ذكر الخبر عن بدء مرض رسول الله الذي توفي فيه وما كان منه قبيل ذلك لما نعيت إليه نفسه ص

قال أبو جعفر: يقول الله عز وجل: " إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجًا فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابًا ". قد مضى ذكرنا قبل ما كان من تعليم رسول الله ص أصحابه - في حجته التي حجها المسماة حجة الوداع، وحجة التمام، وحجة البلاغ - مناسكهم ووصيته إياهم، بما قد ذكرت قبل في خطبته التي خطبها بهم فيها.
ثم إن رسول الله ص انصرف من سفره ذلك بعد فراغه من حجه إلى منزله بالمدينة في بقية ذي الحجة، فأقام بها ما بقي من ذي الحجة والمحرم والصقر.
ثم دخلت سنة إحدى عشرة

ذكر الأحداث التي كانت فيها

قال أبو جعفر: ثم ضرب في المحرم من سنة إحدى عشرة على الناس بعثًا إلى الشأم، وأمر عليهم مولاه وابن مولاه أسامة بن زيد بن حارثة، وأمره - فيما حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن عبد الرحمن بن الحارث بن عباس بن أبي ربيعة - أن يوطئ الخيل تخوم البلقاء والداروم من أرض فلسطين، فتجهز الناس، وأوعب مع أسامة المهاجرون الأولون.
فبينا الناس على ذلك ابتدئ ص شكواه التي قبضه الله عز وجل فيها إلى ما أراد به رحمته وكرامته في ليال بقين من ضفر، أو في أول شهر ربيع الأول.
حدثنا عبيد الله بن سعد الزهري، قال: حدثني عمي يعقوب بن إبراهيم قال: أخبرنا سيف بن عمر، قال: حدثنا عبد الله بن سعيد بن ثابت ابن الجزع الأنصاري، عن عبيد بن حنين مولى النبي ص، عن أبي مويهبة مولى رسول الله، قال: رجع رسول الله ص إلى المدينة بعد ما قضى حجة التمام، فتحلل به السير، وضرب على الناس بعثًا، وأمر عليهم أسامة بن زيد وأمره أن يوطئ من آبل الزيت من مشارف الشأم الأرض بالأردن، فقال المنافقون في ذلك، ورد عليهم النبي ص: " إنه لخليق لها - أي حقيق بالإمارة - وإن قلتم فيه لقد قلتم في أبيه من قبل؛ وإن كان لخليقًا لها ". فطارت الأخبار بتحلل السير بالنبي ص أن النبي قد اشتكى، فوثب الأسود باليمن ومسيلمة باليمامة؛ وجاء الخبر عنهما للنبي ص. ثم وثب طليحة في بلاد أسد بعد ما أفاق النبي ص، ثم اشتكى في المحرم وجعه الذي قبضه الله تعالى فيه.
حدثنا ابن سعد، قال: حدثني عمي يعقوب بن إبراهيم قال: أخبرنا سيف، قال: حدثنا هشام بن عروة، عن أبيه؛ قال: اشتكى رسول الله ص وجعه الذي توفاه الله به في عقب المحرم.
وقال الواقدي: بدئ رسول الله ص وجعه لليلتين بقيتا من صفر.
حدثنا عبيد الله بن سعد، قال: حدثني عمي، قال: حدثنا سيف ابن عمر، قال: حدثنا المستنير بن يزيد النخعي، عن عروة بن غزية الدثيني، عن الضحاك بن فيروز بن الديلمى، عن أبيه، قال: إن أول ردة كانت في الإسلام باليمن كانت على عهد رسول الله ص على يدي ذي الخمار عبهلة بن كعب - وهو الأسود - في عامة مذحج. خرج بعد الوداع؛ كان الأسود كاهنًا شعبا ذا، وكان يريهم الأعاجيب، ويسبى قلوب من سمع منطقه، وكان أول ما خرج أن خرج من كهف خبان؛ وهي كانت داره، وبها ولد ونشأ؛ فكاتبته مذحج، وواعدته نجران؛ فوثبوا بها وأخرجوا عمرو بن حزم وخالد بن سعد بن العاص وأنزلوه منزلهما، ووثب قيس بن عبد يغوث على فروة بن مسيك وهو على مراد، فأجلاه ونزل منزله؛ فلم ينشب عبهلة بنجران أن سار إلى صنعاء فأخذها، وكتب بذلك إلى النبي من فعله ونزوله صنعاء؛ وكان أول خبر وقع به عنه من قبل فروة بن مسيك، ولحق بفروة من تم على الإسلام من مذحج، فكانوا باأحسية، ولم يكاتبه الأسود ولم يرسل إليه، لأنه لم يكن معه أحد يشاغبه، وصفا له ملك اليمن.
حدثنا عبيد الله، قال: أخبرني عمي يعقوب، قال: حدثني سيف، قال: حدثنا طلحة بن الأعلم، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: كان النبي ص قد ضرب بعث أسامة فلم يستتب لوجع رسول الله ولخلع مسيلمة والأسود؛ وقد أكثر المنافقون في تأمير أسامة، حتى بلغه؛ فخرج النبي ص على الناس عاصبًا رأسه من الصداع لذلك الشأن وانتشاره، لرؤيا رآها في بيت عائشة: فقال: إني رأيت البارحة - فيما يرى النائم - أن في عضدي سوارين من ذهب؛ فكرهتهما فنفختهما، فطارا، فأولتهما هذين الكذابين - صاحب اليمامة وصاحب اليمن - وقد بلغني أن أقوامًا يقولون في إمارة أسامة! ولعمري لئن قالوا في إمارته، لقد قالوا في إمارة أبيه من قبله! وإن كان أبوه لخليقًا للإمارة، وإنه لخليق لها؛ فأنفذوا بعث أسامة. وقال: لعن الله الذين يتخذون قبور أنبيائهم مساجد!
فخرج أسامة فضرب بالجرف؛ وأنشأ الناس في العسكر، ونجم طليحة وتمهل الناس، وثقل رسول الله ص فلم يستتم الأمر؛ ينظرون أولهم آخرهم، حتى توفي الله عز وجل نبيه ص.
كتب إلي السري بن يحيى، يقول: حدثنا شعيب بن إبراهيم التميمي، عن سيف بن عمر، قال: حدثنا سعيد بن عبيد أبو يعقوب، عن أبي ماجد الأسدي، عن الحضرمي بن عامر الأسدي، قال: سألته عن أمر طليحة ابن خويلد؛ فقال: وقع بنا الخبر بوجع النبي ص، ثم بلغنا أن مسيلمة قد غلب على اليمامة، وأن الأسود قد غلبب على اليمن؛ فلم يلبث إلا قليلًا حتى ادعى طليحة النبوة، وعسكر بسميراء، واتبعه العوام؛ واستكثف أمره؛ وبعث حبال ابن أخيه إلى النبي ص يدعوه إلى الموادعة، ويخبره خبره. وقال حبال: إن الذي يأتيه ذو النون؛ فقال: لقد سمى ملكًا، فقال حبال: أنا ابن خويلد، فقال النبي ص: قتلك الله وحرمك الشهادة! وحدثني عبيد الله بن سعد، قال: أخبرنا عمي يعقوب، قال: أخبرنا سيف، قال: وحدثنا سعيد بن عبيد، عن حريث بن المعلي: أن أول من كتب إلى النبي ص بخبر طليحة سنان بن أبي سنان، وكان على بني مالك؛ وكان قضاعي بن عمرو على بني الحارث.