وقد اختلف في اللذين رفعهما يوسف على العرش، وأجلسهما عليه، فقال بعضهم: كان أحدهما أبوه يعقوب، والآخر أمه راحيل. وقال آخرونَ: بلْ كان الآخر خالته ليا وكانت أمه قد كانت ماتت قبل ذلك. وخرّ له يعقوب وأمه وولده يعقوب سجَّدًا.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: " وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا " قال: كانت تحية الناس أن يسجد بعضهم لبعض، وقال يوسف لأبيه: " يا أبت هذا تأويلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًَّا:، يعني بذلك: هذا السجود منكم، يدل على تأويل رؤياي التي رأيتها من قبل، صنع إخوتي بي ما صنعوا، وتلك الكواكب الأحد عشر والشمس والقمر " قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًَّا ". يقول: قد حقق الرؤيا بمجيء تأويلها.
وقيل كان بين أن أرِيَ يوسف رؤياه هذه ومجيء تأويلها أربعون سنة.
ذكر بعض من قال ذلك
حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا معتَمر، عن أبيه، قال: حدثنا أبو عثمان، عن سلمان الفارسي، قال: كان بين رؤيا يوسف إلى أن رأى تأويلها أربعون سنة.
وقال بعضهم: كان بين ذلك ثمانون سنة.
ذكر بعض من قال ذلك
حدثنا عمرو بن علي، قال: حدثنا عبد الوهاب الثقفي، قال: حدثنا هشام، عن الحسن، قال: كان منذ فارق يوسف يعقوب إلى أن التقيا ثمانون سنة، لم يفارق الحزنُ قلبَه ودموعُه تجري على خدَّيه، وما على الأرض يومئذ أحبُّ إلى الله عز وجل من يعقوب.
حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا داود بن مِهْران، قال: حدثنا عبد الواحد بن زياد، عن يونس، وكان بين ذلك وبين لقائه يعقوب ثمانون سنة، وعاش بعد ذلك ثلاثًا وعشرين سنة، ومات وهو ابن عشرين ومائة سنة.
حدثني الحارث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا مبارك بن فَضَالة، عن الحسن، قال: ألْقيَ يوسف في الجبّ، وهو ابن سبع عشرة سنة، فغاب عن أبيه ثمانين سنة، ثم عاش بعد ما جمع الله شمله، ورأى تأويل رؤياه ثلاثًا وعشرين سنة، فمات وهو ابن عشرين ومائة سنة.
وقال بعض أهل الكتاب: دخل يوسف مصر وله سبع عشرة سنة، فأقام في منزل العزيز ثلاث عشرة سنة، قلما تمت له ثلاثون سنة استوزره فرعون ملك مصر، واسمه الريان بن الوليد بن ثروان بن أراشة بن قاران بن عمرو بن عملاق بن لاوذ بن سام بن نوح، وأنّ هذا الملك آمن، ثم مات، ثم ملك بعده قابوس بن مصعب بن معاوية بن نمير بن السلواس بن قاران بن عمرو ابن عملاق بن لاوذ بن سام بن نوح. وكان كافرًا، فدعاه يوسف إلى الإيمان بالله فلم يستجب إليه، وأن يوسفَ أوصّى إلى أخيه يهوذا، ومات وقد أتت له مائة وعشرون سنة، وأنّ فِراق يعقوب إياه كان اثنتين وعشرين سنة، وأن مقام يعقوب معه بمصر كان بعد موافاته بأهله سبع عشرة سنة، وأن يعقوب لما حضرتْه الوفاة أوصى إلى يوسف - وكان دخول يعقوب مصر في سبعين إنسانًا من أهله. وتقدم إلى يوسف عند وفاته أن يحمّل جسده حتى يدفنه بجنب أبيه إسحاق، ففعل يوسف ذلك به ومضى به حتى دفته بالشأم، ثم انصرف إلى مصر، وأوصى يوسف أن يحمَل جسده حتى يدفَن إلى جنب آبائه، فحمل موسى تابوت جسده عند خروجه من مصر معه.
وحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: ذُكر لي - والله أعلم - أن غيبة يوسف عن يعقوب كانت ثمانيَ عشرة سنة.
قال: وأهلُ الكتاب يزعمون أنها كانت أربعين سنة أو نحوها، وأنّ يعقوب بَقيَ مع يوسف بعد أن قدم عليه مصر سبع عشرة سنة، ثم قبضه الله إليه. قال: وقبر يوسف - كما ذكر لي في - صندوق من مرمر في ناحية من النيل في جوف الماء.
وقال بعضهم: عاش يوسف بعد موت أبيه ثلاثًا وعشرين سنة، ومات وهو ابن مائة وعشرين سنة. قال: وفي التوراة أنه عاش مائة سنة وعشرين سنين.
وولد ليوسف أفراييم بن يوسف ومنشا بن يوسف، فولد لإفراييم نون، فولد لنون إفراييم يوشع بن نون وهو فتى موسى، وولد لمنشا موسى بن منشا.
وقيل: إن موسى بن منشا نبّئ قبل موسى بن عمران.
ويزعم أهل التوراة أنه الذي طلب الخضر.
قصة الخضر وخبره وخبر موسى وفتاه يوشع عليهم السلام

قال أبو جعفر: كان الخضر ممن كان في أيام أفريدون الملك بن أثفيان في قول عامّة أهل الكتاب الأوّل، وقبل موسى بن عمران . وقيل إنه كان على مقدمة ذي القَرْنين الأكبر، الذي كان أيام إبراهيم خليل الرحمن ، وهو الذي قضى له ببئر السبع - وهي بئر كان إبراهيم احتفرها لماشيته في صحراء الأردنّ - وإنّ قومًا من أهل الأردنّ ادّعوا الأرض التي كان احتفر بها إبراهيم بئره، فحاكمهم إبراهيم إلى ذي القرنين الذي ذكر أن الخَضِر كان على مقدمته أيامَ سَيْره في البلاد، وإنه بلغ مع ذي القرنين نهرَ الحياة، فشرب من مائه وهو لا يعلم، ولا يعلم به ذو القرنين ومن معه، فخلِّد، فهو حي عندهم إلى الآن.
وزعم بعضهم أنه من ولد مَن كان آمن بإبراهيم خليل الرحمن، واتبعه على دينه، وهاجر معه من أرض بابل حين هاجر إبراهيم منها. وقال: اسمه بليا بن ملكان بن فالغ بن عابر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح، قال: وكان أبوه ملكًا عظيمًا.
وقال: آخرون ذو القرنين الذي كان على عهد إبراهيم هو أفريدون بن أثفيان، قال: وعلى مقدمته كان الخضر.
وقال عبد الله بن شوذب فيه ما حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم المصري قال: حدثنا محمد بن المتوكل، قال: حدثنا ضمرة بن ربيعة، عن عبد الله بن شَوْذب، قال: الخضر من ولد فارس، وإلياس من بني إسرائيل، يلتقيان في كلّ عام بالموسم.
وقال ابن إسحاق فيه ما حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني ابن إسحاق، قال: بلغني أنه استخلف الله عز وجل في بني إسرائيل رجلًا منهم، يقال له ناشية بن أموص، فبعث الله عز وجل لهم الخضر نبيًَّا. قال: واسم الخضر - فيما كان وهب بن منبّه يزعم عن بني إسرائيل - أو رميا بن خلقيا، وكان من سبْط هارون بن عمران. وبين هذا الملك الذي ذكره ابن إسحاق وبين أفريدون أكثر من ألف عام.
وقول الذي قال: إن الخضر كان في أيام أفريدون وذي القرنين الأكبر وقبل موسى بن عمران أشبه بالحق إلا أن يكون الأمر كما قاله مًنْ قال إنه كان على مقدمة ذي القرنين صاحب إبراهيم، فشرب ماء الحياة، فلم يبعث في أيام إبراهيم نبيًّا، وبعث أيام ناشية بن أموص؛ وذلك أنّ ناشية بن أموص الذي ذكر ابن إسحاق أنه كان ملكًا على بني إسرائيل، كان في عهد بشتاسب بن لهراسب، وبين بشتاسب وبين أفريدون من الدهور والأزمان ما لا يجهله ذو علم بأيام الناس وأخبارهم، وسأذكر مبلغ ذلك إذا انتهينا إلى خبر بشتاسب إن شاء الله تعالى.
وإنما قلنا: قول من قال: كان الخضر قبل موسى بن عمران أشبهُ بالحق من القول الذي قاله ابن إسحاق وحكاه عن وهب بن منبّه، للخبر الذي رَوَىَ عن رسول الله أبي بن كعب، أنّ صاحب موسى بن عمران - وهو العالم الذي أمره الله تبارك بطلبه إذ ظن أنه لا أحدَ في الأرض أعلم منه - هو الخضر، ورسول الله كان أعلمَ خلق الله بالكائن من الأمور الماضية، والكائن منها الذي لم يكن بعد.
والذي روى أبي بن كعب في ذلك عنه ما حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا يحيى بن آدم، قال: حدثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن سعيد، قال: قلت لابن عباس: إن نوفًا يزعم أن الخضر ليس بصاحب موسى، فقال كذبَ عدو الله، حدثنا أبي بن كعب عن رسول الله قال: إن موسى قام في بني إسرائيل خطيبًا فقيل: أي الناس أعلم. فقال: أنا، فعتب الله عليه حين لم يردّ العلم إليه، فقال: بل عبدٌ لي عند مجمع البحرين، فقال: يا ربّ، كيف به؟ قال: تأخذ حوتًا فتجعله في مكْتل فحيث تفقده فهو هناك. قال: فأخذ حوتًا فجعله في مكتل، ثم قال لفتاه: إذا فقدتَ هذا الحوت فأخبرني. فانطلقا يمشيان على ساحل البحر حتى أتيا صخرة، فرقّد موسى فاضطرب الحوت في المكتل، فخرج فوقع في البحر، فأمسك الله عنه جَرْية الماء فصار مثل الطاق، فصار للحوت سرَبًا، وكان لهما عجبًا. ثم انطلقا، فلما كان حين الغذاء قال موسى لفتاه: " آتِنَا غَذَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هذَا نَصَبًا " قال: ولم يجد موسى النصَب حتى جاوز حيث أمَره الله، قال: فقال: " أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إلَى الصَّخْرَةِ فإني نَسِيتُ الحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إلَّا الشَّيْطانُ أَنْ أذْكُرَهُ وَاُتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي البَحْرِ عَجَبًا " قال: فقال: " ذَلكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا ". قال: يقّصان آثارهما. قال: فأتيا الصخرة فإذا رجل نائم مسجَّى بثوبه، فسلّم عليه موسى فقال: وأنَّى بأرضنا السلام! قال: أنا موسى، قال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم، قال: يا موسى، إني على علْم من علم الله، علَّمنيه الله لا تعلمه، وأنت على علم من علم الله علّمكه الله لا أعلمه، قال: فإني أتبعك على أن تعلمني ممَّا عُلمْتَ رُشْدًا. " قال فَإِنِ اُتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا ". فانطلقا يمشيان على الساحل، فإذا بملاح في سفينة، فعرف الخضر، فحمله بغير نَوْل، فجاء عصفور فوقع على حرفها فنقر - أو فنقد - في الماء، فقال الخضر لموسى: ما ينقص علمي وعلمك من علم الله إلا مقدار ما نقر - أو نقد - هذا العصفور من البحر.
قال أبو جعفر: أنا أشكُّ، وهو في كتابي هذا " نقر " قال: فبينما هم في السفينة لم يُفجأ موسى إلا وهو يتد وتدًا أو ينزع تخْتًا منها، فقال له يا موسى: حمَلنا بغير نَوْل وتخرقها لتُغْرقَ أهْلها! " لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إمْرًا، قَالَ أَلَمْ أقُلْ إنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيْعَ مَعِيَ صَبْرًا لَا تُؤاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ " - قال: فكانت الأولى من موسى نسيانًا - قال: ثم خرجا فانطلقا يمشيان، فأبصرا غلامًا يلعب مع الغلمان، فأخذ برأسه فقتله، فقال له موسى: " أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَاكِيَةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا، أَلَمْ أقُلْ إنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيْعَ مَعِيَ صَبْرًا، قَالَ إنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذرًا ".