حنقًا على سبطين حلا يثربًا ** أولى لهم بعقاب يوم مفسد
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: وقد كان قدم على تبع قبل ذلك شافع بن كليب الصدفي، وكان كاهنًا، فأقام عنده، فلما أراد توديعه قال تبع: ما بقي من علمك؟ قال: بقى خبر ناطق، وعلم صادق، قال: فهل تجد لقومٌ ملكًا يوازي ملكي؟ قال: لا إلا لملك غسان نجل، قال: فهل تجد ملكًا يزيد عليه؟ قال: نعم، قال: ولمن؟ قال أجده لبار مبرور، أيد بالقهور، ووصف في الزبور، وفضلت أمته في السفور، يفرج الظلم بالنور، أحمد النبي، طوبى لأمته حين يجيء، أحد بن لؤي، ثم أحد بني قصي. فبعث تبع إلى الزبور فنظر فيها، فإذا هو يجد صفة للنبي .
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عمن حدثه، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس وغيره من علماء أهل اليمن، ممن يروى الأحاديث، فحدث بعضهم بعض الحديث، وكل ذلك قد اجتمع في هذا الحديث: أن ملكًا من لخم، كان باليمن فيما بين التبابعة من حمير، يقال له: ربيعة بن نصر، وقد كان قبل ملكه باليمن ملك تبع الأول، وهو زيد بن عمرو ذي الأذعار بن أبرهة ذي المنار بن الرائش بن قيس بن صيفي ابن سبأ الأصغر بن كهف الظلم بن زيد بن سهل بن عمرو بن قيس بن معاوية ابن جشم بن وائل بن الغوث بن قطن بن عريب بن زهير بن أيمن بن هميسع ابن العرنجج حمير بن سبأ الأكبر بن يعرب بن يشجب بن قحطان. وكان اسم سبأ عبد شمس؛ وإنما سمى سبأ - فيما يزعمون - لأنه كان أول من سبى في العرب.
فهذا بيت مملكة حمير الذي فيه كانت التبابعة، ثم كان بعد تبع الأول زيد بن عمرو، وشمر يرعش بن ياسر ينعم بن عمرو ذي الأذعار، ابن عمه. وشمر يرعش الذي غزا الصين وبنى سمرقند وحير الحيرة، وهو الذي يقول:
أناشمرٌأبو كرب اليماني ** جلبت الخيل من يمنٍ وشامٍ
لآتي أعبدًا مردوا علينا ** وراء الصين في عثم ويام
فنحكم في بلادهم بحكمٍ ** سواء لا يجاوزه غلامٌ
القصيدة كلها.
قال: ثم كان بعد شمر يرعش بن ياسر ينعم تبع الأصغر، وهو تبان أسعدأبو كرب بن ملكيكرب بن زيد بن تبع الأول بن عمرو ذي الأذعار، وهو الذي قدم المدينة، وساق الحبرين من يهود إلى اليمن، وعمر البيت الحرام وكساه، وقال ما قال من الشعر فكل هؤلاء ملكه قبل ملك ربيعة بن نصر اللخمي؛ فلما هلك ربيعة بن نصر؛ رجع ملك اليمن كله إلى حسان بن تبان أسعد أبي كرب بن ملكيكرب بن زيد بن عمرو ذي الأذعار.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني ابن إسحاق عن بعض أهل العلم أن ربيعة بن نصر رأى رؤيا هالته، وفظع بها، فلما رآها بعث في أهل مملكته، فلم يدع كاهنًا ولا ساحرًا ولا عائفًا ولا منجمًا إلا جمعه إليه، ثم قال لهم: إني قد رأيت رؤيا هالتني وفظعت بها، فأخبروني بتأويلها، قالوا له: اقصصها علينا لنخبرك بتأويلها، قال: إني إن أخبرتكم بها لم أطمئن إلى خبركم عن تأويلها، إنه لا يعرف تأويلها إلا من يعرفها قبل أن أخبره بها. فلما قال لهم ذلك قال رجل من القوم الذين جمعوا لذلك: فإن كان الملك يريد هذا فليبعث إلى سطيح وشق، فإنه ليس أحدٌ أعلم منهما، فهما يخبرانك بما سألت - واسم سطيح ربيع بن ربيعة بن مسعود بن مازن بن ذئب بن عدي بن مازن بن غسان، وكان يقال لسطيح: الذئبي، لنسبته إلى ذئب بن عدي. وشق بن صعب بن يشكر بن رهم بن أفرك بن نذير بن قيس بن عبقر بن أنمار. فلما قالوا له ذلك بعث إليهما، فقدم عليه قبل شق سطيح، ولم يكن في زمانهما مثلهما من الكهان، فلما قدم عليه سطيح دعاه فقال له: يا سطيح، إني قد رأيت رؤيا هالتني وفظعت بها، فأخبرني بها فإنك إن أصبتها أصبت تأويلها، قال - أفعل، رأيت جمجمة - قال أبو جعفر: وقد وجدته في مواضع أخر، رأيت حممة - خرجت من ظلمة، فوقعت بأرض ثهمة، فأكلت منها كل ذات جمجمة. فقال له الملك: ما أخطأت منها شيئًا يا سطيح، فما عندك في تأويلها؟ فقال: أحلف بما بين الحرتين من حنش، ليهبطن أرضكم الحبش، فليملكن ما بين أبين إلى جرش. قال له الملك: وأبيك يا سطيح؛ إن هذا لغائظ موجع، فمتى هو كائن يا سطيح؟ أفي زماني أم بعده؟ قال: لا بل بعده بحين، أكثر من ستين أو سبعين، يمضين من السنين. قال: فهل يدوم ذلك من ملكهم أو ينقطع؟ قال: بل ينقطع لبضع وسبعين، يمضين من السنين، ثم يقتلون بها أجمعون، ويخرجون منها هاربين. قال الملك: ومن ذا الذي يلي ذلك من قتلهم وإخراجهم؟ قال: يليه إرم ذي يزن، يخرج عليهم من عدن، فلا يترك منهم أحدًا باليمن. قال أفيدوم ذلك من سلطانه أو ينقطع؟ قال: بل ينقطع. قال: ومن يقطعه؟ قال: نبي زكي، يأتيه الوحي من العلي. قال: وممن هذا النبي؟ قال: رجل من ولد غالب بن فهر بن مالك بن النضر، يكون الملك في قومه إلى آخر الدهر، قال: وهل للدهر يا سطيح من آخر؟ قال: نعم. يوم يجمع فيه الأولون والآخرون. ويسعد فيه المحسنون، ويشقى فيه المسيئون. قال: أحقٌ ما تخبرنا يا سطيح؟ قال: نعم، والشفق والغسق، والفلق إذا اتسق، إن ما أنبأتك به لحق.
فلما فرغ قدم عليه شق، فدعاه، فقال له: يا شق، إني قد رأيت رؤيا هالتني وفظعت بها، فأخبرني عنها، فإنك إن أصبتها أصبت تأويلها - كما قال لسطيح؛ وقد كتمه ما قال سطيح لينظر أيتفقان أم يختلفان - قال: نعم، رأيت جمجمة، خرجت من ظلمة، فوقعت بين روضة وأكمة، فأكلت منها كل ذات نسمة. فلما رأى ذلك الملك من قولهما شيئًا واحدًا، قال له: ما أخطأت يا شق منها شيئًا، فما عندك في تأويلها؟ قال: أحلف بما بين الحرتين من إنسان، لينزلن أرضكم السودان، فليغلبن على كل طفلة البنان، وليملكن ما بين أبين إلى نجران. فقال له الملك: وأبيك يا شق إن هذا لنا لغائظ موجع، فمتى هو كائن؟ أفي زماني أم بعده؟ قال: بل بعدك بزمان، ثم يستنقذكم منه عظيم ذو شان، ويذيقهم أشد الهوان. قال: ومن هذا العظيم الشان؟ قال: غلام ليس بدني ولا مدن، يخرج من بيت ذي يزن، قال: فهل يدوم سلطانه أو ينقطع؟ قال: بل ينقطع برسول مرسل، يأتي بالحق والعدل، بين أهل الدين والفضل؛ يكون الملك في قومه إلى يوم الفصل، قال: وما يوم الفصل؟ قال: يوم يجزى فيه الولاة، يدعى من السماء بدعوات، يسمع منها الأحياء والأموات، ويجمع فيه الناس للميقات، يكون فيه لمن اتقى الفوز والخيرات. قال: أحق ما تقول يا شق؟ قال: إي ورب السماء والأرض، وما بينهما من رفع وخفض؛ إن ما نبأتك لحق ما فيه أمض. فلما فرغ من مسألتهما، وقع في نفسه أن الذي قالا له كائن من أمر الحبشة، فجهز بنيه وأهل بيته إلى العراق بما يصلحهم، وكتب لهم إلى ملك من ملوك فارس يقال له سابور بن خرزاذ، فأسكنهم الحيرة، فمن بقية ربيعة بن نصر كان النعمان بن المنذر ملك الحيرة، وهو النعمان بن المنذر بن النعمان ابن المنذر بن عمرو بن عدي بن ربيعة بن نصر. ذلك الملك في نسب أهل اليمن وعلمهم.