ليغفرَ لنا خَطايانا وما أكرهْتَنا عليه من السِّحر والله خيرٌ وأبقى "، أي خير منك ثوابًا، وأبقى عقابًا. فرجع عدوُّ الله مغلوبًا وملعونًا ثم أبى إلا الإقامة على الكفر، والتمادي في الشر، فتابع الله عليه بالآيات، وأخذه بالسنين، فأرسل عليه الطوفان. ما أكرهْتَنا عليه من السِّحر والله خيرٌ وأبقى "، أي خير منك ثوابًا، وأبقى عقابًا. فرجع عدوُّ الله مغلوبًا وملعونًا ثم أبى إلا الإقامة على الكفر، والتمادي في الشر، فتابع الله عليه بالآيات، وأخذه بالسنين، فأرسل عليه الطوفان. رجع الحديث إلى حديث السدي. وأما السدي فإنه قال في خبره: ذُكِرَ أن الآيات التي ابتلى الله بها قوم فرعون كانت قبل اجتماع موسى والسحرة، وقال: لما رجع إليهم ملطخًا بالدم قال: قد قتلنا إله موسى. ثم إن الله أرسل عليهم الطوفان - وهو المطر - فغرق كل شيء لهم، فقالوا: يا موسى ادع لنا ربك يكشفْ عنا، ونحن نؤمن لك ونرسل معك بني إسرائيل. فكشفه الله عنهم، ونبتت زروعهم، فقالوا: ما يسرّنا أنا لم نُمْطَر. فبعث الله عليهم الجراد فأكل حروثهم، فسألوا موسى أن يدعوَ ربَّه فيكشفه ويؤمنوا به، فدعا فكشفه، وقد بقي من زروعهم بقية، فقالوا: لن نؤمن وقد بقي لنا من زروعنا بقية، فبعث الله عليهم الدبا - وهو القُمّل -، فلحس الأرض كلَّها، وكان يدخل بين ثوب أحدهم وبين جلده فيعضّه، وكان أحدُهم يأكل الطعام فيمتلئ دبًا حتى إنّ أحدهم ليبني الأسطوانة بالجصّ والآجرّ فيُزلقها حتى لا يرتقي فوقها شيء من الذباب، ثم يرفع فوقها الطعام؛ فإذا صعد إليه ليأكله وجده ملآن دبًا، فلم يصبهم بلاء كان أشدّ عليهم من الدبا؛ وهو الرِّجز الذي ذكره الله في القرآن أنه وقع عليهم. فسألوا موسى أن يدعوَ ربه فيكشفه عنهم ويؤمنوا به، فلما كُشف عنهم أبوّا أن يؤمنوا، فأرسل الله عليهم الدم، فكان الإسرائيلي يأتي هو والقبطي فيستقيان من ماء واحد، فيخرج ماء هذا القبطي دمًا، ويخرج للإسرائيلي ماء. فلما اشتدّ ذلك عليهم سألوا موسى أن يكشفه ويؤمنوا به فكُشف ذلك عنهم، فأبوا أن يؤمنوا، فذلك حين يقول الله: " فلمّا كشفْنا عنهمُ العذابَ إذا همْ يَنْكُثُون " ما أعطوْا من العهود، وهو حين يقول: " ولقد أخذْنا آل فرعون بالسنين " - وهو الجوع - " ونقصٍ من الثَّمرات لعلّهم يذّكّرون ".
ثم إن الله عز وجل أوحى إلى موسى وهارون أن " قُولَا قولًا ليِّنًا لعلّه يتذَكّرُ أو يخشى "، فأتياه فقال له موسى: هل لك يا فرعون في أن أعطيَك شبابك ولا تهرم، وملكك ولا ينزع منك، ويردّ إليك لذّة المناكح والمشارب والركوب، فإذا متّ دخلت الجنة؟ تؤمن بي! فوقعت في نفسه هذه الكلمات، وهي اللينة، فقال: كما أنت حتى يأتي هامان. فلما جاء هامان قال له: أشعرت أن ذلك الرجل أتاني؟ قال: من هو؟ - وكان قبل ذلك إنما يسميه الساحر، فلما كان ذلك اليوم لم يسمّه الساحر - قال فرعون: موسى، قال: وما قال لك؟ قال: قال لي: كذا وكذا، قال هامان: وما رددت عليه؟ قال: قلت: حتى يأتيَ هامان فأستشيره، فعجّزه هامان وقال: قد كان ظنّي بك خيرًا من هذا، تصير عبدًا يعبد بعد أن كنتَ ربًا يُعبد! فذلك حين خرج عليهم فقال لقومه وجمعهم فقال: " أنا ربُّكُمُ الأعلى ". وكان بين كلمته " ما علمت لكم من إلهٍ غيري " وبين قوله: " أنا ربُّكُمُ الأعلى " أربعون سنة. وقال لقومه: " إنّ هذا لساحرٌ عليمٌ، يريد أن يُخرجَكُم من أرضِكم بسحرِهِ فماذا تأمرون، قالوا أرْجِهِ وأخاه وابعث في المدائن حاشرين، يأتوك بكل سحّار عليم ". قال فرعون: " أجئتنا لتُخرجَنا من أرضنا بسحرك يا موسى، فلنأتينك بسحرٍ مثلَه فاجعل بيننا وبينك موعدًا لا تُخلفه نحن ولا أنت مكانا سُوىً " - يقول: عدلًا، قال موسى: " موعدكم يومُ الزينة وان يُحشرَ الناس ضُحىً " - وذلك يوم عيد لهم - " فتولّى فرعون فجمع كيده ثم أتى ". وأرسل فرعون في المدائن حاشرين؛ فحشَروا عليه السحرة، وحشروا الناس ينظرون، يقول: " هل أنتم مجتمِعون، لعلّنا نتبع السحرة إنْ كانوا همُ الغالبين " - إلى قوله: " أئن لنا لأجْرًا إنْ كنّا نحن الغالبين " - يقول: عطية تعطينا - " قال نعمْ وإنّكم إذًا لمِنَ المقرّبين ". فقال لهم موسى: " ويلكم لا تفتروا على الله كذِبًا فيُسْحِتكُم بعذابٍ "، يقول: يهلككم بعذاب. " فتنازعوا أمرَهم بينهم وأسرّوا النجوى "، من دون موسى وهارون، وقالوا في نجواهم: " إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضِكم بسحرهما ويذهبا بطريقتِكمُ المثلى "، يقول: يذهبا بأشراف قومكم.
فالتقى موسى وأمير السحرة، فقال له موسى: أرأيتك إن غلبتك أتؤمن بي وتشهد أن ما جئت به حق؟ قال: نعم، قال الساحر: لآتينّ غدًا بسحر لا يغلبه سحر، فوالله لئن غلبتني لأومننّ بك، ولأشهدنّ أنك على حق - وفرعون ينظر إليهما - وهو قول فرعون: " إنْ هذا لمكرٌ مكرتُموه في المدينةِ "، إذ التقيتما لتتظاهرا " لتُخرجوا منها أهلها " فقالوا: " يا موسى إما أن تُلقيَ وإما أن نكون نحن المُلقينَ "، قال لهم موسى: ألقوا فألقوا حبالهم وعصيَّهم - وكانوا بضعة وثلاثين ألف رجل، ليس منهم إلا ومعه حبل وعصا - " قلما ألقوا سحروا أعينَ الناس واسترهبهم " يقول: فرّقوهم. " فأوجَسَ في نفسِهِ خيفةً موسى "، فأوحى الله إليه: ألا تخف، " وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا ". فألقى موسى عصاه فأكلت كلَّ حية لهم، فلما رأوا ذلك سجدوا، وقالوا: " آمنا برب العالمين موسى وهارون ". قال فرعون: " فلأقطِّعنّ أيديكم وأرجلكم من خِلافٍ ولأصلّبنّكم في جُذوع النخل " فقتلهم وقطَّعهم - كما قال عبد الله بن عباس - حين قالوا: " ربّنا أفرغْ علينا صَبْرًا وتوفّنا مسلمين ". قال: كانوا في أول النهار سَحرة، وفي آخر النهار شهداء.
ثم أقبل على بني إسرائيل فقال له قومه: " أتذَرُ موسى وقوْمَهُ ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك "، وآلهتُه - فيما زعم ابن عباس - كانت البقر، كانوا إذا رأوا بقرة حسناء أمرهم أن يعبدوها، فلذلك أخرج لهم عجلًا بقرة.
ثم إن الله تعالى ذكره أمر موسى أن يخرج ببني إسرائيل فقال: " أنْ أسْر بعبادي " ليلًا " إنّكم متّبَعون ". فأمر موسى بني إسرائيل أن يخرجوا، وأمرهم أن يستعيروا الحلي من القبط، وامر ألا ينادي إنسان صاحبَه، وأن يُسرجوا في بيوتهم حتى الصبح، وأنّ من خرج إذا قال: موسى، قال: " عمرو " وأمر من خرج يلطخ بابه بكفّ من دم حتى يعلم أنه قد خرج. وإن الله أخرج كل ولد زنا في القبْط من بني إسرائيل إلى بني إسرائيل، وأخرج كلّ ولد زنا في بني إسرائيل من القبط إلى القبط، حتى أتوْا آباءهم.
ثم خرج موسى ببني إسرائيل ليلًا والقبط لا يعلمون، وقد دعوا قبْل ذلك على القبط، فقال موسى: " ربنا إنك آتيْتَ فرعون وملأه زينةً وأمْوالًا في الحياة الدُّنيا " إلى قوله: " حتى يروا العذاب الأليم "، فقال الله تعالى: " قد أُجِيبت دعْوتُكما " فزعم السدي أن موسى هو الذي دعا وأمّن هارون، فذلك حين يقول الله: " قد أُجِيبت دعْوتُكما ".
وقوله: " ربّنا اطْمِسْ على أموالِهم " فذكِرَ أم طمْس الأموال أنه جعل دراهمهم ودنانيرهم حجارة، ثم قال لهما استقيما، فخرجا في قومهما، وألفِّيَ على القبط الموتَ، فمات كل بِكْر رجل، فأصبحوا يَدفنونهم، فشُغلوا عن طلبهم حتى طلعت الشمس؛ فذلك حين يقول الله: " فأَتبَعوهم مُشرِفينَ ".
وكان موسى على سَاقه بني إسرائيل، وكان هارون أمامَهم يقدمهم، فقال المؤمن لموسى: يا نبي الله، أين أمِرت؟ قال: البحر، فأراد أن يقتحم فمنعه موسى. وخرج موسى في ستمائة ألف وعشرين ألف مقاتل، لا يُعدُّون ابن العشرين لصغره ولا ابن الستين لِكبَره، وإنما عدّوًا ما بين ذلك سوى الذريّة، وتبعهم فرعون، وعلى مقدمته هامان، في ألف ألف وسبعمائة حصان، ليس فيها ماذيانة، وذلك حين يقول الله: " فأرْسلَ فرعون في المدائنِ حاشرينَ، إن هؤلاء لشرذمةٌ، وإنهم لنا لغائظون " - يعني بني إسرائيل - " وإنا لجميعٌ حاذرون " -، يقول: قد حذرنا فأجمعنا أمرنا، " فلمّا تراءى الجمعان "، فنظرت بنو إسرائيل إلى فرعون قد ردفهم، قالوا: " إنا لمدرِكون ". قالوا: يا موسى، أوذينا من قبل أن تأتينا، كانوا يذبّحون أبناءنا، ويستحيون نساءنا، ومن بعد ما جئتنا اليوم يدركنا فرعون فيقتلنا! إنا لمدركون، البحر من بين أيدينا وفرعون من خلفنا، قال موسى: " كلَّا إنّ معيَ ربي سيهدينِ "، يقول: سيكفيني، " قال عسى ربُّكم أن يُهلك عدوّكم ويستخلفكم في الأرضِ فينظُرَ كيف تعملون ". فتقدم هارون فضرب البحر فأبى البحر أن ينفتح، وقال: مَنْ هذا الجبّار الذي يضربني! حتى أتاه موسى فكناه أبا خالد، وضربه، " فانْفَلَقَ فكانَ كُلُّ فِرقٍ كالطُّودِ العظيمِ "، يقول: كالجبل العظيم، فدخلت بنو إسرائيل، وكان في البحر اثنا عشر طريقًا، في كل طريق سِبط، وكأن الطرق إذا انفلقت بجدران. فقال كلّ سبط: قد قتل أصحابنا، فلما رأى ذلك موسى دعا الله فجعلها لهم قناطر كهيئة الطيقان، فنظر أخرُهم إلى أولهم، حتى خرجوا جميعًا؛ ثم دنا فرعون وأصحابه، فلما نظر فرعون إلى البحر منفلقًا قال: ألا ترون البحر فرق مني، وقد تفتّح لي حتى أدرك أعدائي فأقتلهم! فذلك قول الله: " وأزلفنا ثمّ الآخرين "، يقول: قرّبنا ثمَّ الآخرين؛ هم آل فرعون.
فلما قام فرعون على أفواه الطرق أبت خيلُه أن تقتحم، فنزل جبرئيل على ماذيانة، فشمّت الحُصْن ريح الماذيانة فاقتحمت في أثرها حتى إذا همّ أوّلُهم أن يخرج ودخل آخرُهم، أمر البحر أن يأخذهم فالتطم عليهم، وتفرد جبرئيل بفرعون بمَقْلةٍ من مَقل البحر، فجعل يُدسُّها فيه، فقال حين أدركه الغرق: " آمنتُ أنه لا إله إلا الذي أمنتْ بنو إسرائيل وأنا من المُسلمين "، فبعث الله إليه ميكائيل يعيّره، قال: " آلآن وقد عصيْتَ قبلُ وكنت من المُفْسِدين ". فقال جبرئيل: يا محمد، ما أبغضت أحدًا من الخلق ما أبغضتُ رجلين: أما أحدهما فمن الجنّ وهو إبليس حين أبى أن يسجد لآدم، وأما الآخر فهو فرعون حين قال: " أنا ربُّكُمُ الأعلى "، ولو رأيتني يا محمد، وأنا آخذ مَقْل البحر فأدخله في فم فرعون مخافة أن يقول كلمة يرحمه الله بها! وقالت بنو إسرائيل: لم يغرق فرعون، الآن يدركنا فيقتلنا، فدعا الله موسى: فأخرج فرعون في ستمائة ألف وعشرين ألفًا، عليهم الحديد فأخذته بنو إسرائيل يمثّلون به، وذلك قول الله لفرعون: " فاليوم ننجّيك ببدَنك لتكون لمن خلفَك آية "؛ يقول: لبني إسرائيل آية. فلما أرادوا أن يسيروا ضُرب عليهم تيهٌ، فلو يدروا أين يذهبون، فدعا موسى مشيخة بني إسرائيل فسألهم: ما بالُنا؟ فقالوا له: إن يوسف لما مات بمصر أخذ على إخوته عهدًا ألّا تخرجوا من مصر حتى تخرجوني معكم، فذلك هذا الأمر، فسألهم: أين موضع قبره؟ فلم يعلموا، فقام موسى ينادي: أنشِد الله كلَّ منْ كان يعلم أين موضع قبر يوسف إلا أخبرني به، ومن لم يعلم فصمَّتْ أذناه عن قولي! وكان يمرّ بين الرجلين ينادي فلا يسمعان صوته، حتى سمعته عجوز لهم فقالت: أسأل ربي، فأمره الله عز وجل أن يعطيَها، فأتاها فأعطاها، فقالت: إني أريد ألا تنزلَ غُرْفة من الجنة إلا نزلتُها معك، قال: نعم، قالت: إني عجوز كبيرة لا أستطيع أن أمشِيَ فاحملْني، فلما دنا من النيل، قالت: إنه في جوف الماء، فادعُ الله أن يُحسِر عنه الماء، فدعا الله فحسر الماء عن القبر، فقالت: احفره، ففعل فحمل عظامه، ففتح لهم الطريق، فساروا، " فأَتَوْا على قومٍ يعْكفُون على أصنامٍ لهُم قالوا يا موسى اجعلْ لنا إلهًا كما لهم آلهةٌ قال إنّكم قومٌ تَجْهَلون، إنّ هؤلاء متبّرٌ ما هم فيه " - يقول: مهلك ما هم فيه - " وباطلٌ ما كانوا يَعمَلون ".
فأما ابنُ إسحاق، فإنه قال: - فيما حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا ابن سلمة عنه - فتابع الله عليه بالآيات - يعني على فرعون - وأخذه بالسنين إذ أبى أن يؤمن بعد ما كان من أمره وأمر السحرة ما كان، فأرسل عليه الطوفان، ثم الجراد، ثم القمَّل، ثم الضفادع، ثم الدم آيات مفصّلات، أي آية بعد آية، يتبع بعضُها بعضًا، فأرسل الطوفانَ وهو الماء، ففاض على وجه الأرض ثم ركد، لا يقدرون على أن يحرثوا، ولا يعملوا شيئًا، حتى جهدوا جوعًا. فلما بلغهم ذلك قالوا: يا موسى ادع لنا ربك، " لئن كشَفْتَ عنّا الرِّجْزَ لنَومِننَّ لكَ ولنُرسِلنَّ مَعَكَ بني إسرائيل ". فدعا موسى ربع فكشفه عنهم فلم يفوا له بشيء مما قالوا، فأرسل الله عليهم الجراد فأكل الشجر - فيما بلغني حتى أنه كان ليأكل مسامير الأبواب من الحديد حتى تقع دورهم ومساكنهم، فقالوا مثل ما قالوا، فدعا ربه فكشفه عنهم فلم يفوا لي بشيء مما قالوا، فأرسل الله عليهم القمّل. فذكر لي أن موسى أمِر أن يمشيَ إلى كثيب فيضربه بعصاه فمشى إلى كثيب أهيَل عظيم فضربه بها فانثال عليهم قمَّلًا حتى غلب على البيوت والأطعمة، ومعهم النوم والقرار، فلما جهدهم قالوا له مثل ما قالوا، فدعا ربّه فكشف عنهم فلم يفوا له بشيء مما قالوا، فأرسل الله عليهم الضفادع، فملأت البيوت والأطعمة والآنية فلا يكشف أحد منهم ثوبًا ولا طعامًا ولا إناء إلا وجدَ فيه الضفادع قد غلبتْ عليه، فلما جهدهم ذلك قالوا له مثل ما قالوا، فدعا ربه فكشف عنهم فلم يفُوا له بشيء مما قالوا، فأرسل الله عليهم الدم فصارت مياه آل فرعون دمًا، لا يستقون من بئر ولا نهر ولا يغترفون من إناء إلا عادت دمًا عبيطًا.
حدثنا محمد بن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، عن محمد بن كعب القرظي أنه حدث أن المرأة من آل فرعون كانت تأتِي المرأةَ من بني إسرائيل حين جهدهم العطش، فتقول: اسقيني من مائك، فتغرف لها من جَرتها أو تصُبّ لها من قربتها، فيعود في الإناء دمًا، حتى إن كانت لتقول لها: اجعليه في فيك ثم مجّيه في في، فتأخذ في فيها ماء، فإذا مجّته في فمها صار دمًا، فمكثوا في ذلك سبعة أيام، فقالوا: " ادْعُ لنا ربّك بما عهِد عندَك لئن كشفت عنا الرِّجْزَ لنؤمننّ لك ولنُرسِلنّ معك بني إسرائيل ". فلما كشِف عنهم الرجز نكثوا ولم يفُوا بشيء مما قالوا، فأمر الله موسى أن يسير، وأخبره أنه منجيه ومن معه، ومهلك، فرعون وجنوده، وقد دعا موسى عليهم بالطَّمْسة؛ فقال: " ربنا إنك آتيْتَ فرعون ومَلأَهُ زينةً وأموالًا في الحياة الدنيا ربنا ليضلّوا عن سبيلك " - إلى - " ولا تتَّبعانَّ سبيل الذين لا يعلمون ". فمسخ الله أموالهم حجارة: النخل والرقيق والأطعمة، فكانت إحدى الآيات التي أراهنَّ الله فرعون.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن بُرَيدة ابن سفيان بن فروة الأسلمي، عن محمد بن كعب القرظي، قال: سألني عمر بن عبد العزيز عن التسع الآيات التي أراهنّ الله فرعون، فقلت: الطوفان، والجراد، والقمّل، والضفادع، والدم، عصاه، ويده والطمسة، والبحر. فقال عمر: فأنّى عرفت أن الطمسة إحداهنّ؟ قلت: دعا عليهم موسى وأمّن هارون، فمسخ الله أموالهم حجارة، فقال: كيف يكون الفقه إلا هكذا! ثم دعا بخريطة فيها أشياء مما كان أصيب لعبد العزيز بن مروان بمصر؛ إذ كان عليها من بقايا أموال آل فرعون، فأخرج البيضة مقْشورة نصفين؛ وإنها لحجر، والجوزة مقشورة وإنها لحجر، والحمُصة، والعدسة.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد، عن رجل من أهل الشأم كان بمصر، قال: قد رأيت النخلة مصروعة، وإنها لحجّر، وقد رأيت إنسانًا ما شككت أنه إنسان وإنه لحجر، من رقيقهم، فيقول الله عز وجل: " ولقد أتيْنا موسى تسع آياتٍ بيّناتٍ " إلى قوله " مثبورًا " يقول: شقيًا.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن يحيى بن عروة بن الزبير، عن أبيه، أن الله حين أمر موسى بالمسير ببني إسرائيل أمرَه أن يحتمل يوسفَ معه حتى يضعه بالأرض المقدسة، فسأل موسى عمّن يعرف موضعَ قبره، فما وجد إلا عجوزًا من بني إسرائيل، فقالت: يا نبي الله، أنا أعرف مكانه. إن أنت أخرجتني معك، ولم تخلفني بأرض مصر دللتك عليه قال: أفعل، وقد كان موسى وعد بني إسرائيل أن يسير بهم إذا طلع الفجر، فدعا ربه أن يؤخر طلوعه حتى يفرغ من أمر يوسف، ففعل، فخرجت به العجوز حتى أرته إياه في ناحية من النيل في الماء، فاستخرجه موسى صندوقًا من مرمر، فاحتمله معه. قال عروة: فمن ذلك تحمِل اليهود موتاها من كل أرض إلى الأرض المقدسة.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: كان - فيما ذُكر لي - أن موسى قال لبني إسرائيل فيما أمره الله به: استعيروا منهم المتعة والحُلي والثياب فإني منفِّلكم أموالَهم مع هلاكهم؛ فلما أذّن فرعون في الناس كان مما يحرّض به على بني إسرائيل أن قال حين ساروا: لم يرضُوا أن خرجوا بأنفسهم حتى ذهبوا بأموالكم معهم.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمد ابن كعب القرظي، عن محمد عبد الله بن شداد بن الهاد، قال: لقد ذكِرَ لي أنه خرج فرعون في طلب موسى على سبعين ألفًا دُهم الخيل سوى ما في جنده من شيات الخيل، وخرج موسى حتى إذا قابله البحر ولم يكن عنه منصرف طلع فرعون في جنده من خلفهم، " فلمّا تراءى الجمْعانِ قال أصحابُ موسى إنّا لمدركون، قال كلَّا إن معيَ ربي سيهدينِ "، أي للنجاة، وقد وعدني ذلك ولا خُلف لموعوده.