ازداد عدد الأدلة والأبحاث الجازمة على وجود علاقة ايجابية بين أمراض اللثة وأمراض أخرى، بما سبب لفت انتباه أطباء الأسنان وأطباء الباطنية وتخصصات الأخرى الى أهمية اثر صحة الفم على الصحة العامة. وتبدأ مشاكل اللثة عادة عند اهمال تنظيفها لفترة طويلة من طبقة البلاك، التي تتشكل على الطبقة الخارجية للأسنان، مما يؤدي الى اصابتها بالالتهاب. وعادة ما تعتبر الالتهابات مؤشرا جيدا، لأنها تدل على ردة فعل الجهاز المناعي المقاوم للانتان، بيد ان استمرار الالتهاب لفترة طويلة بلا علاج، يؤدي الى مضاعفات خطرة، وهو ما أكدت عليه عديد من الدراسات، ونورد في التالي أهم هذه الدراسات:

الصلة بين أمراض اللثة والقلب
أكدت دراسة من جامعة كولومبيا بنيويورك نشرتها مجلة الدورية الدموية التي تصدرها جمعية القلب الأميركية، على الصلة بين أمراض اللثة وأمراض القلب. حيث كشفت نتائج دراستهم عن ارتفاع نسبة ظهور أعراض أمراض القلب عند من ترتفع نسبة البكتيريا في افواههم. وهو ما سبق الاشارة اليه من قبل عدة دراسات سابقة. وأجريت الدراسة على 657 شخصاً خالين من تاريخ الاصابة بالجلطات، أو النوبة القلبية، واستعان فيها بالأشعة فوق الصوتية لقياس سُمك الشريان السباتي الممتد من القلب الى الـمخ، وقياس مستويات البكتيريا ذات الصلة بأمراض اللثة. لتظهر نتائجها ارتباطا قويا بين ارتفاع نسبة البكتيريا الـمسببة لأمراض اللثة مع ارتفاع سماكة الشرايين السباتية، وهو ما يعتبر مؤشرا قويا لانسداد الأوعية وتصلب الشرايين. ويعتقد باحثون ان البكتيريا الـمسببة لأمراض اللثة يمكن ان تنتشر في مجرى الدم، وتحفز جهاز الـمناعة، مسببة التهاباً ينتج عنه انسداد الشرايين وتصلبها. وبالاضافة الى تأثيرها السلبي على وظيفة جدران الأوعية الدموية، فيمكن أن تصل افرازات البكتيريا الى الكبد لتحفز افرازه لمادة سي-كريتيف بروتن، التي يعتقد أنها مسؤولة عن الاصابة بالتهابات في الشرايين، وعن تشكل الجلطات الدموية. ويدرس الأطباء حاليا ما اذا كان علاج أمراض اللثة سيؤدي الى تقليص عدد المشاكل القلبية وجلطات الدماغ ومشاكل الأوعية القلبية الأخرى.
وقال رئيس فريق البحث، مويس ديسفريو الطبيب بالـمركز الطبي لجامعة كولومبيا: «تقدم هذه الدراسة دليلا مباشرا على ان أمراض اللثة قد تؤدي للاصابة بالجلطة وأمراض أوعية القلب الدموية من دون وجود عوامل خطر أخرى. وهو ما يؤكد على أن العناية بصحة الفم له أثر مهم على صحة الأوعية الدموية والقلب. ونهتم حاليا بحل منشأ هذه العلاقة، لمعرفة من يأتي قبل الآخر، التهاب اللثة أم أمراض القلب؟ لتحديد اطار زمني لحدوث هذه الأمراض».

-1 مضاعفات أمراض اللثة
نشرت مجلة الطب الحديث البريطانية دراسة أميركية مفادها ان معالجة أمراض اللثة تسهم في الوقاية من الاصابة بالنوبة القلبية والجلطة الدماغية وتحسن من نشاط الأوعية الدموية. وذلك عقب دراسة من كلية لندن الجامعية UCL وجامعة «كونكت كت» تضمنت 120 شابا مصابا بأمراض خطرة في اللثة ولكنهم غير مصابين بأمراض القلب أو عوامل خطر أخرى. وخلال متابعة استمرت 5 سنوات، لوحظ ارتفاع نسبة الاصابة بأمراض السكري والأوعية الدموية والجلطة الدماغية وهشاشة العظام وبعض أنواع السرطان ومضاعفات الحمل، وحتى الخرف المبكر عند من لم يخضعوا لتنظيف الأسنان بشكل جيد. ومن جانبها نوهت جمعية القلب البريطانية بأن هذا البحث يظهر بأن الرعاية الجيدة للأسنان له فوائد صحية اضافية. فالاصابة بالتهابات اللثة له علاقة بالتغيرات التي تطرأ على الأوعية الدموية، ويمكن اعتبارها كمؤشر مهم لاحتمال الاصابة بالجلطة الدماغية والنوبات القلبية.
وفي السياق نفسه، نشرت المجلة عينها دراسة سابقة أشارت الى ان علاج أمراض اللثة يسهم في تحسين كفاءة ومرونة جدران الأوعية الدموية، بما يحسن بدوره من صحة القلب بشكل عام.
وعزا العلماء هذا الأثر الى ما تحدثه البكتيريا من تأثير في الطريقة التي تتمدد فيها الأوعية الدموية وحدوث أمراض التهابية مزمنة التأثير في الجسم.


-2 مضاعفات على الكلية
تمكن باحثون من جامعة ساوث كارولاينا الأميركية من الربط بين فيروس شائع اسمه سايتوميجالو وأمراض اللثة مع مضاعفات عملية زراعة الكلية. فقد تبين ان سبب فشل حوالي %20 من حالات زرع الكلية يكون سببها الرئيسي هو وجود التهاب ناتج عن فيروس سايتوميجالو الذي تظهر الأبحاث أن اللثة المصابة بالالتهاب توفر مستودعا جيدا لوجوده.

-3 تهدد مرضى السكري
وجد الباحثون أيضا رابطا بين أمراض اللثة ومرض السكري، فعادة ما يعاني مرضى السكري أمراضا في اللثة أكثر من أقرانهم الأصحاء. فيما وجد أن مشاكل اللثة تبدأ لديهم في أعمار مبكرة نسبيا. وتؤكد الأبحاث ارتفاع خطر حدوث أمراض اللثة في الفترات التي يكون سكر الدم مرتفعا خلالها عند مرضى السكر، بينما يستجيب المرضى ممن يتلقون علاجات جيدة للثة بشكل أفضل لعلاجات مرض السكري (يسهم في تحكم أفضل في مستوى السكر).
وأكدت الدراسات ارتفاع خطر حدوث التسوس في أسنان المصابين بمرض السكري.

-4 تهدد الحمل
أثبتت دراسة حديثة شملت 160 امرأة، ان المرأة الحامل التي تعاني من أمراض اللثة تكون أكثر عرضة لوضع وليدها في فترة مبكرة عن موعد ولادتها، بينما وجد ان من يعالجن أمراض اللثة تستمر فترة حملهن حتى الشهر التاسع. بل وجدت دراسات سابقة ان من يعانين مشكلة في اللثة يكن أكثر عرضة بمعدل 3 مرات للولادة المبكرة مقارنة بالمرأة الطبيعية. وعلل الأطباء ذلك جزئيا لكون التهابات اللثة الشديدة تزيد من انتاج مواد كيميائية « بروستاغلاندين « بالاضافة الى عوامل أخرى تنخر العظام وتؤدي الى الولادة المبكرة. بينما عزا آخرون ذلك لتحفيز انتانات اللثة لافراز الجهاز المناعي لمواد تهدف الى محاربة الالتهاب ولكنها تشبه محفزات الولادة.
ومن جانب آخر، فمن المعروف ان الحوامل أكثر عرضة للاصابة بالنخر (التسوس) الذي يتسبب بفقدان الأسنان.

-5 تحفز السرطان
أشارت الدكتورة ليزا كوزين من جامعة كاليفورنيا، ومن هيئة أبحاث السرطان في سان فرانسيسكو، الى ان اصابة الجسم بالالتهاب المزمن (كالتهاب اللثة) ترتبط برفع قابليته للاصابة بالسرطان. وقالت: «من المعروف ان المصابين بـالأمراض الالتهابية عموما ـ يرتفع لديهم خطر الاصابة بالسرطان. فمثلا، ترتبط الاصابة بالتهاب القولون المزمن مع رفع احتمال الاصابة بسرطان القولون بنسبة 60 %». وللتفسير، يمكن للالتهاب المزمن ان يحفز تكون الخلايا السرطانية من خلال عدة آليات، أهمها:
- تحتوي الخلايا الملتهبة على عامل النمو الذي يحفز وينشط انقسام الخلايا، كجزء من عملية الترميم للنسيج المتضرر. بيد ان زيادة معدل انقسام الخلايا يرافقها ارتفاع في خطر الانقسام الخاطئ وبالتالي التحورات الجينية المؤدية لانقسام الخلايا الخبيث (السرطان).
- تتهيج وتنشط ردة فعل الجهاز المناعي عند اصابة الجسم بالتهاب، بيد ان هذا التهيج المستمر من الممكن ان يسبب تحور الخلايا بشكل خبيث أيضا.

-6 الإصابة بسرطان اللسان
أظهرت دراسة لعلماء بجامعة بافالو ومعهد روزويل بارك للسرطان بالولايات المتحدة الأميركية أن هناك علاقة بين أمراض اللثة المزمنة والتهاب الأنسجة الداعمة periodontist وبين الاصابة بسرطان اللسان .حيث تضمنت الدراسة 105أشخاص، تم مقارنة صور الأشعة الكاملة للفم بين المصابين بسرطان اللسان وبين الأصحاء. وبعد الأخذ بعين الاعتبار بعوامل الخطر الاخرى، كشفت النتائج أن الأفراد المصابين بالتهاب وأمراض اللثة المزمنة هم أكثر عرضة للاصابة بسرطان اللسان بمقدار خمس مرات.

أمور مفيدة

-1 حليب البروبيوتك والريكوتا
أظهرت دراسة لعلماء من جامعة ليبزغ الألمانية بأن تناول حليب البروبيوتك (Probiotics) المحتوي على سلالة من بكتيريا (Lactobacillus casei) والتي تعرف بفائدتها للجهاز الهضمي، يسهم في تحسين صحة الفم، وتخفيض خطر التهاب اللثة ونزفها. وشملت عينة الدراسة 50 فردا غير مصابين بأمراض الفم واللثة، تم اعطاء نصفهم ما يعادل 100 مليار بكتيريا بـ100 مل يوميا، بينما تناول النصف الآخر عقارا وهميا. وبعد 8 أسابيع من تناول هذا الشراب، أظهرت نتائج تحليل السائل بين اللثة و الأسنان (gingival crevicular fluid) ارتباط تناول البروبيوتك بانخفاض مستوى انزيم (elastase)و (matrix ****lloproteinase-3) المرتبطين بالالتهاب. ومن جانب آخر، نصح العلماء بتناول جبنه ناعمة تسمى الريكوتا، وهي مصنوعة من نوع بروتين يسمى وي (whey)، تعرف بغناها بالأحماض الامينية والبكتيريا المفيدة. لذا فهي تعتبر مفيدة لصحة الأسنان والفم عموما، وكمصدر غني بالكالسيوم والبروتين.

-2 الشاي
أشار فريق بحث من كلية طب الأسنان في جامعة الينوي الأميركية بأن بعض مكونات الشاي الأسود التقليدي تهاجم البكتيريا الضارة في الفم. حيث بينت دراساتهم التي قامت بتقييم آثار الشاي الأسود الصحية، احتواؤه على مواد قادرة على قتل واضعاف فعالية البكتيريا المسببة للتسوس والنخر في الفم وأمراض اللثة. وقد علق متحدث باسم الجمعية البريطانية لطب الأسنان، يمكن أن يساعد الشاي الأسود والأخضر أيضا في مكافحة التسوس في الأسنان لغناه بمواد مفيدة لا تعتبر من المواد التي تعمل على تآكل الأسنان. لذا فيعتبر أطباء الأسنان في بريطانيا الشاي كبديل جيد للمشروبات الأخرى المحتوية على السكر، وبخاصة المشروبات الغازية التي تحتوي على أحماض وسكريات مضرة للسن. وتزداد الفائدة عند اضافة الحليب على الشاي، لكونه مصدرا ممتازا للكالسيوم المفيد للأسنان.

-3 الأطعمة الخشنة
بالاضافة للعناية اليومية بالفم والأسنان، فينصح بالاكثار من تناول الأطعمة الخشنة والليفية التي تعمل على تدليك الأسنان واللثة كالخضراوات والفواكه مثل الخس والجزر والتفاح. كما ظهرت دراسة تشير الى فائدة تناول الاجبان القاسية لما يرافق ذلك من احتكاك الأسنان بالجبن المحتوي على الكالسيوم وخمائر مفيدة لبنية السن. فيما يجب الاقلال من تناول الحلويات وبخاصة اللزجة منها والتي تلتصق على الأسنان، ويصعب ازالتها بسهولة، فتساعد على تشكل الترسبات الكلسية المضرة.

-4 الشمس
أظهرت كثير من الدراسات أن لقاطني البلدان الباردة، والأقل تعرضا لأشعة الشمس هم الأكثر عرضة لالتهابات اللثة والأسنان، نتيجة لنقص فيتامين د في أجسامهم. وتأتي دراسة حديثة لباحثين أميركيين وألمان، نشرت في المجلة الأميركية للتغذية، لتعيد تأكيد بأن التزود بفيتامين د، الذي يصنعه الجسم بتأثير أشعة الشمس، يقلل مخاطر الاصابة بأمراض اللثة والأسنان المزمنة. فمن خلال متابعتهم لأكثر من 11 ألف رجل وامرأة طوال 20 عاما، وقياس مستويات فيتامين د، ومراقبة صحة أسنانهم، لاحظ الباحثون ارتباطا قويا بين انخفاض تركيز فيتامين د، مع ضعف وفقدان الأسنان عند الجنسين بعد سن الخمسين. والمثير هو عدم وجود ارتباط بين ضعف الأسنان ومستويات فيتامين د عند من لم يتجاوزوا الخمسين من العمر. وعزي هذا الأثر الى دور هذا الفيتامين المهم في الحفاظ على صحة العظام والأسنان، وأيضا لخصائصه المضادة للالتهاب والمنشطة للجهاز المناعي. وعليه نصح الباحثون على أهمية تعرض كبار السن لأشعة الشمس للوقاية من أمراض اللثة المؤدية الى تساقط الأسنان.

-5 السواك
يؤمن العديد من الأطباء بأن أعواد السواك تتفوق على جميع وسائل تنظيف الأسنان الأخرى كالفرشاة، وخيط السن، في الحفاظ على صحة الفم. وقد يعزى ذلك لما تحتويه من مواد مفيدة لصحة الفم أو لما يرافق استخدامها من حركة ميكانيكية تزيل الفضلات المترسبة على الأسنان، كما تقوم شعيراتها بتدليك اللثة وتنشيط دورتها الدموية. وتوفر المواد الفعالة التي تحتويها جذور شجرة الآراك (السواك)، للأسنان مناعة طبيعية ضد التسوس والنخر عن طريق قضائها على البكتيريا الفموية وقدرتها المطهرة والحامية لأسطح الأسنان. حيث يحتوي السواك على المواد التالية المفيدة للأسنان:
1ــ الفلورايد: مادة تسهم في تقليل حموضة إفرازات البكتيريا وإحباط نموها في داخل الفم وتزيد مقاومة السن للتسوس.
2 ــ الكلور: تزيل التصبغ والبقع.
3 ــ السليكون: تحمي السن وتساعد على إزالة الفضلات والألوان المترسبة على سطحه الخارجي، كما تبيض مادة السيلكا الأسنان.
4 ــ الكبريت: تحمي هذه المادة القلوية الأسنان من البكتريا المسببة للتسوس، وتفيد في التآم الجروح وشقوق اللثة.
5 ــ القلويات: لها أثر على قتل البكتيريا وإيقاف الالتهابات في اللثة والأنسجة المحيطة بالأسنان.
6 ــ فيتامين ج (سي): له فائدة في الوقاية وعلاج أمراض التهاب اللثة.

تنظيف الأسنان يقي من أمراض القلب
أكدت نتائج دراسة اسكتلندية كبيرة تضمنت 11 ألف شخص أن عدم غسل الأسنان مرتين يوميا يضاعف من فرصة الاصابة بأمراض القلب. وقد نشر الباحثون دراستهم في دورية المجلة الطبية البريطانية، وبينوا الارتباط بين عدد مرات غسل الأسنان بالاصابة بأمراض القلب. حيث طلب ممن خضعوا للدراسة تعبئة بيانات حول أسلوب حياتهم وعدد مرات تنظيف الأسنان، وتم تقييم صحة أسنانهم وقياس ضغط الدم واجراء فحوصات لجمع معلومات حول التاريخ الصحي وأمراض القلب في العائلة. وبعد متابعة استمرت 8 سنوات، وجد ان 6 من كل 10 يحرصون على زيارة طبيب الأسنان مرة كل ستة اشهر، بينما أكد سبعة من كل عشرة أشخاص أنهم يغسلون أسنانهم مرتين أسبوعيا. وبعد 8 سنوات، أصيب 555 شخصا منهم بأزمات قلبية أودت بحياة 170 منهم. وبعد الأخذ بعين الاعتبار عوامل الخطر الأخرى، وجد ارتفاع في اصابة من لا يغسلون أسنانهم مرتين يوميا بأمراض القلب بنسبة %70. وعلقت جودي سوليفان من رابطة القلب البريطانية «يرتبط سوء صحة الأسنان بعوامل أخرى كسوء التغذية والتدخين وكلاهما مرتبط بأمراض القلب. لذا فان أردت مساعدة قلبك فاهتم بنظافة أسنانك، وتجنب الالتهابات والتدخين، واتبع نظاما غذائيا متوازنا ومارس تمارين رياضية».