حدثني الحارث، قال: حدثنا ابن سعد، قال: حدثني هشام بن محمد، قال: أخبرني أبي، عن صالح، عن ابن عباس، قال: هبط نوح عليه السلام إلى قرية، فبنى كل رجل منهم بيتًا، فسميت سوق ثمانين، فغرق بن قابيل كلهم، وما بين نوح إلى آدم من الآباء كانوا على الإسلام.
قال أبو جعفر: فصار هو وأهله فيه، فأوحى الله إليه أنه لا يعيدُ الطوفان إلى الأرض أبدًا.
وقد حدثني عباد بن يعقوب الأسدي، قال: حدثنا المحاربي، عن عثمان ابن مطر، عن عبد العزيز بن عبد الغفور، عن أبيه، قال: قال رسول الله : وفي أول يوم من رجب ركب نوح السفينة، فصام هو وجميع من معه، وجرت بهم السفينة ستة أشهر، فانتهى ذلك إلى المحرم، فأرست السفينة على الجودي يوم عاشوراء، فصام نوح، وأمر جميع من معه من الوحش والدواب فصاموا شكرًا لله عز وجل ".
حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، قال: كانت السفينة أعلاها الطير، ووسطها الناس، وأسفلها السباع. وكان طولها في السماء ثلاثين ذراعًا ودفعت من عين وردة يوم الجمعة لعشر ليال مضين من رجب، وأرست على الجودي يوم عاشوراء، ومرت بالبيت، فطافت به سبعًا، وقد رفعه الله من الغرق، ثم جاءت اليمن، ثم رجعت.
حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثنا حجاج، عن أبي جعفر الرازي، عن قتادة، قال: هبط نوح من السفينة يوم العاشر من المحرم، فقال لمن معه: من كان منكم صائمًا فليتم صومه، ومن كان منكم مفطرًا فليصم.
حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قال: ذكر لنا أنها - يعني الفلك - استقلت بهم في عشر خلون من رجب، فكانت في الماء خمسين ومائة يوم، واستقرت على الجودي شهرًا، وأهبط بهم في عشر خلون من المحرم يوم عاشوراء.
حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن أبي معشر، عن محمد بن قيس، قال: ما كان زمان نوح شبر من الأرض إلا إنسان يدعيه.
ثم عاش نوح بعد الطوفان فيما حدثني نصر بن علي الجهضمي، قال: أخبرنا نوح بن قيس، قال: حدثنا عون بن أبي شداد، قال: عاش - يعني نوحًا - بعد ذلك - يعني بعد الألف سنة إلا خمسين عامًا التي لبثها في قومه - ثلاثمائة وخمسين سنة.
وأما ابن إسحاق، فإن ابن حميد حدثنا، قال: حدثنا سلمة، عنه، قال: وعمر نوح - فيما يزعم أهل التوراة - بعد أن أهبط من الفلك ثلاثمائة سنة وثمانيًا وأربعين سنة، قال: فكان جميعُ عمر نوح ألف سنة إلا خمسين عامًا، ثم قبضه الله عز وجل إليه.
وقيل: إن سامًا ولد لنوح قبل الطوفان بثمان وتسعين سنة. وقال بعض أهل التوراة: لم يكن التناسل، ولا ولد لنوح ولدٌ إلا بعد الطوفان، وبعد خروج نوح من الفلك.
قالوا: إنما الذين كانوا معه في الفلك قوم كانوا آمنوا به واتبعوه، غير أنهم بادوا وهلكوا، فلم يبق لهم عقب، وإنما الذين هم اليوم في الدنيا من بني آدم ولد نوح وذريته دون سائر ولد آدم، كما قال الله عز وجل: " وجعلنا ذريته هم الباقون ".
وقيل: إنه كان لنوح قبل الطوفان ابنان هلكا جميعًا، كان أحدهما يقال له كنعان، قالوا: وهو الذي غرق في الطوفان، والآخر منهما يقال له عابر، مات قبل الطوفان.
حدثنا الحارث، قال: حدثنا ابن سعد، قال: أخبرني هشام، قال: أخبرني أبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس، قال: ولد لنوح سام، وفي ولده بياض وأدمة، وحام وفي ولده سواد وبياض قليل، ويافث وفيهم الشقرة والحمرة، وكنعان وهو الذي غرق، والعرب تسميه يام، وذلك قول العرب: إنما هام عمنا يام، وأم هؤلاء واحدة.
فأما فأما المجوس فإنهم لا يعرفون لطوفان ويقولون لم يزل الملك فينا من عهد جيومرت، وقالوا: جيومرت هو آدم بتوارثه آخر من أول إلى عهد فيروز بن يزدجرد بن شهريار، قالوا: ولو كان لذلك صحة كان نسب القوم قد انقطع، وملك القوم قد اضمحل، وكان بعضهم يقر بالطوفان ويزعم أنه كان في إقليم بابل وما قرب منه. وأن مساكن ولد جيومرت كانت بالمشرق، فلم يصل ذلك إليهم.
قال أبو جعفر: وقد أخبر الله تعالى ذكره من الخبر عن الطوفان بخلاف ما قالوا، فقال وقوله الحق " ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون، ونجيناه وأهله من الكرب العظيم وجعلنا ذريته هم الباقين "، فأخبر عز ذكره أن ذرية نوح هم الباقون دون غيرهم.
وقد ذكرتُ اختلاف الناس في جيومرت ومن يخالف الفرس في عينه، ومن هو، ومن نسبه إلى نوح عليه السلام.
حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا ابن عثمة، قال: حدثنا سعيد بن بشير، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة بن جندب، عن النبي في قوله: " وجعلنا ذريته هم الباقين ". وقال: " سام وحام ويافث ".
حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، في قوله: " وجعلنا ذريه هم الباقين "، قال: فالناس كلهم من ذرية نوح.
حدثنى علي بن داود، قال: حدثنا أبو صالح، قلا: حدثني معاوية. عن علي، عن ابن عباس في قوله تعالى: " وجعلنا ذريته هم الباقين ".
يقول: لم يبق إلا ذرية نوح.
وروي عن علي بن مجاهد، عن ابن إسحاق، عن الزهري. وعن محمد بن صالح، عن الشعبي قالا: لما هبط آدم من الجنة، انتشر ولده أرخ بنوه من هبط آدم، فكان ذلك التاريخ حتى بعث الله نوحًا فأرخوا ببعث نوح، حتى كان الغرق، فهلك من هلك ممن كان على وجه الأرض. فلما هبط نوح وذريته وكل من كان في السفينة إلى الأرض قسم الأرض بين ولده أثلاثًا: فجعل لسام وسطًا من الأرض، ففيها بين المقدس، والنيل، والفرات، ودجلة، وسيحان، وجيحان، فيشون، وذلك ما بني فيشون إلى شرق النيل، وما بين منخر ريح الجنوب إلى منخر الشمال. وجعل لحام فسمة غربي النيل، فما وراءه إلى منخر ريح الدبور. وجعل قسم يافث في فيشون فما وراءه إلى منخر ريح الصبا، فكان التاريخ من الطوفان إلى نار إبراهيم، ومن نار إبراهيم إلى مبعث يوسف، ومن مبعث يوسف إلى مبعث موسى، ومن مبعث موسى إلى ملك سليمان، ومن ملك سليمان إلى مبعث عيسى بن مريم، ومن مبعث عيسى بن مريم إلى أن بعث رسول الله .
وهذا الذي ذكر عن الشعبي من التاريخ ينبغي أن يكون على تاريخ اليهود، فأما أهل الإسلام فإنهم لم يؤرخوا إلا من الهجرة، ولم يكونوا يؤرخون بشيء من قبل ذلك، غير أن قريشًا كانوا - فيما ذكر - يؤرخون قبل الإسلام بعام الفيل، وكان سائر العرب يؤرخون بأيامهم المذكورة، كتاريخهم بيوم جبلة، وبالكلاب الأول، والكلاب الثاني.
وكانت النصارى تؤرخ بعهد الإسكندر ذي القرنين، وأحسبهم على ذلك من التاريخ إلى اليوم.
وأما الفرس فإنهم كانوا يؤرخون بملوكهم، وهم اليوم فيما أعطى يؤرخون بعهد يزدجرد بن شهريار، لأنه كان آخر من كان من ملوكهم له ملك بابل والمشرق.
ذكر بيوراسب وهو الأزدهاق

والعرب تسميه الضحاك فتجعل الحرف الذي بين السين والزاي في الفارسية ضادًا، والهاء حاءً، والقاف كافًا، وإياه عنى حبيب بن أوس بقوله:
ما نال ما قد نال فرعون ولا ** هامان في الدنيا ولا قارون
بل كان كالضحاك في سطواته ** بالعالمين، وانت أفريدون
وهو الذي افتخر بادعائه أنه منهم الحسن بن هانئ في قوله:
وكان منا الضحاك يعبده ال ** خابل والجن في مساربها
قال: واليمن تدعيه.
حدثت عن هشام بن محمد بن السائب - فيما ذكر من أمر الضحاك هذا - قال: والعجم تدعي الضحاك وتزعم أن جمًا كان زوج أخته من بعض أشراف أهل بيته، وملكه على اليمن، فولدت له الضحاك.
قال: واليمن تدعيه، وتزعم أنه من أنفسها، وأنه الضحاك بن علوان بن عبيد بن عويج، وأنه ملك على مصر أخاه سنان بن علوان بن عبيد بن عويج، وهو أول الفراعنة، وأنه كان ملك مصر حين قدمها إبراهيم الخليل الرحمن عليه السلام.
وأما الفرس فإنها تنسب الأزدهاق هذا غير النسب الذي ذكر هشام عن أهل اليمن، وتذكر أنه بيوراسب بن أرونداسب بن زينكاو بن ويروشك ابن تاز بن فرواك بن سيامك بن مشا بن جيومرت.
ومنهم من ينسبه هذه النسبة، غير أنه يخالف النطق بأسماء آبائه فيقول: هو الضحاك بن أندرماسب بن زنجدار بن وندريسج بن تاج بن فرياك بن ساهمك بن تاذي بن جيومرت.
والمجوس تزعم أن تاج هذا هو أبو العرب، ويزعمون أن أم الضحاك كانت ودك بنت ويونجهان، وأنه قتل أباه تقربًا بقتله إلى الشياطين، وأنه كان كثير المقام ببابل، وكان له ابنان يقال لأحدهما: سرهوار، وللآخر نفورا.
وقد ذكر عن الشعبي أن كان يقول: هو " قرشت " مسخه الله " ازدهاق ".