الباب التاسع
في أنواع الحبوب المستعملة


وما يجعل منها خبزاً وكيفية زرعها وبعض خواصها
وأنواع الرياحين وباقي المزروعات
فالقمح أفضل أصناف الحبوب وأقربها إلى الاعتدال، إلا أنه أميل إلى الحرارة وهو معتدل الرطوبة واليبوسة، والقمح المسلوق حار رطب، ينفع الأبدان المتخلخلة، ويزيد في قوة البدن ويغذي كثيرا ولا سيما، إن طبخ مع اللحم، فإنه حينئذ يشد البدن ويزيد في قوته زيادة بيِّنة ويفيد أصحاب الكد والتعب والحساء المتخذ من دقيقه وماء الكشك المعمول منه نافعان من السعال وأمراض الصدر وقروح الرئة. والسَّويق المتخذ من القمح ما كان نقيعا فإنه يبرد ويطفئ الحرارة ويسكِّن العطش إذا شرب بالماء البارد بعد أن يغسل بالماء الحار مرات لتذهب عنه رياحه. وأجود سويقه المعتدل الغلي، وهو حار يابس في الأولى، وينفع الحشا الرطبة وهو بطيء الهضم كثير النفخ. وينبغي أن يغسل بالماء الحار ويضاف إليه السكر. والنشا مزاجه بارد، وغذاؤه أقل من غذاء سائر ما يعمل من القمح، وأبطأ هضما لغلظه ولزوجته، ولذا فإنه يولد الانسداد في الكبد والكلى وهو أحسن غذاء لمن به سعال من خشونة الحلق وقصبة الرئة والصدر ولا سيما إذا عمل منه حساء بالسكر ودهز اللوز، والأطربة باردة رطبة عسرة الانهضام تولد خلطا غليظا لزجا لأنها متخذة من عجين فطير، وغذاؤها قليل لكنها تنفع من السعال وخشونة الصدر والرئة وأوجاعها إذا خلطت بدهن لوز وزبد وهي لا توافق انسداد في الكبد وغلظ الأحشاء وتصنع ممزوجة بالفولنج والزنجبيل والصعتر.
والنخالة فيها حرارة فإذا صنع من مائها حساء مخلوط بدهن اللوز والسكر نفع معه سعال ورطوبة في الصدر، والرئة أو ورم في الحلق وإن ضمدت به المواضع التي فيها الريح أخرجه. وأما الخبز من القمح فهو أصناف كثيرة، وأجوده المطحون في رحا الماء، فإنه خير من المطحون في رحا البهائم، وأجود الخبز ما كان من قمح جيد نقي أحكم تحميره وملحه ونضجه في التنور، وما كان من حنطة كثيفة أكثر غذاء مما كان من حنطة رخوة. وأبطأ هضما ما اتخذ من لباب الحنطة، وهو يولد الانسداد إلى الإمساك. وأقله غذاء ما اتخذ من حنطة نزع لبابها. والخبز من الحنطة الجديدة يسمِّن بسرعة، والقريب العهد بالطحن يحبس البطن، والقديم يطلق البطن. والخبز الحار يعطش لحرارته، ويشبع بسرعة. والخبز العتيق اليابس يعقل البطن، وخبز الفطير إذا جعل في الماء رسب، والمختمر جدا يطفو، والمتوسط لا يغرق ولا يطفو، وأصلحه ما كثر ملحه ونضجه. والخبز المطبوخ كان يختاره بعض الملوك، وهو أن تأخذ قدرة جديدة يجعل فيها العجين وهو لين جدا ويوضع القدر في تنور ناره هامدة ويطبخ حتى ينضج وهو أسرع هضما وأكثر غذاء. وإن عجن بماء الخمير المنقوع فيه زبيب وخلط مع العجين زيت ودهن لوز كان خبزا ولا ألذ وهو الخبز الذي بالغ حكماء الفلاحة الأقدمون في مدحه وكثرة منافعه، وإنه إذا أدمن عليه إنسان قوي جسمه بحيث لا يعرض له شيء من الأمراض ولا يفسد في معدته طعام ذكروا له منافع كثيرة أخرى. وخبز الثوم ينفع من لدغ الحيات ويخرج الرياح ويحسن اللون ويطول عمر آكله، وطريقته أن يؤخذ أربعون جزءا من الدقيق عشرها دقيق شعير، والباقي دقيق حنطة، ويطرح عليها جزء واحد من الثوم المسلوق والمدقوق في هاون حتى يصير كالمخ وثم يعجن بالملح والبورق وهو أجود ثم يخبز ويؤكل وقد ذكروا من منافعه ما يشبه العجائب. وأما الشعير، فأجوده الجديد الأبيض الكبير الحجم، وطبعه بارد يابس في السنة الأولى من عمره. وقيل في الثانية، وغذاؤه أقل من غذاء القمح، وخبز الشعير بارد يابس وهو يولد الرياح، ويجفف الطبيعة ويعقلها، فيؤكل مع الأشياء الدسمة كالسمن والزبد ومرق اللحم والأشياء الدهنية. وأما الأرز فقيل إنه ضرب من الحنطة شديد البياض، ينبت في الماء لأنه لا يروى قط، ولا يؤكل الأرز مع الخل أصلا، ولا مع طعام فيه، لأنه يضر جدا. وهو بارد في سنته الأولى يابس في الثانية، وقيل معتدل ويحبس البطن، والأرز يزيد في نضارة الوجه، ويخصب البدن، ويري أحلاما طيبة ويضر بأصحاب الفولنج، ويصلحه اللبن الحليب والدهن.
وأما الحمص فأنواع، أبيض وأحمر واسود، وإن أردت أن يكبر الحمص ويجود فانقعه قبل أن تزرعه بيوم في ماء ساخن قليل الحرارة حتى ينبت، ثم ازرعه في أرض ندية، وتوافقه الأرض السنجة، فيخرج نباتا قويا جدا. والحمص الأبيض يورث أكله السرور وسكون النفس، وإذا جعل معه عند طبخه خردل فإنه ينهرّى إنضاجا. وزرع الحمص مع قشوره أجود. ومن خواصه أنه إذا سحق وخلط بالصابون أو بالملح وغسل به ثوب فيه أثر دم أزاله، والحمص بطيء الهضم جدا، وإصلاحه تكثير ملحه. والفول وهو أنواع: بجائي أسود غليظ، ومصري احمر غليظ، وشامي أبيض غليظ، وهو يقطع رائحة الثوم من الفم إذا أكل بعده، وإذا أكلته الدجاج انقطع بيضه وكثر ألبان الغنم إذا اعتلفته. والعدس ويسمى البلس، يزرع سقيا وبعلا، وإذا دلك بروث البقر قبل زرعه أسرع إنباته وعظم. ومن خواصه إذا زرع مع البزور كلها مخلوطا بها، فإن الآفات تنزل عليه وتسلم البزور التي زرعت معه، وهو يصبر على العطش ويسكِّن حدة الدم، ويقوي المعدة، وماؤه ينفع مع الخوانيق، ويضر أصحاب عسر البول كثيرا. ويمنع إدارا البول والحيض، وقيل من يأكل العدس لا يزال مسرورا يومه ذلك.