وفي الآثار أن موسى لما ناداه ربه تعالى يا موسى أجاب سريعا استئناسا بالصوت فقال لبيك لبيك أين أنت أسمع صوتك ولا أرى مكانك. فقال: يا موسى أنا فوقك وعن يمينك وعن شمالك وبين يديك وخلفك - فعلم أن هذه الصفة لا تكون إلا لله تعالى - قال فكذلك أنت يا رب.
ومروي أن موسى لما سمع كلام الآدميين مقتهم لما وقر في أذنيه في سماع كلام الله تعالى.
وأما قوله إن الصوت اصطكاك في الهواء أو فقرع في الهواء، فهذيان محض ودعوى مجردة لا يشهد بصحتها خبر ولا معه فيها أثر ولا أقام به حجة ولا هو فيه على محجة.
فإذا قيل له لا نسلم أنه كذلك فما دليله؟
فإن قال هذا اصطلاحنا معشر المتكلمين؛ قلنا فهذا أبعد من الصواب وأقرب له إلى البطلان. فإنكم نبذتم الكتاب والسنة وعاديتم الله سبحانه وتعالى ورسوله. فما تكادون توفقون لصواب ولا ترشدون إلى حق ولا يقبل قولكم ولا يلتفت إلى اصطلاحكم.
فان قال هذا حد والحد لا يمنع.
قلنا ولم لا يمنع وهل سمعت بدعوى تلزم الخصم الانقياد لها بمجردها من غير ظهور صحتها أو إقامة برهان عليها.
فإن قال لا يمكن إقامة البرهان عليها.
قلنا: فهذا اعتراف بالعجز عن دليلها والجهل بصحتها. فإذا لم تعرف دليلها فبم عرفت صحتها ومن اعترف بالجهل بصحة ما يقول فقد كفى مؤنته واعترف لهم بجهله وبطلان قوله.
وكيف يصار إلى قول لا يدرى أصحيح هو أو باطل فكيف ينقاد خصمه إليه فيما هو معترف فيه بعمى نفسه وجهله به.
ومن العجب أن هؤلاء المتكلمين أعمى الله بصائرهم فوق ما قد أعماها يزعمون أنهم لا يرضون إلا بالأدله القاطعه والبراهين اليقينية، ويرَون الأخبار زعما منهم أنها أخبار آحاد لا تفيد علما يقينا ثم يستدلون بمثل هذا الذي لا يدل على شيء أصلا ولا ظاهرا لا يقينا بل هو بمجرد عمًى وهذيان يصوغه من عند نفسه ويخرجه من زبد معدته.
فإذا منعه وطولب بصحته لم يكن معه شيء يدل عليه سوى أنا قد اصطلحنا أن الحد لا يمنع.
أفترى إذا أعمى الله أبصارهم وبصائرهم يظنون أننا نقبل منهم مجرد دعواهم ونتابعهم على عماهم وإنما مثلهم في هذا كمثل أعمى يبول على سطح مستقبلا الناس بفرجه يحسب أن أحدا لا يراه لما عمي هو عن رؤية نفسه.
ثم تقول بل الصوت هو ما يتأتى سماعه.
وهذا هو الحد الصحيح الذي يشهد له العرف. فإن الصوت أبدا يوصف بالسماع.
فتعلق السماع بالصوت كتعلق الرؤية بالمرئيات ثم ثبت بالخبر الصحيح إضافة الصوت إلى الله تبارك وتعالى.
والنبي أعلم بالله تبارك وتعالى وأصدق من المتكلمين الذين لا علم لهم ولا دين ولا دينا ولا آخرة.
وإنما هم شر الخليقة الغالب عليهم الزندقة. وقد ألقى الله تعالى مقتهم في قلوب عباده وبغضهم إليهم.
ثم لو ثبت أن الصوت في المشاهدات يكون من اصطكاك الأجرام فلم يكون كذلك في صفات الله سبحانه وتعالى قولهم إن ما ثبت في حقنا يكون في الغائب مثله.
قلنا أخطأتم من وجوه ثلاثة:
أحدها تسميتكم الله تعالى غائبا. وأسماء الله تعالى وصفاته إنما توجد من الشرع. وأنتم قبحكم الله ما وجدتم لله تعالى من تسعة وتسعين اسما اسما تسمونه به حتى أحكيتم له من عندكم اسما ثم قد نفى الله سبحانه وتعالى هذا عن نفسه فقال تعالى وما كنا غائبين.
الثاني أنكم رجعتم إلى التشبيه الذي نفيه معتمدكم في رد كتاب الله تعالى وسنة رسوله وجعلتم الله تعالى مقيسا على عباده ومشابها لهم في صفاته وأسمائه. وهذا هو عين التشبيه فبعدا لكم.
الثالث أن هذا باطل بسائر صفات الله تعالى سلمتموها من السمع والبصر والعلم والحياة. فإنها لا تكون في حقنا إلا من أدوات.
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)