فرق بينهما فكيف يجوز لعاقل أن يصدق هذا ويقول به. قال: وكان على الإسكندرية سبعة حصون وسبعة خنادق. قال وكتب عمرو بن العاص إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه إني فتحت مدينة فيها اثنا عشر ألف بقال يبيعون البقل الأخضر وأصبت فيها أربعين ألف يهودي عليهم الجزية. وروي عن عبد العزيز بن مروان بن الحكم لما ولي مصر وبلغه ما كانت الإسكندرية عليه استدعى مشايخها وقال أحب أن أعيد بناء الإسكندرية على ما كانت عليه فأعينوني على ذلك وأنا أمدكم بالأموال والرجال. قالوا: انظر أيها الأمير حتى ننظر في ذلك وخرجوا من عنده وأجمعوا على أن حفروا ناووسا قديما وأخرجوا منه رأس آدمي وحملوه على عجلة إلى المدينة فأمر بالرأس فكسر وأخذ ضرس من أضراسه فوجد وزنه عشرين رطلا على ما به من النخر والقدم فقالوا إن جئتنا بمثل هؤلاء الرجال حتى نعيد عمارتها على ما كانت فسكت، ويقال إن المعاريج التي بالإسكندرية مثل الدرج كانت مجالس العلماء يجلسون عليها على طبقاتهم فكان أوضعهم علما الذي يعمل الكيمياء من الذهب والفضة فإن مجلسه كان على الدرجة السفلى، وأما خبر المنارة فقد رووا لها أخبارا هائلة وآذعوا لها دعاوى عن الصدق عادلة وعن الحق مائلة فقالوا إن ذا القرنين لما أراد بناء منارة الإسكندرية أخذ وزنا معروفا من حجارة ووزنا اخر ووزنا من حديد ووزنا من نحاس ووزنا من رصاص ووزنا من قصدير ووزنا من حجارة الصوان ووزنا من ذهب ووزنا من فضة وكذلك من جميع الأحجار والمعادن ونقع جميع ذلك في البحر حولا ثم أخرجه فوجده قد تغير كله وحال عن حاله ونقصت أوزانه إلا الزجاج فإنه لم يتغير ولم ينقص فأمر أن يجعل أساس المنارة من الزجاج وعمل على رأس المنارة مرآة ينظر فيها الناظر فيرى المراكب إذا خرجت عن أفرنجة أو من القسطنطينية أو من سائر البلاد لغزو الإسكندرية فأضر ذلك بالروم فلم يقدروا على غزوها، وكانت فيها جمة تنفع من البرص ومن جميع الأدواء وكان على الروم ملك يقال له سليمان فظهر البرص في جسمه فعزم الروم على خلعه والاستبدال منه فقال انظروني أمض إلى جمة الاسكندرية وأعود فإن برئت وإلا شأنكم وما قد عزمتم عليه. قال وكان فعله هذا من إظهار البرص بجسمه حيلة ومكرا وإنما أراد قلع المرآة من المنارة ليبطل فعلها، فسار إليه في ألف مركب وكان من شرط هذه الجمة أن لا يمنع منها أحد يريد الاستشفاء بها فلما سار إليها فتحوا له أبوابها الشارعة إلى البحر فدخلها وكانت الجمة في وسط المدينة بإزاء المعاريج التي تجلس العلماء عليها فاستحم في مائها أياما ثم ذكر أنه قد عوفي من دائه وذهب ما كان به من بلوائه ولما أشرف على هذه الجمة وما تشفي من الأدواء وكان قد تمكن من البلد بكثرة رجاله فقال هذه أضر من المراة ثم أمر بها فغورت وأمر أن تقلع المراة ففعل وأنفذ مركبا إلى القسطنطينية وآخر إلى أفرنجة وأمر من أشرف على المنارة ونظر إلى المركبين إذا دخلا القسطنطينية وأفرنجة وخرجا منها فأعلم أنهما لما بعدا عن الإسكندرية يسيرا غابا عنه فعاد إلى بلاده وقد أمن غائلة المرآة، وقيل إن أول من عمر المنارة امرأة يقال لها دلوكة بنت زبا وسيأتي ذكرها في هذا الكتاب في حائط العجوز وغيره، وقيل بل عمرتها ملكة من ملوك الروم يقال لها قلبطرة وهي في زعم بعضهم التي ساقت الخليج إلى الإسكندرية حتى جاءت به إلى مدينتها وكان الماء لا يصل إلا إلى قرية يقال لها كسا، والأخبار والأحاديث عن مصر وعن الإسكندرية ومنارتها من باب حدث عن البحر ولا حرج وكثرها باطل وتهاويل لا يقبلها إلا جاهل، ولقد دخلت الإسكندرية وطوفتها فلم أر فيها ما يعجب منه إلا عمودا واحدا يعرف الان بعمود السواري تجاه باب من أبوابها يعرف بباب الشجرة فإنه عظيم جدا هائل كأنه المنارة العظيمة وهو قطعة واحدة مدور منتصب على حجر عظيم كالبيت المربع قطعة واحدة أيضا وعلى رأس العمود حجر اخر مثل الذي في أسفله فهذا يعجز أهل زماننا عن معالجة مثله في قطعه من مقطعه وجنبه من موضعه ثم نصبه على ذلك الحجر ورفع الآخر إلى أعلاه ولو اجتمع عليه أهل الإسكندرية بأجمعهم فهو يدل على شدة حامليه وحكمة ناصبيه وعظمة همة الآمر به، وحدثني الوزير الكبير الصاحب العالم جمال الدين القاضي الأكرم أبو الحسن علي بن يوسف بن إبراهيم الشيباني القفطي أدام الله أيامه ثم وقفت على مثل ما حكاه سواء في بعض الكتب وهو كتاب ابن الفقيه وغيره أنه شاهد في جبل بأرض أسوان عمودا قد نقر وهندم. في موضعه من الجبل طوله ودوره ولونه مثل هذا العمود المذكور كأن المنية عاجلت الملك الذي أمر بعمله فبقي على حاله. قال أحمد بن محمد الهمذاني وكانوا ينحتون السواري من جبال أسوان وبينها وبين الاسكندرية مسيرة شهر البريد ويحملونها على خشب الأطواف في النيل وهو خشب يركب بعضه على بعض وتحمل الأعمدة وغيرها عليه، وأما منارة الإسكندرية فقد قدمنا إكثارهم في وصفها ومبالغتهم في عظمها وتهويلهم في أمرها وكل ذلك كذب لا يستحي حاكيه ولا يراقب الله راويه ولقد شاهدتها في جماعة من العلماء وكل عاد منا متعجبا من تخرص الرواة وذلك إنما هي بنية مربعة شبيهة بالحصن والصومعة مثل سائر الأبنية ولقد رأيت ركنا من أركانها وقد تهدم فدعمه الملك الصالح رزيك أو غيره من وزراء المصريين واستجده فكان أحكم وأتقن وأحسن من الذي كان قبل وهو ظاهر فيه كالشامة لأن حجارة هذا المستجد أحكم وأعظم من القديم وأحسن وضعا ورصفا، وأما صفتها التي شاهدتها فإنها حصن عال على سن جبل مشرف في البحر في طرف جزيرة بارزة في ميناء الإسكندرية بيني وبين البر نحو شوط فرس وليس إليها طريق إلا في ماء البحر الملح وبلغني أنه يخاض من أحد جهاته الماء إليها والمنارة مربعة البناء ولها درجة واسعة يمكن الفارس أن يصعدها بفرسه، وقد سقفت الدرج بحجارة طوال مركبة على الحائطين المكتنفي الدرجة فيرتقى إلى طبقة عالية يشرف منها على البحر بشرافات محيطة بموضع آخر كأنه حصن آخر مربع يرتقي فيه بدرج أخرى إلى موضع اخر يشرف منه على السطح الأول بشرافات أخرى وفي هذا الموضع قبة كأنها قبة الديدبان وهذا شكلها،ويل لا يقبلها إلا جاهل، ولقد دخلت الإسكندرية وطوفتها فلم أر فيها ما يعجب منه إلا عمودا واحدا يعرف الان بعمود السواري تجاه باب من أبوابها يعرف بباب الشجرة فإنه عظيم جدا هائل كأنه المنارة العظيمة وهو قطعة واحدة مدور منتصب على حجر عظيم كالبيت المربع قطعة واحدة أيضا وعلى رأس العمود حجر اخر مثل الذي في أسفله فهذا يعجز أهل زماننا عن معالجة مثله في قطعه من مقطعه وجنبه من موضعه ثم نصبه على ذلك الحجر ورفع الآخر إلى أعلاه ولو اجتمع عليه أهل الإسكندرية بأجمعهم فهو يدل على شدة حامليه وحكمة ناصبيه وعظمة همة الآمر به، وحدثني الوزير الكبير الصاحب العالم جمال الدين القاضي الأكرم أبو الحسن علي بن يوسف بن إبراهيم الشيباني القفطي أدام الله أيامه ثم وقفت على مثل ما حكاه سواء في بعض الكتب وهو كتاب ابن الفقيه وغيره أنه شاهد في جبل بأرض أسوان عمودا