الباب الخامس
التركيب وأنواعه وهو المسمى بالتطعيم والإضافة والأنشاب


وهو أنواع
النوع الأول من أنواع التركيب وهو الذي ينشب في اللحاء والعود، ويسمى تركيب الشق، ويكون هذا في شجر الزيتون وطريقته أن يؤخذ بعد قص الشجرة بالمنشار عودا يابسا يبريه بري القلم فيدخله بين العود والقشر لئلا ينشق القشر وذلك بعد جري الماء في العود ليسهل فصل القشر عن العود، ثم يخرج العود اليابس المبري ويدخل القلم موضعه ويسد سريعا ويطين بطين أبيض لزج مخلوط بتبن كثير ويكون قشر القلم مما يلي القشر والعود والقلم ويبرى كبري الأقلام من جانب واحد. هكذا فيتح للبرية على قدرها وطولها وعرضها من جلد الشجرة ومن عودها في موضع المقطع، وتدخل تلك البرية فيه بواسطة حديدة ملساء أو بواسطة خشبة صلبة وطريقة ذلك أن يُدخل برفق بين القشر والعظم في الموضع الذي تريد غرس القلم فيه، ويُرفق بالقشر لئلا ينشق، ثم تسحب الحديدة أو الخشبة وتدخل برية القلم وتشد على القشرة في موضع نزول القلم بخيط صوف غليظ مفتول أو حاشية ثوب قوية يلف حوله لفا محكما لئلا ينشق القشر أو يتساقط عن العظم، وتغرس الأقلام حتى تغيب البرية كلها والقشر للقشر والعظم للعظم ولا باس إن خولف وتكون البرية على هيئة شفرة السكين التي حدها رقيق وقفاها غليظ، فيجعل الجانب الغليظ من جهة الخارج من الفرع، والرقيق إلى جهة داخله لينطبق الشق عليها انطباقا تاما وعند البري تجعل الأقلام في ماء عذب وإذا كان الفرع الذي سيركب فيه بغلظ الساعد وضع فيه قلمان، وإن كان أغلظ وضعت أربعة أو أكثر.
النوع الثاني من أنواع التركيب، وهو الذي يكون من القشر ينزع وفيه العين قبل أن تتفتح، فيركب في غصن آخر يقشر ويوضع فيه بالأنبوب والرقعة ويكون في الفاكهة والزيتون والخروب والتين. فالشجرة الكبيرة يقطع أعلاها وتثبت فيها أغصان جديدة تركب فيها ويكون ذلك في شهر كانون الثاني وشباط ويزال ما في أصل الشجرة من نبات يخاف أن يلقح لترجع المادة التي أعلاها كلها، فإذا لقحت يزيلها في أول حزيران ويترك للشجرة الصغيرة أكثر من الكبيرة، وللقوية أكثر من الضعفية، ثم بعد ثمانية أيام أو عشرة تفحص تلك الأغصان فإن أحمرّ عند أسافل قشرها فالتركيب نجح وإن كانت خضراء كلها تركت إلى نصف آب وهو آخر وقت تركيبها، فإن احمرت قشرتها من جهة أصلها تركب في ذلك الوقت. وطريقة ذلك أن تقصد شجرة منتجة ويؤخذ من أغصانها ما هو قريب من الأرض من جهة الشرق أو الجنوب ويكون فيه عقدة أو عقد تسمى العين تقطع أطراف هذه الغصون وهي بعد في شجرها وذلك قبل أربعة أيام من موعد أخذ اللقاح ثم تقطع وتخرج تلك العين في أنبوب مع قشرها، أو يؤخذ الغصن الذي فيه الأعين ويقطع بسكين حادة من جهة طرفه الرقيق وبرفق وتقطع العين مع القشر حتى تبلغ السكين العظم فذلك هو الأنبوب، وتكون العين في وسطه، وطول الأنبوب، ما نصف إصبع أو أصبع، وقيل أنملة الإبهام، توضع بين القشر والعود ثم يلف حول القشرة التي هي الأنبوب حاشية ثوب أو خيط مفتول ون أن تصيبه مضرة من كسر أو نحوه ويتحرى أن يقع الأنبوب من الفرع المركب فيه على موضع قد احمرت قشرته ويسقى الأنبوب من أعلها ومن أسفله بلبن التبن، وذلك بأن يقطع غصن التين من الموضع الأخضر منه بحديد قاطع من أعلى الأنبوب ويكرر ذلك حتى ينعقد الأنبوب مع العود ومع قشره، ويظلل الأنبوب بورق الشجر ليستره من الشمس والريح، ويكون هذا العمل في يوم شديد الحر ساكن الريح وهذا شكل الأنبوب النقطة البيضاء داخله هي العين المذكورة أو الرقعة، وهي أنواع منها الطويلة والمربعة والمستديرة ويرقع بها التين والزيتون وغيرهما. فالرقعة الطويلة تقطع في كانون الثاني حتى تقوى ويصلب قشرها وتحمر، ثم تقطع أغصان فيها عيون من الشجرة التي سيركب فيها ثم يشق القشر بطرف سكين حادة ويزاح عن اللب برفق ثم تدخل الرقعة بلطف دون أن تنشق وتربط بالخيط غير المفتول، وتسقى بلبن التين قبل ربطها وبعده حتى تنعقد وكذلك الرقعة المربعة والمدورة وكل رقعة فيها عين.
النوع الثالث من التركيب ويدعى الأعمى، وهو أن القضبان المعرضة للشمس في ناحية المشرق أو الجنوب مما كان مثمرا في العام الماضي، وتقطع مقدار شبر أو أكثر وتبرى من أسفلها مقدار نصف شبر وأربعة أصابع بريا لطيفا ثم توضع الأقلام في الماء لئلا يصيبها الهواء، ثم يعمد إلى الشجرة التي يريد التطعيم فيها فتقطع بالمنشار من فوق، ثم يشق فيها شقان، ويدخل القلم المبري ويوضع القشر من القلم على الشق بإحكام ويلصق العظم بالعظم، ثم يدخل قلم آخر في الشق الآخر، ثم يطين عليهما بطين معجون بتبن، وتشد عليه خرقة كتان تصونه من الهواء والماء، وذلك في أول جري الماء في العود، والتراب الأحمر لا يصلح لمثل هذه الأشياء، لأنه يحرقها إذا طينت به والتراب الأبيض أجود، وكذا طين الشاطئ الأنهار. ولا يحمد التطعيم في طرف الشجرة أو في وسط الساق إذ يحتاج زمانا أطول. ويؤخذ التطعيم من الشجرة قبل أن تنبت.
وطريقة التطعيم الأعمى وغيره كما يلي: تنشر قطعة من الزيتون مثلا أو فرع منه نشرا مستويا، ويخرج موضع النشر من المنشورة، ثم تشق وتنزل الأقلام بإحكام ويضرب عليها برفق. وتكون فتحة الشق ثلاثة أصابع مضمومة، ويوضع إناء كبير من فخار على ذلك الغصن المشقوق ويثقب أسفله بمقدار غلظ ذلك الغصن المشقوق من غير زيادة ويلف عليه حبل كالخلخال ثم يوضع عليه الإناء أو نصفه ويطين ثقب الإناء بطين لزج من داخل وخارج حتى ينسدّ فلا يخرج من التراب والماء شيء. ثم يوضع فيه زبل قديم أو غائط آدمي وتربة سوداء ورمل، بمقادير متساوية ويخلط ثم يغربل ويملأ الإناء حتى ثلثه ليبقى متسع للماء ويكبس باليد الذي كبسا جيدا، أو يؤخذ بزر تفاح أو سفرجل أو توت أو أترج أو ورد أو رمان أو عنب أو آس وشبهها فيوزع في ذلك الشق ويغطى بالتراب الذي فيه كالعادة ويتعهد بالسقي اللطيف المتتابع حتى لا يجف التراب وإن ملئت الآنية بالماء فهو أجود، فينبت البزر في ذلك الشق وتغرس عروقها فيه فتلتحم معه حتى تقوى، وتغذي بذلك الفرع، وبزر التين ينبت في الحجارة والبناء والحيطان، فتقلع بعروقها وترابها بعد عام حين يكون قد أحمر وتغرس من وقتها في ذلك الشق وتتعهد بالسقي اللطيف بالماء العذب حتى لا يجف التراب مما يعجل في نموها وكذا يعمل بالنوى كاللوز والبرقوق والزيتون والرند والقراصيا وشبهها. يغرس النوى في الشق بعد أن يكر النوى برفق ويغطى بالتراب مقدار إصبعين أو ثلاثة، فينبت ويلتحم بالأصل في ذلك الشق ويتغذى من الشجرة، ثم يطعم ويجعل النوى اثنتين أو ثلاثا حتى إذا فشلت إحداها نبتت الأخرى أما إذا نبت الجميع فيقلع منه ما يستغنى عنه.