فحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، عن إسماعيل بن أبي حكيم مولى آل الزبير، أنه حدث عن خديجة أنها قالت لرسول الله ص فيما يثبته فيما أكرمه الله به من نبوته: يا بن عم، أتستطيع أن تخبرني بصاحبك هذا الذي يأتيك إذا جاءك؟ قال: نعم، قالت: فإذا جاءك فأخبرني به، فجاءه جبرئيل عليه السلام كما كان يأتيه، فقال رسول الله ص لخديجة: يا خديجة هذا جبرئيل قد جاءني، فقالت: نعم، فقم يا بن عم، فاجلس على فخذي اليسرى، فقام رسول الله ص فجلس عليها، قالت: هل تراه؟ قال: نعم، قالت: فتحول فاقعد على فخذي اليمنى، فتحول رسول الله ص فجلس عليها، فقالت: هل تراه؟ قال: نعم، قالت: فتحول فاجلس في حجري، فتحول فجلس في حجرها، قالت: هل تراه؟ قال: نعم، فتحسرت، فألقت خمارها ورسول الله ص جالسٌ في حجرها، ثم قالت: هل تراه؟ قال: لا، فقالت: يا بن عم، اثبت وأبشر؛ فوالله إنه لملكٌ وما هو بشيطان.
فحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، قال: وحدثت بهذا الحديث عبد الله بن الحسن، فقال: قد سمعت أمي فاطمة بنت الحسين تحدث بهذا الحديث عن خديجة، إلا أني قد سمعتها تقول: أدخلت رسول الله ص بينها وبين درعها، فذهب عند ذلك جبرئيل، فقالت لرسول الله ص: إن هذا لملك، وما هو بشيطان.
حدثنا ابن المثنى، قال: حدثنا عثمان بن عمر بن فارس، قال: حدثنا علي بن المبارك، عن يحيى - يعني ابن أبي كثير - قال: سألت أبا سلمة: أي القرآن أنزل أول؟ فقال: " يأيها المدثر "، فقلت: يقولون: " اقرأ باسم ربك "! فقال أبو سلمة: سألت جابر بن عبد الله أيٌ القرآن أنزل أول؟ فقال: " يأيها المدثر "، فقلت: " اقرأ باسم ربك الذي خلق "، فقال: لا أخبرك إلا ما حدثنا النبي ، قال: جاورت في حراء، فلما قضيت جواري، هبطت فاستنبطت الوادي، فنوديت، فنظرت عن يميني وعن شمالي، وخلفي وقدامي، فلم أر شيئًا، فنظرت فوق رأسي، فإذا هو جالسٌ على عرشٍ بين السماء والأض، فخشيت منه - قال ابن المثنى: هكذا قال عثمان بن عمر، وإنما هو " فجئثت منه " - فلقيت خديجة، فقلت: دثروني، فدثروني، وصبوا علي ماءً، وأنزل علي: " يأيها المدثر قم فأنذر ".
حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع، عن علي بن المبارك، عن يحيى بن أبي كثير، قال: سألت أبا سلمة عن أول ما نزل من القرآن، قال: نزلت: " يأيها المدثر "، أول، قال: قلت: إنهم يقولون: " اقرأ باسم ربك الذي خلق "، فقال: سألت جابر بن عبد الله، فقال: لا أحدثك إلا ما حدثنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، قال: جاورت بحراء، فلما قضيت جواري، هبطت فسمعت صوتًا، فنظرت عن يميني فلم أر شيئًا، وعن شمالي فلم أر شيئًا، ونظرت أمامي فلم أر شيئًا، ونظرت خلفي فلم أر شيئًا، فرفعت رأسي، فرأيت شيئًا، فأتيت خديجة، فقلت: دثروني، وصبوا علي ماءً، قال: فدثروني وصبوا علي ماءً باردًا، فنزلت: " يأيها المدثر ".
وحدثت عن هشام بن محمد، قال: أتى جبريل رسول الله ص أول ما أتاه ليلة السبت، وليلة الأحد، ثم ظهر له برسالة الله عز وجل يوم الاثنين، فعلمه الوضوء، وعلمه الصلاة، وعلمه: " اقرأ باسم ربك الذي خلق "، وكان لرسول الله ص يوم الاثنين، يوم أوحي إليه أربعون سنة.
حدثني أحمد بن محمد بن حبيب الطوسي، قال: حدثنا أبو داود الطيالسي، قال: أخبرنا جعفر بن عبد الله بن عثمان القرشي، قال: أخبرني عمر بن عروة بن الزبير، قال: سمعت عروة بن الزبير يحدث عن أبي ذر الغفاري قال: قلت: يا رسول الله، كيف علمت أنك نبي أول ما علمت، حتى علمت ذلك واستيقنت؟ قال: يا أبا ذر، أتاني ملكان وأنا ببعض بطحاء مكة، فوقع أحدهما في الأرض والآخر بين السماء والأرض، فقال أحدهما لصاحبه: أهو هو؟ قال: هو هو، قال: فزنه برجل، فوزنت برجل فرجحته، ثم قال: زنه بعشرة، فوزنني بعشرة فرجحتهم، ثم قال: زنه بمائة، فوزنني بمائة فرجحتهم، ثم قال: زنه بألف، فوزنني بألف فرجحتهم، فجعلوا ينتثرون على من كفة الميزان، قال: فقال: أحدهما للآخر: لو وزنته بأمته رجحها. ثم قال أحدهما لصاحبه: شق بطنه، فشق بطني، ثم قال أحدهما: أخرج قلبه - أو قال: شق قلبه - فشق قلبي، فأخرج منه مغمز الشيطان وعلق الدم، فطرحها، ثم قال أحدهما للآخر: اغسل بطنه غسل الإناء، واغسل قلبه غسل الإناء - أو اغسل قلبه غسل الملاءة - ثم دعا بالسكينة، كأنها وجه هرة بيضاء فأدخلت قلبي، ثم قال أحدهما لصاحبه: خط بطنه، فخطا بطنى، وجعلا الخاتم بين كتفي، فما هو إلا أن وليا عنى فكأنما أعاين الأمر معاينة.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن الزهري، قال: فتر الوحي عن رسول الله ص فترةً، فحزن حزنًا شديدًا، جعل يغدو إلى رءوس شواهق الجبال ليتردى منها، فكلما أوفى بذروة جبل تبدى له جبرئيل، فيقول: إنك نبي الله؛ فيسكن لذلك جأشه، وترجع إليه نفسه، فكان النبي ص يحدث عن لك، قال: فبينما أنا أمشي يومًا، إذ رأيت الملك الذي كان يأتيني بحراء، على كرسي بين السماء والأرض، فجئثت منه رعبًا، فرجعت إلى خديجة، فقلت: زملوني، فزملناه - أي دثرناه - فأنزل الله عز وجل: " يأيها المدثر، قم فأنذر، وربك فكبر، وثيابك فطهر "، قال الزهري: فكان أول شيء أنزل عليه: " اقرأ باسم ربك الذي خلق " حتى بلغ " ما لم يعلم ".
حدثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني يونس، عن ابن شهاب، قال: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن، أن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: قال رسول الله ص وهو يحدث عن فترة الوحي: بينا أنا أمشي سمعت صوتًا من السماء، فرفعت رأسي، فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض. قال رسول الله ص: فجئثت منه فرقًا، وجئت فقلت: زملوني، زملوني! فدثروني، فأنزل الله عز وجل: " يأيها المدثر، قم فأنذر، وربك فكبر " إلى قوله: " والرجز فاهجر "، قال: ثم تتابع الوحي.
قال أبو جعفر: فلما أمر الله عز وجل نبيه محمدًا ص أن يقوم بإنذار قومه عقاب الله على ما كانوا عليه مقيمين من كفرهم بربهم وعبادتهم الآلهة والأصنام دون الذي خلقهم ورزقهم؛ وأن يحدث بنعمة ربه عليه بقوله: " وأما بنعمة ربك فحدث "، وذلك - فيما زعم ابن إسحاق - النبوة.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: " وأما بنعمة ربك فحدث "، أي ما جاءك من الله من نعمته وكرامته من النبوة فحدث؛ اذكرها وادع إليها. قال فجعل رسول الله ص يذكر ما أنعم الله عليه وعلى العباد به من النبوة سرًا إلى من يطمئن إليه من أهله؛ فكان أول من صدقه وآمن به واتبعه من خلق الله - فيما ذكر - زوجته خديجة رحمها الله.
حدثني الحارث، قال: حدثنا ابن سعد، قال: قال الواقدي: أصحابنا مجمعون على أن أول أهل القبلة استجاب لرسول الله ص خديجة بنت خويلد رحمها الله.
قال أبو جعفر: ثم كان أول شيء فرض الله عز وجل من شرائع الإسلام عليه بعد الإقرار بالتوحيد والبراءة من الأوثان والأصناكم وخلع الأنداد الصلاة - فيما ذكر.