وقال ابن إسحاق فيما حدثين ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: فلما أراد الله عز وجل أن يبعث إبراهيم عليه السلام خليل الرحمن حجة على قومه ورسولًا إلى عباده، ولم يكن فيما بين نوح وإبراهيم عليهما السلام من نبي قبله إلا هود وصالح، فلما تقارب زمان إبراهيم الذي أراد الله تعالى ذكره ما أراد، أتى أصحابُ النجوم نمرود، فقالوا له: تعلم أنا نجد في علمنا أن غلامًا يولد في قريتك هذه يقال له إبراهيم، يفارق دينكم، ويكسر أوثانكم، في شهر كذا وكذا من سنة كذا وكذا، فلما دخلت السنة التي وصف أصحاب النجوم لنمرود، بعث نمرود إلى كل امرأة حبلى بقريته، فحبسها عنده إلا ما كان من أم إبراهيم امرأة آزر فإنه لم يعلم بحبلها، وذلك أنها كانت جارية - حدثة فيما يذكر - لم يعرف الحبل في بطنها، فجعل لا تلد امرأة غلامًا في ذلك الشهر من تلك السنة إلا أمر به فذبح، فلما وجدت أم إبراهيم الطلق خرجت ليلًا إلى مغارة كانت قريبًا منها، فولدت فيها إبراهيم عليه السلام، واصلحت من شانه ما يصنع بالمولود، ثم سدت عليه المغارة، ثم رجعت إلى بيتها، ثم كانت تطالعه في المغارة لتنظر ما فعل فتجده حيًا يمص إبهامه. ويزعمون - والله أعلم - أن الله جعل رزق إبراهيم عليه السالم فيها ما يجيئه من مصه، وكان آزر فيما يزعمون قد سأل أم إبراهيم عن حملها ما فعل، فقالت: ولدت غلامًا فمات. فصدقها فسكت عنها، وكان اليوم - فيما يذكرون - على إبراهيم في الشباب كالشهر، والشهر كالسنة، ولم يمكث إبراهيم عليه السلام في المغارة إلى خمسة عشر شهرًا، حتى قال لأمه: أخرجيني أنظر، فأخرجته عشاء، فنظر وتفكر في خلق السموات والأرض، وقال: إن الذي خلقني ورزقني وأطعمني وسقاني لربي، مالي إله غيره، ثم نظر في السماء ورأى كوكبًا، فقال: " هذا ربي "، ثم اتبعه ينظر إلى ببصره حتى غاب " فملا أفل قال لا أحب الآفلين "، ثم اطلع للقمر فرآه بازغًا فقال: " هذا ربي " ثم اتبعه ببصره حتى غاب " فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين ". فلما دخل عليه النهار وطلعت الشمس رأى عظم الشمس ورأى شيئًا هو أعظم نورًا من كل شيء رآه قبل ذلك، فقال: " هذا ربي هذا أكبر، فما أفلت قال يا قوم إني بريء مما تشركون، إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفًا وما أنا من المشركين ".
ثم رجع إبراهيم إلى أبيه آزر وقد استقامت وجهته، وعرف ربه وبرئ من دين قومه إلا أنه لم يبادهم بذلك، فأخبره أنه ابنه، فأخبرته أم إبراهيم عليه السلام أنه ابنه، فأخبرته بما كانت صنعت في شأنه، فسر بذلك آزر وفرح فرحًا شديدًا، وكان آزر يصنع أصنام قومه التي يعبدون، ثم يعطيها إبراهيم يبيعها، فيذهب بها إبراهيم عليه السلام فيما يذكرون فيقول من يشتري ما يضره ولا ينفعه! فلا يشتريها أحد، فإذا بارت عليه ذهب بها إلى نهر فصوب فيه رؤوسها، قال، وقال: اشربي - اتسهزاء بقومه، وبما هم عليه من الضلالة - فشا عيبه إياها، واستهزاؤه بها في قومه وأهل قريته. من غير أن يكون ذلك بلغ نمرود الملك. ثم إنه لما بدا لإبراهيم أن يبادي قومه بخلاف ما هم عليه وبأمر الله والدعاء إليه " نظر نظره في النجوم، فقال إني سقيم "، يقول الله عز وجل: " فتولوا عنه مدبرين " وقوله: " إني سقيم " أن طعين، أو لسقم كانوا يهربون منه إذا سمعوا به، وإنما يريد إبراهيم أن يخرجوا عنه ليبلغ من أصنامهم الذي يريد، فلما خرجوا عنه خالف إلى أصنامهم التي كانوا يعبدون من دون الله، فقرب لها طعامًا، ثم قال: ألا تأكلون! مالكم لا تنطقون! تعييرًا في شأنها واستهزاء بها.
وقال في ذلك غير ابن إسحاق، ماحدثين موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسباط، عن السدي، في خبر ذكره عن أبي صالح، وعن أبي مالك، عن ابن عباس - وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود - وعن أناس من أصحاب النبي : كان من شأن إبراهيم عليه السلام أنه طلع كوكب على نمرود، فذهب بضوء الشمس والقمر، ففزع من ذلك فزعًا شديدًا، فدعا السحرة والكهنة والقافة والحازة، فسألهم عنه، فقالوا: يخرج من ملكك رجل يكون على وجهه هلاكك وهلاك ملكك - وكان مسكنه ببابل الكوفة - فخرج من قريته إلى قرية أخرى، فأخرج الرجال وترك النساء، وأمر ألا يولد مولود ذكر إلا ذبحه، فذبح أولادهم. ثم إنه بدت له حاجة في المدينة لم يأمن عيها إلا آزر أبا إبراهيم، فدعاه فأرسله.
فقال له: انظر لا تواقع أهلك، فقال له آزر: أنا أضن بديني من ذلك، فلما دخل القرية نظر إلى أهله فلم يملك نفسه أن وقع عليها، فقربها إلى قرية بين الكوفة والبصرة، يقال لها أور، فجعلها في سرب، فكان يتعاهدها بالطعام والشراب وما يصلحها. وإن الملك لما طال عليه الأمر قال: قول سحرة كذابين، ارجعوا إلى بلدكم، فرجعوا. وولد إبراهيم فكان في كل يوم يمر كأنه جمعة، والجمعة كالشهر، والشهر كالسنة من سرعة شبابه، ونسي الملك ذلك، وكبر إبراهيم ولا يرى أنّ أحدًا من الخلق غيره وغير أبيه وأمه، فقال أبو إبراهيم لأصحابه: إن لي ابنًا قد خبأته، أفتخافون عليه الملك إن أنا جئت به؟ قالوا: لا، فأت به. فانطلق فأخرجه، فلما خرج الغلام من السرب نظر إلى الدواب والبهائم والخلق، فجعل يسأله أباه: ما هذا؟ فيخبره عن البعير أنه بعير، وعن البقرة أنها بقرة، وعن الفرس أنه فرس، وعن الشاة أنها شاة، فقال: ما لهؤلاء الخلق بد من أن يكون لهم ربّ، وكان خروجه حين خرج من السرب بعد غروب الشمس، فرفع رأسه إلى السماء فإذا هو بالكوكب وهو المشتري، فقال: " هذا ربي "، فلم يلبث أن غاب، فقال " لا أحب الآفلين "، أي لا أحب ربًا يغيب. قال ابن عباس: وخرج في آخر الشهر، فلذلك لم ير القمر قبل الكواكب، فلما كان آخر الليل رأى القمر بازغًا قد طلع، فقال: " هذا ربي، فلما أفل " يقول: غاب، " قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين "، فلما أصبح ورأى الشمس بازغة، قال: " هذا ربي هذا أكبر "، فلما غابت قال الله له: أسلم، قال: أسلمت لرب العالمين. ثم أتى قومه فدعاهم فقال: " يا قوم إني بريء مما تشركون لرب العالمين. إني وجهت وجهي للذي فطر المسوات والأرض حنيفًا ". يقول مخلصًا: فجعل يدعو قومه وينذرهم. وكان أبوه يصنع الأصنام فيعطيها ولده فيبيعونها، وكان يعطيه فينادي: من يشتري ما يضره ولا ينفعه؟ فيرجع إخوته وقد باعوا أصنامهم، ويرجع إبراهيم بأصنامه كما هي، ثم دعا أباه فقال: " يا أبتِ لم تعبدُ ما لا يسمعُ ولا يبصرُ ولا يغني عنك شيئًا " قال: " أراغب أنت عن آلهي يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليًا ". قال: أبدًا، ثم قال له أبوه: يا إبراهيم، إن لنا عيدًا لو قد خرجت معنا لأعجبك ديننا، فلما كان يوم العيد فخرجوا إليه خرج معهم إبراهيم، فلما كان ببعض الطريق ألقى نفسه وقال " إني سقيم "، يقول: أشتكي رجلي، فتوظئوا رجليه، وهو صريع، فلما مضوا نادى في آخرهم وقد بقى ضعفي الناس: " تالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين " فسمعوها منه، ثم رجع إبراهيم إلى بيت الآلهة، فإذا هو في بهو عظيم، مستقل باب البهو صنم عظمي إلى جنبه أصغر منه، بعضها إلى جنب بعض، كل صنم يليه أصغر منه، حتى بلغوا باب البهو وإذا هم قد صنعوا طعامًا فوضعوه بني يدي الآلهة، قالوا: إذا كان حينُ نرجع رجعنا، وقد باركت الآلهة في طعامنا فأكلنا. فلما نظر إليه إبراهيم عليه السلام، وإلى ما بين أيديهم من الطعام قال: ألا تأكلون؟ فلما لم تجبه قال: ما لكم لا تنطقون! فراغ عليهم ضربًا باليمين، فأخذ حديدة فبقر كل صنم في حافتيه، ثم علق الفأس في عنق الصنم الأكبر، ثم خرج فلما جاء القوم إلى طعامهم، ونظروا إلى آلهتهم، قالوا: " ومن فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين، قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم ".
قال أبو جعفر: رجع الحديث إلى حديث إسحاق.
ثم أقبل عليهم كما قال الله عز وجل: " ضربًا باليمين ". ثم جعل يكسرهن بفأس في يده، حتى إذا بقي أعظم صنم منها ربط الفأس بيده، ثم تركهن، فلما رجع قومه رأوا ما صنع بأصنامه، فراعهم ذلك، فأعظموه وقالوا: من فعل بألهتنا إنه لمن الظالمين. ثم ذكروا فقالوا: " قد سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم " يعنون فتى يسبها ويعيبها ويستهزئ بها، لم نسمع أحدًا يقول ذلك غيره، وهو الذي نظن صنع هذا بها. وبلغ ذلك نمرود وأشراف قومه، فقالوا: " فأتوا به على أعين الناس لعلم يشهدون "، أي ما يصنع به.
فكان جماعة من أهل التأويل، فمنهم قتادة والسدي يقولون في ذلك لعلهم يشهدون عليه أنه هو الذي فعل ذلك، وقالوا: كرهوا أن يأخذوه بغير بينة.
رجع الحديث إلى حديث ابن إسحاق:
قال: فلما أى به فاجتمع له قومه عند ملكهم نمرود، قالوا: " أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم، قال بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون "، غضب من أن يعبدوا معه هذه الصغار وهو أكبر منها، فكسرهن، فارعووا ورجعوا عنه فيما ادعوا عليه من كسرهن إلى أنفسهم فيما بينهم، فقالوا: لقد ظلمناه وما نراه إلا كما قال. ثم قالوا وعرفوا أنها لا تضر ولا تنفع ولا تبطش: طعلمت ما هؤلاء ينطقون "، أي لا يتكلمون فيخبرونا: من صنع هذا بها، وما تبطش بالأيدي فنصدقك، يقول الله عز وجل: " ثم نكسوا على رؤسهم لقد علمت ما هؤلاء ينطقون "، اي نكسوا رؤسهم في الحجة عليهم لإبراهيم حين جادلهم، فقال عند ذلك إبراهيم حين ظهرت الحجة عليهم بقولهم: " لقد علمت ما هؤلاء ينطقون، قال أفتعبدون من دون الله مالا ينفعكم شيئًا ولا يضركم أفٍ كم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون " قال: وحاجة قومه عند ذلك في الله جل ثناؤه يستوصفونه إياه ويخبرونه أن آلهتم خير مما يعبد، فقال: " أتحاجوني في الله وقد هدانِ "، إلى قوله: " فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون " يضرب لهم الأمثال، ويصرف لهم العبر، ليعلموا أن الله هو أحق أن يخاف ويعبد مما يعبدون من دونه.
قال أبو جعفر: ثم إن نمرود - فيما يذكرون - قال لإبراهيم: أرأيت إلهك هذا الذي تعبد وتدعو إلى عبادته، وتذكره من قدرته التي تعظمه بها على غيره ما هو؟ " قال إبراهيم ربي الذي يحيى ويميتُ "، فقال نمرود: فأنا " أحيى وأميتُ "، فقال له إبراهيم: كيف تحيى وتميت؟ قال: آخذ الرجلين قد استوجبا القتل في حكمي، فأقتل أحدهما فأكون قد أمته، وأعفو عن الآخر فأتركه فأكون قد أحييته، فقال له إبراهيم عند ذلك: " فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب "، فعرف أنه كما يقول، فبهت عند ذلك نمرود ولم يرجع إليه شيئًا، وعرف أنه لا يطيق ذلك. يقول الله عز وجل: " فبهت الذي كفر "، يعني وقعت عليه الحجة.
قال: ثم إن نمرود وقومه أجمعوا في إبراهيم فقالوا: " حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين ".
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، عن الحسن بن دينار، عن ليث بن أبي سليم، عن مجاهد، قال: تلوت هذه الآية على عبد الله بن عمر، فقال: أتدري يا مجاهد، قال: تلوتُ هذه الآية على عبد الله بن عمر، فقال: أتدري يا مجاهد، من الذي أشار بتحريق إبراهيم عليه السلام بالنار؟ قال: قلت: لا، قال: رجل من أعراب فارس، قال: قلت: يا أبا عبد الرحمن، وهل للفرس أعراب؟ قال: نعم، الكردُ هم أعراب فارس، فرجل منهم هو الذي أشار بتحريق إبراهيم بالنار.
حدثني يعقوب، قال: حدثنا ابن علية، عن ليث، عن مجاهد في قوله: " حرقوه وانصروا آلهتكم " قال: قالها رجل من أعراب فارس - يعني الأكراد.
وحدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، قال: أخبرني وهب بن سليمان، عن شعيب الجبائي، قال: إن اسم الذي قال حرقوه " هينون "، فخسف الله به الأرض. فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة.
ثم رجع الحديث إلى حديث ابن إسحاق.
قال: فأمر نمرود، بجمع الحطب، فجمعوا له صلاب الحطب من أصناف الخشب، حتى أن كانت المرأة من قرية إبراهيم - فيما يذكر - لتنذر في بعض ما تطلب مما تحب أن تدرك: لئن أصابته لتحطبن في نار إبراهيم التي يحرق بها احتسابًا في دينها، حتى إذا أرادوا أن يلقوه فيها قدّموه وأشعلوا في كل ناحية من الحطب الذي جمعوا له، حتى إذا اشعلت النار، واجتمعوا لقذفه فيها، صاحت السماء والأرض وما فيها من الخلق إلا الثقلين - فيما يذكرون - إلى الله عز وجل صيحة واحدة: أي ربنا! إبراهيم ليس في أرضك أحدٌ يعبدك غيره، يحرق بالنار فيك! فأذن لنا في نصرته، فيذكرون - والله أعلم - أن الله عز وجل حين قالوا ذلك قال: إن استغاث بشيء منكم أو دعاه فلينصره، فقد أذنت له في ذلك، فإن لم يدعُ غيري فأنا وليه، فخلو بيني وبينه، فأنا أمنعه، فلما ألقوه فيها قال: " يا نارُ كوني بردًا وسلامًا على إبراهيم "، فكانت كما قال الله عز وجل.
وحدثني موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسباط، عن السدي قال: " قالوا ابنوا له بنيانًا فألقوهُ في الجحيم "، قال: فحبسوه في بيت، وجمعوا له خطبًا حتى أن كانت المرأة لتمرض فتقول لئن عافاني الله لأجمعن حطبًا لإبراهيم، فلما جمعوا له وأكثروا من الحطب حتى أن كان الطير ليمر بها فيحترق من شدة وهجها وحرها، فعمدوا إليه فرفعوه على رأس البنيان، فرفع إبراهيم رأسه إلى السماء، فقالت السماء والأرض والجبال والملائكة: ربنا! إبراهيم حين رفع رأسه إلى المساء: اللهم أنت الواحد في السماء وأنا الواحد في الأرض، ليس في الأرض أحد يعبدك غيري، حسبي الله ونعم الوكيل! فقذفوه في النار، فناداها فقال: " يا نار كوني بردًا وسلامًا على إبراهيم ". وكان جبرئيل هو الذي ناداها. وقال ابن عباس: لو لم يتبع بردها سلامًا لمات إبراهيم من بردها، فلم تبق يومئذ نار في الأرض إلا طفئت، ظنت أنها تعنى. فلما طفئت النار نظروا إلى إبراهيم فإذا وهو ورجل آخر معه، وإذ رأس إبراهيم في حجره يمسح عن وجهه العرق، وذكر أن ذلك الرجل ملك الظلّ، وأنزل الله نارًا وانتفع بها بنو آدم، فأخرجوا إبراهيم، فأدخلوه على الملك، ولم يكن قبل ذلك دخل عليه.
ثم رجع الحديث إلى حديث ابن إسحاق.
قال: وبعث الله عز وجل ملك الظل في صورة إبراهيم، فقعد فيها إلى جنبه يؤنسه، فمكث نمرود أيامًا لا يشك إلا أن النار قد أكلت إبراهيم وفرغت منه، ثم ركب فمر بها وهي تحرق ما جمعوا لها من الحطب، فنظر إليها، فرأى إبراهيم جالسًا فيها إلى جنبه رجلٌ مثله، فرجع من مركبه ذلك، فقال لقومه: لقد رأيتُ إبراهيم حيًا في النار، ولقد شبه علي، ابنوا لي صرحًا يشرف بي على النار حتى أشتثبت، فبنوا له صراحًا، فأشرف عليه فاطلع منه إلى النار، فرأى إبراهيم جالسًا فيها، ورأى الملك قاعدًا إلى جنبه في مثل صورته، فناداه نمرود: يا إبراهيم، كبيرٌ إلهك الذي بلغت قدرته وعزته أن حال بين ما أرى وبينك، حتى لم تضرك يا إبراهيم، هل تستطيع أن تخرج منها؟ قال: نعم، قال: هل تخشى إن أقمت فيها أن تضرك؟ قال: لا، قال: فقم واخرج منها، فقام إبراهيم يمشي فيها حتى خرج منها، فلما خرج إليه قال: يا إبراهيم، من الرجل الذي رأيتُ معك في مثل صورتك قاعدًا إلى جنبك؟ قال: ذلك ملك الظل، أرسله إلى ربي ليكون معي فيها ليؤنسني، وجعلها علي بردًا وسلامًا. فقال نمرود - فيما حدثت -: يا إبراهيم، إني مقرّب إلى إلهك قربانًا لما رأيت من عزته وقدرته، ولما صنع بك حين أبيت إلا عبادته وتوحيده، إني ذابح له أربعة آلاف بقرة. فقال له إبراهيم: إذًا لا يقبل الله منك ما كنتَ على شيء من دينك هذا حتى تفارقه إلى ديني! فقال: يا إبرهيم، لا أستطيع ترك ملكي، ولكني سوف أذبحها له، فذبحها نمرود، ثم كف عن إبراهيم، ومنعه الله عز وجل منه.