حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي مليكة، قال: لما كان يوم الاثنين خرج رسول الله ص عاصبًا رأسه إلى الصبح؛ وأبو بكر يصلي بالناس؛ فلما خرج رسول الله ص تفرج الناس، فعرف أبو بكر أن الناس لم يفعلوا ذلك إلا لرسول الله ص، فنكص عن مصلاه، فدفع رسول الله في ظهره، وقال: صل بالناس. وجلس رسول الله إلى جنبه؛ فصلى قاعدًا عن يمين أبي بكر؛ فلما فرغ من الصلاة، أقبل على الناس وكلمهم رافعًا صوته حتى خرج صوته من باب المسجد؛ يقول: يأيها الناس، سعرت النار، وأقبلت الفتن كقطع الليل المظلم! وإني والله لا تمسكون على شيئًا؛ إني لم أحل لكم إلا ما أحل لكم القرآن، ولم أحرم عليكم إلا ما حرم عليكم القرآن. فلما فرغ رسول الله ص من كلامه، قال له أبو بكر: يا بني الله؛ إني أراك قد أصبحت بنعمة الله وفضله كما نحب، واليوم يوم ابنة خارجة، فآتيها. ثم دخل رسول الله ص وخرج أبو بكر إلى أهله بالسنح.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن يعقوب بن عتبة، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، قالت: رجع رسول الله ص في ذلك اليوم حين دخل من المسجد، فاضطجع في حجري، فدخل على رجل من آل بكر في يده سواك أخضر. قالت: فنظر رسول الله ص إلى يده نظرًا عرفت أنه يريده، فأخذته فمضغنه حتى ألنته، ثم أعطيته إياه؛ قالت: فاستن به كأشد ما رأيته يستن بسواك قبله، ثم وضعه؛ ووجدت رسول الله يثقل في حجري. قالت: فذهبت أنظر في وجهه، فإذا نظره قد شخص، وهو يقول: بل الرفيق الأعلى من الجنة! قالت: قلت: خيرت فاخترت والذي بعثك بالحق! قالت: وقبض رسول الله ص.
حدثنا ابن حميد، قال حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن يحيى بن عباد بن الزبير، عن أبيه عباد، قال: سمعت عائشة تقول: مات رسول الله ص بين سحري ونحري وفي دوري؛ ولم أظلم فيه أحدًا، فمن سفهى وحداثة سني أن رسول الله قبض وهو في حجري، ثم وضعت رأسه على وسادة؛ وقمت ألتدم مع النساء، وأضرب وجهي.
ذكر الأخبار الواردة باليوم الذي توفي فيه رسول الله ومبلغ سنه يوم وفاته

قال أبو جعفر: أما اليوم الذي مات فيه رسول الله ؛ فلا خلاف بين أهل العلم بالأخبار فيه أنه كان يوم الاثنين من شهر ربيع الأول، غير أنه اختلف في أي الأثانين كان موته ؟ فقال بعضهم في ذلك ما حدثت عن هشام بن محمد بن السائب، عن أبي مخنف، قال: حدثنا الصقعب بن زهير، عن فقهاء أهل الحجاز، قالوا: قبض رسول الله نصف النهار يوم الاثنين، لليلتين مضتا من شهر ربيع الأول، وبويع أبو بكر يوم الاثنين في اليوم الذي قبض فيه النبي .
وقال الواقدي: توفي يوم الاثنين لثنتى عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول، ودفن من الغد نصف النهار حين زاعت الشمس، وذلك يوم الثلاثاء.
قال أبو جعفر: توفي رسول الله وأبو بكر بالسنح وعمر حاضر. فحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، قال: لما توفي رسول الله قام عمر بن الخطاب، فقال: إن رجالًا من المنافقين يزعمون أن رسول الله توفي وأن رسول الله والله ما مات؛ ولكنه ذهب إلى ربه كما ذهب موسى بن عمران، فغاب عن قومه أربعين ليلة؛ ثم رجع بعد أن قيل قد مات؛ والله ليرجعن رسول الله فليقطعن أيدى رجال وأرجلهم يزعمون أن رسول الله مات.
قال: وأقبل أبو بكر حتى نزل على باب المسجد حين بلغه الخبر، وعمر يكلم الناس؛ فلم يلتفت إلى شيء حتى دخل على رسول الله ص في بيت عائشة؛ ورسول الله مسجى في ناحية البيت، عليه برد حبرة، فأقبل حتى كشف عن وجهه، ثم أقبل عليه فقبله، ثم قال: بأبي أنت وأمي! أما الموتة التي كتب الله عليك فقد ذقتها، ثم لن يصيبك بعدها موتة أبدًا. ثم رد الثوب على وجهه، ثم خرج وعمر يكلم الناس، فقال: على رسلك يا عمر! فأنصت، فأبى إلا أن يتكلم، فلما رآه أبو بكر لا ينصت أقبل على الناس، فلما سمع الناس كلامه أقبلوا عليه، وتركوا عمر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس؛ إنه من كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات؛ ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت. ثم تلا هذه الآية: " وما محمد إلا رسول قد خلت من فبله الرسل.. " إلى آخر الآية. قال: فو الله لكأن الناس لم يعلموا أن هذه الآية نزلت على رسول الله حتى تلاها أبو بكر يومئذ. قال: وأخذها الناس عن أبي بكر فإنما هي في أفواههم.
قال أبو هريرة: قال عمر: والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر يتلوها فعقرت حتى وقعت إلى الأرض؛ ما تحملني رجلاي، وعرفت أن رسول الله قد مات.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن مغيرة، عن أبي معشر زياد بن كليب، عن أبي أيوب، عن إبراهيم، قال: لما قبض النبي كان أبو بكر غائبًا، فجاء بعد ثلاث، ولم يجترئ أحد أن يكشف عن وجهه؛ حتى اربد بطنه؛ فكشف عن وجهه، وقبل بين عينيه، ثم قال: بأبي أنت وأمي! طبت حيًا وطبت ميتًا! ثم خرج أبو بكر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: من كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، ومن كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات. ثم قرأ: " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئًا وسيجزي الله الشاكرين ". وكان عمر يقول: لم يمت؛ وكان يتوعد الناس بالقتل في ذلك.
فاجتمع الأنصار في سقيفة بني ساعدة ليبايعوا سعد بن عبادة، فبلغ ذلك أبا بكر، فأتاهم ومعه عمر وأبو عبيدة بن الجراح، فقال: ما هذا؟ فقالوا: منا أمير ومنكم أمير، فقال أبو بكر: منا الأمراء ومنكمصالوزراء.
ثم قال أبو بكر: إني قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين: عمر أو أبا عبيدة، إن النبي جاءه قوم فقالوا: أبعث معنا أمينًا فقال: لأبعثن معكم أمينًا حق أمين؛ فبعث معهم أبا عبيدة بن الجراح؛ وأنا أرضى لكم أبا عبيدة. فقام عمر، فقال: أيكم تطيب نفسه أن يخلف قدمين قدمهما النبي ! فبايعه عمر وبايعه الناس، فقالت الأنصار - أو بعض الأنصار؛ لا نبايع إلا عليًا.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن مغيرة، عن زياد بن كليب، قال: أتى عمر بن الخطاب منزل علي وفيه طلحة والزبير ورجال من المهاجرين، فقال: والله لأحرقن عليكم أو لنخرجن إلى البيعة. فخرج عليه الزبير مصلتًا بالسيف، فعثر فسقط السيف من يده، فوثبوا عليه فأخذوه.
حدثنا زكرياء بن يحيى الضرير، قال: حدثنا أبو عوانة، قال: حدثنا داود بن عبد الله الأودي، عن حميد بن عبد الرحمن الحميري، قال: توفي رسول الله ص وأبو بكر في طائفة من المدينة، فجاء فكشف الثوب عن مجهه فقبله، وقال: فداك أبي وأمي! ما أطيبك حيًا وميتًا! مات محمد ورب الكعبة! قال: ثم انطلق إلى المنبر، فوجد عمر ابن الخطاب قائمًا يوعد الناس، ويقول: إن رسول الله ص حي لم يمت؛ وإنه خارج إلى من أرجف به، وقاطع أيديهم، وضارب أعناقهم، وصالبهم. قال: فنكلم أبو بكر، قال: أنصت. قال: فأبى عمر أن ينصت، فتكلم أبو بكر، وقال: إن الله قال لنبيه ص: " إنك ميت وإنهم ميتون ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون ". " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم.. "؛ حتى ختم الآية، فمن كان يعبد محمدًا فقد مات إلهه الذي كان يعبده، ومن كان يعبد الله لا شريك له، فإن الله حي لا يموت.