الشاعر غازي القصيبي، ولم أسمع بمثل هذا الأمر إلاّ منك الآن !
إنني في غاية الأسف، يا وصايف، لعدم استطاعتي أن أشبع فضولك من هذه الناحية .
هل ينفع عنوان محمود عبد العزيز ؟

· النورس :
كنت تمثل لنا رأس الحربة في وجه التسلط أياً كانت مصادره، ثم أتى بن لادن فصار رأس الحربة ضد التسلط الأميركي.. غير أننا لم نرَ من قصائدك الكثير من المساندة له – بغض النظر عما لو خالفته في بعض الأمور – لم نر الكثير، فهل ياترى أثّرت 11 سبتمبر على صوتنا الحر والمتحدث الرسمي باسمنا أحمد مطر؟
- إنّ موقفي المناهض لأميركا هو موقف مبدئي، لا يحتاج إلى حدث صاعق لكي يُستفز، ولا ينتظر هدنة لكي يستريح .
لقد كنت، على الدوام، لا أنظر إلى أميركا إلاّ نظرتي إلى الشيطان- والعكس صحيح- ولا أخاطبها إلاّ بحجارة الرجم، حتى أيّام ارتدت العمامة، وأذّنت فينا للجهاد، إذا كنتم تذكرون !
وعلى العكس مما ترى، فإنّ شعري في هذا الاتجاه، أصبح أكثر كثافةً وعنفاً بعد 11 سبتمبر بالذات، حين نزعت أميركا حتى براقعها الشفّافة، فأبدت للدنيا وقاحة من شأنها أن تستفزّ الحجر الأصم .
اطمئنوا .. ليس لمثلي أن يتغير .
أبعد أن فاض إناء العمر ؟!


· أنفال سعيد-السعودية :
إلى شاعر المنفى
(ميلاد الموت) كانت القصيدة التي ابتكرت فيها بحراً من بحور الشعر. حدثنا عنها قليلاً، وأتحفنا بأبياتها .
- كتبت قصيدة " ميلاد الموت " في اليوم الأخير من سنة 1980، على وزن زاوجت فيه بين " مجزوء الخفيف " و " المجتث " وهو معكوس الأول .
وعندما شرعت في الكتابة لم أكن قاصداً إلى ابتكار هذه النغمة، بل كنت أكتب بتوافق موسيقي عفوي، لم أشعر في أثنائه بأي خروج على البحور المألوفة، فلمّا اكتشفت ذلك بعد كتابة البيت الخامس عشر، لم أتوقف، بل مضيت حتى نهاية القصيدة، ممعناً في استمطار هذه النغمة للتعبير عن حالتي النفسية في ليلة رأس السنة الجديدة، حيث عنائي من مرارة الوحدة .
وبعد إتمامها تأملتها، فوجدت في اجتماع "مجزوء الخفيف" و"المجتث" إمكانية لاحتواء الشعر بتلقائية، مما يضيف قالباً جديداً لتفاعيل الأبيات مبنياً على التخالف بين الصدر والعجز، على عكس التوافق في البحور المعروفة، فهو:
( فاعلاتن مستفعلن .. مستفعلن فاعلاتن ) .
وقد أشرت عند نشرها في الأسبوع الأول من سنة 1981، إلى أنه نظراً لتركيبة التفاعيل في هذا البحر، لا يمكن للشاعر أن يقفّي الصدر والعجز معاً، وذلك لاختلاف تفعيلة "الضرب" عن تفعيلة "العروض"، كما يستحب أن يصيب "الخبن" تفعيلة "مستفعلن" لتكون "مفاعلن"، فذلك يُطرّي النغمة أكثر بحيث لا يحسّ القارئ وقوفاً أو حِدّة في البيت .
ثمّ أنني أسلمت الأمر، بعد هذا، لمقدار قبول أذن القارئ لموسيقى هذه التركيبة، وتركت الحكم للمختصين، فكان الأستاذ الدكتور عبده بدوي أوّل المبادرين إلى عرضها والإشادة بها في مجلة (الشعر) المصرية .
وإليك المقطع الأخير منها :
أهـوَ الحـبُّ أن أرى مَنيـّتي في الأماني ؟
كتـمَ الليـلُ هَمَّــهُ وهَمَّـهُ أن أُعانـي
ومضى دونَ بضـعةٍ مِن لونهِ في كيانـي
تتهـجّى وصيَّـتـي قبلَ انتهاء الثوانـي :
رَقصَتْ ساعة الرّدى إذ التقـى العقـربانِ
وذَوَتْ زهرةُ الصِّـبا في القلبِ قبلَ الأوانِ
يافـتاتـي .. فرحمةً بالأمنيـاتِ الحسـانِ
لم تَعُـد دوحةُ المنى معروشـةً بالأمـانِ
وبِحـاري تَرنَّـقتْ فجـرّبي قلبَ ثـانِ .


· عصام – المغرب :
أريد أن أعرف البديل السياسي أو الفكري الذي يطرحه أو يتبناه أحمد مطر. لأني بصراحة يغيب عني تصوّره هنا.
- لا أعتقد أنّ توجهي الفكري قد غاب عنك حقاً، إذا كنت قد قرأت شعري كلّه .
وهو مع وضوحه التام، ليس بديلاً عن التوجهات الأخرى، بل سابح معها في منافسة الوصول إلى سفينة النجاة، وحين يفلح في أن يكون أوّل الواصلين، سأكون أوّل الثائرين عليه، إذا استأثر بها دون الآخرين وتركهم طعاماً للأمواج الكاسرة، أو إذا حاول، لقاء انتشالهم، أن يُشغّلهم بحّارة بالسخرة، لا نصيب لهم في لمس الدفّة أو النظر في البوصلة أو قراءة النجوم ، ولا حقَّ لهم في محاسبته إذا أراد إغراق السفينة بمن فيها .
إنني لست مطبلاً في زفّة بعينها، ولا دلاّلاً على باب دكّان حزبيّ محدد. أنا شاعر من عامة الناس، أعيش محنة كلّ الناس، فأعبّر عنها، وأستنهضهم للخلاص، وليعمل كلٌّ على شاكلته .
أمّا إذا شئت بديلاً عمّا هو قائم فهو نقيض كلّ ما تراني أنتقده في شعري. إنّه مختصر في "حرية الإنسان وامتلاكه لأمره وفق قانون ربّه" .
ومن الواضح جداً أنّ ما أبتغيه هو أن يصل الجميع إلى هذه المحطة بأمان وسلام، مهما كانت ملامحهم ومهما كانت أفكارهم، لكنّ المشكلة هي أننا –نحن مالكي السيارة – نفاجأ كلّ يوم بشخص غريب يقفز، في غفلة منا، وراء عجلة القيادة، فيخطف سيارتنا ويخطفنا معها تحت تهديد السلاح، ولا يتركنا إلاّ حينما يخطفنا منه لصّ آخر، حتى تخلخلت الإطارات، وصدئت الصفائح، ونفد الوقود، وكدنا نموت إعياءً وجوعاً .
كلّ ما أطلبه من بديل لهذا الوضع الشاذ والمهلك، هو أن نختار سائق سيارتنا بأنفسنا .
هل هذا كثير ؟!

· عبد الغني عقيلي- السعودية :
( أنا لا أكتب الأشعار فالأشعار تكتبني
أريد الصمت كي أحيا، ولكنّ الذي ألقاه ينطقني
ولا ألقى سوى حُـزُنٍ على حزن على حزنِ
أأكتب أنني حيٌّ على كفني ؟ )
متى فقدت حريتك وتراكمت عليك الأحزان ؟ وأين ؟ وهل وجدتها الآن ؟
هل صحيح أنّ أجمل القصائد وأصدقها كانت خارج الأوطان العربية..في المنفى ؟
- لم أفقد حريتي حتى أجدها. لقد فقدت أشياء كثيرة وكبيرة بسبب انشغالي بالحفاظ على هذه الحرية. ولو أنني فقدتها، لكانت كل تلك الأشياء في حوزتي، ما عداي !
حريتي هي أنا، ولن تستطيع أيّة قوّة في الدنيا أن تجردني منها، ولو جردتني من روحي .. لقد أودعتها القدرة على الصراخ حتى بعد موتي .
أمّا الشعر الجميل والصادق فهو رهن بجمال وصدق الشاعر لا بالمكان .
غير أنّ مثل هذا الشاعر قد يضطر، في ظروف القمع وضيق ذات القول، إلى استخدام حيل التخفّي، لركوب وسائط النقل دون أن يدفع ثمن التذكرة، وهذا ما لا يحتاج إليه في المنفى، لأنّ المنفى نفسه هو الثمن الباهظ المدفوع سلفاً، من أجل حيازة الحنجرة كاملة، والتجرد من طاقية الإخفاء .
المسألة، إذن، متعلقة بمساحة ملعب الجميل الصادق، لا بطبيعة الجمال والصدق. ذلك أنّ آلاف المنافي لا يمكن أن تعتصر الجمال والصدق من قريحة شاعر قبيح كذّاب .