قدوم الأشعث بن قيس في وفد كندة

قال أبو جعفر: وفيها وفد كندة؛ رأسهم الأشعث بن قيس الكندي؛ فحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن ابن شهاب الزهري، قال: قدم على رسول الله ص الأشعث ابن قيس في ستين راكبًا من كندة، فدخلوا على رسول الله مسجده، وقد رجلوا جممهم، وتكحلوا، عليهم جبب الحبرة؛ قد كففوها بالحرير؛ فلما دخلوا على رسول الله ص، قال: ألم تسلموا؟ قالوا: بلى، قال: فما بال هذا الحرير في أعناقكم؟ قال: فشقوه منها فألقوه، ثم قال الأشعث: يا رسول الله؛ نحن بنو آكل المرار، وأنت ابن آكل المرار، فتبسم رسول الله، ثم قال: ناسبوا بهذا النسب العباس ابن عبد المطلب وربيعة بن الحارث. قال: وكان ربيعة والعباس تاجرين؛ فكانا إذا ساحا في أرض العرب فسئى من هما؟ قالا: نحن بنو آكل المرار؛ يتعززان بذلك؛ وذلك أن كندة كانت ملوكًا، فقال رسول الله : نحن بنو النضر بن كنانة لا نقفو أمنا، ولا ننتفي من أبينا. فقال الأشعث بن قيس: هل عرفتم يا معشر كندة! والله لا أسمع رجلًا قالها بعد اليوم إلا ضربته حده ثمانين.
قال الواقدي: وفيها قدم وفد محارب وفيها قدم وفد الرهاويين.
وفيها قدم وفد العاقب والسيد من نجران، فكتب لهما رسول الله ص كتاب الصلح.
قال: وفيها قدم وفد عبس.
وفيها قدم وفد صدف، وافوا رسول الله ص في حجة الوداع.
قال: وفيها قدم عدي بن حاتم الطائي، في شعبان.
وفيها مات أبو عامر الراهب عند هرقل، فاختلف كنانة بن عبد ياليل وعلقمة بن علاثة في ميراثه، فقضى به لكنانة بن عبد ياليل. قال: هما من أهل المدر، وأنت من أهل الوبر.
قدوم رفاعة بن زيد الجذامي

قال: وفيها قدم وفد خولان، وهم عشرة.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني ابن إسحاق، قال: حدثني يزيد بن أبي حبيب، قال: قدم على رسول الله ص في هدنة الحديبية قبل خيبر رفاعة بن زيد الجذامي ثم الضبيبي؛ فأهدى لرسول الله غلامًا، وأسلم فحسن إسلامه، وكتب له رسول الله إلى قومه كتابًا، في كتابه: بسم الله الرحمن الرحيم؛ هذا كتاب من محمد رسول الله لرفاعة بن زيد؛ إني بعثته إلى قومه عامة ومن دخل فيهم، يدعوهم إلى الله وإلى رسوله؛ فمن أقبل فمن حزب الله وحزب رسوله، ومن أدبر فله أمان شهرين. فلما قدم رفاعة على قومه، أجابوا وأسلموا، ثم ساروا إلى الحره؛ حرة الرجلاء فنزلوها.
فحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عمن لا يتهم، عن رجال من جذام كانوا بها علماء، أن رفاعة بن زيد، لما قدم من عند رسول الله ص بكتابه يدعوهم إلى الإسلام، فاستجابوا له، لم يلبث أن أقبل دحيه بن خليفة الكلبي من عند قيصر صاحب الروم، حين بعثه رسول الله ومعه تجارة له؛ حتى إذا كان بواد من أوديتها، يقال له: شنار؛ أغار على دحية الهنيد بن عوض وابنه عوص بن الهنيد، الضليعيان - والضليع بطن من جذام - فأصابا كل شيء كان معه؛ فبلغ ذلك نفرًا من بني الضبيب قوم رفاعة ممن كان أسلم وأجاب، فنفروا إلى الهنيد وابنه، فيهم من بني الضبيب النعمان بن أبي جعال، حتى لقوهم، فاقتتلوا، وانتمى يومئذ قرة بن أشقر الضفاري ثم الضليعي، فقال: أنا ابن لبنى؛ ورمى النعمان بن أبي جعال بسهم فأصاب ركبته، فقال حين أصابه: خذها وأنا ابن لبنى - وكانت له أم تدعى لبنى - قال: وقد كان حسان بن ملة الضبيبي قد صحب دحية بن خليفة الكلبي قبل ذلك؛ فعلمه أم الكتاب؛ فاستنقذوا ما كان في يد الهنيد وابنه عوص، فردوه على دحية؛ فسار دحية حتى قدم على رسول الله، فأخبره خبره، واستسقاه دم الهنيد وابنه؛ فبعث إليهم رسول الله زيد بن حارثة - وذلك الذي هاج غزوة زيد جذامًا، وبعث معه جيشًا - وقد وجهت غطفان من جذام كلها ووائل ومن كان من سلامان وسعد بن هذيم حين جاءهم رفاعة بن زيد بكتاب رسول الله؛ فنزلوا بالحرة؛ حرة الرجلاء، ورفاعة بن زيد بكراع ربة ولم يعلم، ومعه ناس من بني الضبيب وسائر بني الضبيب بواد من ناحية الحرة مما يسيل مشرقًا، وأقبل جيش زيد بن حارثة من ناحية الأولاج؛ فأغار بالفضافض من قبل الحرة، وجمعوا ما وجدوا من مال وأناس، وقتلوا الهنيد وابنه ورجلين من بني الأحنف، ورجلًا من بني خصيب؛ فلما سمعت بذلك بنو الضبيب والجيش بفيفاء مدان، ركب حسان بن ملة على فرس لسويد بن زيد يقال لها العجاجة، وأنيف بن ملة على فرس لملة، يقال لها رغال، وأبو زيد بن عمرو على فرس له يقال لها شمر؛ فانطلقوا حتى إذا دنوا من الجيش، قال أبو زيد لأنيف بن ملة: كف عنا وانصرف؛ فإنا نخشى لسانك، فانصرف فوقف عنهما، فلم يبعدا منه؛ فجعل فرسه تبحث بيدها وتوثب؛ فقال: لأنا أضن بالرجلين منك بالفرسين؛ فأرخى لها حتى أدركهما؛ فقالا له: أما إذ فعلت ما فعلت، فكف عنا لسانك ولا تشأمنا اليوم، وتواطئوا ألا يتكلم منهم إلا حسان بن ملة؛ وكانت بينهم كلمة في الجاهلية؛ قد عرفوها؛ بعضهم من بعض؛ إذا أراد أحدهم أن يضرب بسيفه قال: " ثوري ".
فلما برزوا على الجيش أقبل القوم يبتدرونهم؛ فقال حسان: إنا قوم مسلمون؛ وكان أول من لقيهم رجل على فرس أدهم بائع رمحه يقول معرضه: كأنما ركزه على منسج فرسه جد وأعتق؛ فأقبل يسوقهم، فقال أنيف: " ثوري "، فقال حسان: مهلًا! فلما وقفوا على زيد بن حارثة قال له حسان: إنا قوم مسلمون، فقال له زيد: فاقرأ أم الكتاب، فقرأها حسان، فقال زيد بن حارثة: نادوا في الجيش، إن الله قد حرم علينا ثغرة القوم التي جاءوا منها إلا من ختر؛ وإذا أخت لحسان ابن ملة - وهي امرأة أبي وبر بن عدي بن أمية بن الضبيب - في الأساري. فقال له زيد: خذها، فأخذت بحقويه، فقالت أم الفزر الضليعية: أتنطلقون ببناتكم، وتذرون أمهاتكم! فقال أحد بني خصيب: إنها بنو الضبيب! وسحرت ألسنتهم سائر اليوم؛ فسمعها بعض الجيش؛ فأخبر بها زيد بن حارثة؛ فأمر بأخت حسان؛ ففكت يداها من حقويه، فقال لها: اجلسي مع بنات عمك حتى يحكم الله فيكن حكمه؛ فرجعوا؛ ونهى الجيش أن يهبطوا إلى واديهم الذي جاءوا منه، فأمسوا في أهليهم؛ واستعتموا ذودًا لسويد بن زيد؛ فلما شربوا عتمتهم ركبوا إلى رفاعة بن زيد؛ وكان ممن ركب إلى رفاعة تلك الليلة أبو زيد بن عمرو وأبو شماس بن عمرو، وسويد بن زيد، وبعجة بن زيد، وبرذع بن زيد، وثعلبة بن عمرو، ومخرية بن عدي، وأنيف بن ملة، حسان بن ملة؛ حتى صبحوا رفاعة ابن زيد بكراع ربة بظهر الحرة على بئر هنالك من حرة ليلى، فقال له حسان بن ملة: إنك لجالس تحلب المعزى ونساء جذام يجررن أساري قد غرها كتابك الذي جئت به! فدعا رفاعة بن زيد بجمل له؛ فجعل يشكل عليه رحله؛ وهو يقول:
هل أنت حي أو تنادي حيا