أما بعد؛ فإن رسول الله محمدًا النبي أرسل إلى زرعة ذي يزن أن إذا أتتكم رسلي فأوصيكم بهم خيرًا: معاذ بن جبل، وعبد الله بن زيد ومالك بن عبادة، وعقبة بن نمر، ومالك بن مرة وأصحابهم؛ وأن اجمعوا ما عندكم من الصدقة والجزية من مخالفيكم وبلغوها رسلي، وإن أميرهم معاذ بن جبل؛ فلا ينقلبن إلا راضيًا.
أما بعد؛ فإن محمدًا يشهد أن لا إله إلا الله وأنه عبده ورسوله؛ ثم إن مالك بن مرة الرهاوي قد حدثني أنك أسلمت من أول حمير، وقتلت المشركين فأبشر بخير، وآمرك بحمير خيرًا، ولا تخونوا ولا تخذلوا فإن رسول الله مولي غنيكم وفقيركم؛ وإن الصدقة لا تحل لمحمد ولا لأهله؛ إنما هي زكاة يتزكى بها على فقراء المؤمنين وأبناء السبيل؛ وإن مالكًا قد بلغ الخبر وحفظ الغيب، وآمركم به خيرًا، وإني قد بعثت إليكم من صالحي أهلي وأولى ديني، وأولى علمهم؛ فآمركم بهم خيرًا فإنه منظور إليهم؛ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
حوادث متفرقة
قال الواقدي: وفيها قدم وفد بهراء على رسول الله ثلاثة عشر رجلًا، ونزلوا على المقداد بن عمرو.
قال: وفيها قدم وفد بني البكاء.
وفيها قدم وفد بني فزارة؛ وهم بضعة عشر رجلًا، فيهم خارجة بن حصن.
قال: وفيها نعي رسول الله للمسلمين النجاشي، وأنه مات في رجب سنة تسع.
قال: وفيها حج أبو بكر بالناس ثم خرج أبو بكر من المدينة في ثلثمائة، وبعث معه رسول الله بعشرين بدنة، وساق أبو بكر خمس بدنات. وحج فيها عبد الرحمن بن عوف وأهدي.
وبعث رسول الله علي بن أبي طالب عليه السلام على أثر أبي بكر رضي الله عنه، فأدركه بالعرج، فقرأ علي عليه براءة يوم النحر عند العقبة. فحدثني محمد بن الحسين، قال: حدثنا أحمد بن المفضل، قال: حدثنا أسباط؛ عن السدي، قال: لما نزلت هذه الآيات إلى رأس الأربعين - يعني من سورة براءة - فبعث بهن رسول الله مع أبي بكر، وأمره على الحج، فلما سار فبلغ الشجرة من ذي الحليفة أتبعه بعلي، فأخذها منه؛ فرجع أبو بكر إلى النبي ، فقال: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي! أنزل في شأني شيء؟ قال: لا؛ ولكن لا يبلغ عني غيري أو رجل مني. أما ترضى يا أبا بكر أنك كنت معي في الغار، وأنك صاحبي على الحوض! قال: بلى يا رسول الله. فسار أبو بكر على الحج، وسار على يؤذن ببراءة، فقام يوم الأضحى فآذن فقال: لا يقربن المسجد الحرام مشرك بعد عامه هذا، ولا يطوفن بالبيت عريان، ومن كان بينه وبين رسول الله عهد فله عهده إلى مدته، وإن هذه أيام أكل وشرب، وإن الله لا يدخل الجنة إلا من كان مسلمًا. فقالوا: نحن نبرأ من عهدك وعهد ابن عمك إلا من الطعن والضرب.
فرجع المشركون فلام بعضهم بعضًا، وقالوا: ما تصنعون وقد أسلمت قريش! فأسلموا.
حدثني الحارث بن محمد، قال: حدثنا عبد العزيز بن أبان، قال: حدثنا أبو معشر، قال: حدثنا محمد بن كعب القرظي وغيره، قالوا: بعث رسول الله أبا بكر أميرًا على الموسم سنة تسع، وبعث علي بن أبي طالب بثلاثين أو أربعين آية من براءة، فقرأها على الناس، يؤجل المشركين أربعة أشهر يسيحون في الأرض، فقرأ عليهم براءة يوم عرفة، أجل المشركين عشرين يومًا من ذي الحجة والمحرم وصفر وشهر ربيع الأول وعشرًا من ربيع الآخر، وقرأها عليهم في منازلهم، ولا يحجن بعد عامنا هذا مشرك، ولا يطوفن بالبيت عريان.
قال أبو جعفر: وفي هذه السنة فرضت الصدقات، وفرق فيها رسول الله عماله على الصدقات.
وفيها نزل قوله: " خذ من أموالهم صدقة تطهرهم "؛ وكان السبب الذي نزل ذلك به قصة أمر ثعلبة بن حاطب، ذكر ذلك أبو أمامة الباهلي.
قال الواقدي: وفي هذه السنة ماتت أم كلثوم ابنة رسول الله في شعبان، وغسلتها أسماء بنت عميس وصفية بنت عبد المطلب. قال: وقيل غسلتها نسوة من الأنصار، فيهن أمرأة يقال لها أم عطية، ونزل في حفرتها أبو طلحة.
قال: وفيها قدم وفد ثعلبة بن منقذ.
قدوم ضمام بن ثعلبة وافدا عن بني سعد

وفيها قدم وفد سعد هذيم. حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: حدثني سلمة بن كهيل ومحمد بن الوليد بن نويفع، عن كريب مولي ابن عباس، عن عبد الله بن عباس، قال: بعث بنو سعد بن بكر ضمام بن ثعلبة إلى رسول الله ص، فقدم عليه؛ فأناخ بعيره على باب المسجد ثم عقله، ثم دخل المسجد ورسول الله ص جالس في أصحابه، وكان ضمام بن ثعلبة رجلًا جلدًا أشعر ذا غديرتين، فأقبل حتى وقف على رسول الله ص في أصحابه، فقال: أيكم ابن عبد المطلب؟ قال: قال رسول الله: أنا ابن عبد المطلب، قال: محمد؟ قال: نعم، قال: يا بن عبد المطلب، إني سائلك ومغلظ لك في المسألة، فلا تجدن في نفسك! قال: لا أجد في نفسي، فسل عما بدا لك، قال: أنشدك بالله إلهك وإله من كان قبلك وإله من هو كائن بعدك، آلله بعثك إلينا رسولًا؟ قال: اللهم نعم، قال: فأنشدك بالله إلهك وإله من كان قبلك وإله من هو كائن بعدك، آلله أمرك أن نأمرنا أن نعبده وحده، ولا نشرك به شيئًا، وأن نخلع هذه الأنداد التي كانت آباؤنا تعبد من دونه؟ قال: اللهم نعم، قال: فأنشدك بالله إلهك وإله من كان قبلك وإله من هو كائن بعدك، آلله أمرك أن تأمرنا أن نصلي هذه الصلوات الخمس؟ قال: اللهم نعم. قال: ثم جعل يذكر فرائض الإسلام فريضة فريضة؛ الزكاة، والصيام، والحج، وشرائع اإسلام كلها، يناشده عن كل فريضة كما ناشده في التي قبلها، حتى إذا فرغ قال: فإني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا رسول الله، وسأؤدي هذه الفرائض وأجتنب ما نهيتني عنه، ثم لا أنقص ولا أزيد. ثم انصرف إلى بعيره راجعًا. فقال رسول الله ص حين ولي: إن صدق ذو العقيصتين يدخل الجنة. قال: فأتى بعيره فأطلق عقاله، ثم خرج حتى قدم على قومه، فأجتمعوا إليه، فكان أول ما تكلم به أن قال: باست اللات والعزي! قالوا: مه يا ضمام! أتق البرص، اتق الجذام، اتق الجنون! قال: ويحكم، إنهما والله لا ينفعان ولا يضران؛ إن الله قد بعث رسولا، وأنزل عليه كتابًا، استنقذكم به مما كنتم فيه؛ وإني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ وأن محمدًا عبده ورسوله، وقد جئتكم من عنده بما أمركم به ونهاكم عنه.
قال: فوالله ما أمسى ذلك اليوم في حاضره رجل ولا امرأة إلا مسلما. قال: يقول ابن عباس: فما سمعنا بوافد قوم كان أفضل من ضمام بن ثعلبة.