حدثنا السري، قال: أخبرنا شعيب، قال: حدثنا سيف - وحدثني عبيد الله، قال: أخبرنا عمي، قال: أخبرنا سيف - قال: أخبرنا المستنير ابن يزيد، عن عروة بن غزية الدثيني، عن الضحاك بن فيروز - قال السري: عن جشيش بن الديلمى، وقال عبيد الله: عن جشنس بن الديلمي - قال: قدم علينا وبر بن يحنس بكتاب النبي ، يأمرنا فيه بالقيام على ديننا، والنهوض في الحرب، والعمل في الأسود: إما غيلة وإما مصادمة؛ وأن نبلغ عنه من رأينا أن عنده نجدة ودينًا. فعلمنا في ذلك، فرأينا أمرًا كثيفًا، ورأيناه قد تغير لقيس بن عبد يغوث - وكان على جنده - فقلنا: يخاف على دمه؛ فهو لأول دعوة؛ فدعوناه وأنبأناه الشأن، وأبلغناه عن النبي ؛ فكأنما وقعنا عليه من السماء، وكان في غم وضيق بأمره؛ فأجابنا إلى ما أحيينا من ذلك، وجاءنا وبر بن يحنس، وكاتبنا الناس ودعوناهم؛ وأخبره الشيطان بشيء، فأرسل إلى قيس وقال: يا قيس، ما يقول هذا؟ قال: وما يقول؟ قال: يقول: عمدت إلى قيس فأكرمته؛ حتى إذا دخل منك كل مدخل، وصار في العز مثلك، مال ميل عدوك؛ وحاول ملكك وأضمر على الغدر؟ إنه يقول: يا أسود يا أسود؟! يا سوءة يا سوءة! اقطف قنته، وخذ من قيس أعلاه؛ وإلا سلبك أو قطف قنتك. فقال قيس - وحلف به: كذب وذي الخمار؛ لأنت أعظم في نفسي وأجل عندي من أن أحدث بك نفسي؛ فقال: ما أجفاك! أتكذب الملك! قد صدق الملك؛ وعرفت الآن أنك تائب مما اطلع عليه منك.
ثم خرج فأتانا، فقال: يا جشيش، ويا فيروز، وياداذويه؛ إنه قد قال وقلت؛ فما الرأى؟ فقلنا: نحن على حذر؛ فإنا في ذلك؛ إذ أرسل إلينا، فقال: ألم أشرفكم على قومكم، ألم يبلغنى عنكم! فقلنا: أقلنا مرتنا هذه، فقال: لا يبلغنى عنكم فأقتلكم؛ فنجونا ولم نكد؛ وهو في ارتياب من أمرنا وأمر قيس؛ ونحن في ارتياب وعلى خطر عظيم؛ إذ جاءنا اعتراض عامر ابن شهر وذي زود وذي مران وذي الكلاع وذي ظليم عليه، وكاتبونا وبذلوا لنا النصر؛ وكاتبناهم وأمرناهم ألا يحركوا شيئًا حتى نبرم الأمر - وإنما اهتاجوا لذلك حين جاء كتاب النبي ؛ وكتب النبي إلى أهل نجران؛ إلى عربهم وساكني الأرض من غير العرب؛ فثبتوا فتنحوا وانضموا إلى مكان واحد - وبلغه ذلك، وأحسن بالهلاك، وفرق لنا الرأى. فدخلت على آذاذ؛ وهي امرأته، فقلت: يا ابنة عم؛ قد عرفت بلاء هذا الرجل عند قومك؛ قتل زوجك، وطأطأ في قومك القتل، وسفل بمن بقي منهم؛ وفضح النساء؛ فهل عندك من ممالأة عليه! فقالت: على أي أمره؟ قلت: إخراجه، قالت: أو قتله، قلت: أو قتله، قالت: نعم والله ما خلق الله شخصًا أبغض إلى منه؛ ما يقوم لله على حق، ولا ينتهي له عن حرمة؛ فإذا عزمتم فأعلموني أخبركم بمأتى هذا الأمر. فأخرج فإذا فيروز وداذويه ينتظراني، وجاء قيس ونحن نريد أن نناهضه، فقال له رجل قبل أن يجلس إلينا: الملك يدعوك، فدخل في عشرة من مذحج وهمدان، فلم يقدر على قتله معهم - قال السري في حديثه: فقال: يا عيهلة بن كعب بن غوث، وقال عبيد الله في حديثه: يا عبهلة بن كعب بن غوث - أمنى تحصن بالرجال! ألم أخبرك الحق وتخبرني الكذابة! إنه يقول: يا سوءة يا سوءة! إلا تقطع من قيس يده يقطع قنتك العليا؛ حتى ظن أنه قاتله؛ فقال: إنه ليس من الحق أن أقتلك وأنت رسول الله، فمر بي بما أحببت؛ فأما الخوف والفزع فأنا فيهما مخافة أن تقتلني - قال الزهري: فإما قتلتني فموتة، وقال السري: اقتلني فموتة أهون على من موتات أموتها كل يوم - فرق له فأخرجه، فخرج علينا فأخبرنا وواطأنا، وقال: اعلموا عملكم؛ وخرج علينا في جمع، فقمنا مثولا له، وبالباب مائة ما بين بقرة وبعير، فقام وخط خطًا فأقيمت من ورائه، وقام من دونها، فنحرها غير محبسة ولا معقلة، ما يقنحم الخط منها شيء، ثم خلاها فجالت إلى أن زهقت؛ فما رأيت أمرًا كان أفظع منه، ولا يومًا أوحش منه. ثم قال: أحق ما بلغني عنك يا فيروز؟ وبوأ له الحربة - لقد هممت أن أنحرك فأتبعك هذه البهيمة، فقال: اخترتنا لصهرك وفضلتنا على الأبناء؛ فلو لم تكن نبيًا ما بعنا نصيبنا منك بشيء؛ فكيف وقد اجتمع لنا بك أمر آخرة ودنيا؛ لا تقبلن علينا أمثال ما يبلغك؛ فإنا بحيث تحب. فقال: اقسم هذه؛ فأنت أعلم بمن ها هنا، فاجتمع إلى أهل صنعاء، وجعلت آمر للرهط بالجزور ولأهل البيت بالبقرة، ولأهل الحلة بعدة، حتى أخذ أهل كل ناحية بقسطهم. فلحق به قبل أن يصل إلى داره - وهو واقف على - رجل يسعى إليه بفيروز؛ فاستمع له، واستمع له فيروز وهو يقول: أنا قاتله غدًا وأصحابه؛ فاغد علي، ثم التفت فإذا به، فقال: مه! فأخبره بالذي صنع، فقال: أحسنت، ثم ضرب دابته داخلًا، فرجع إلينا فأخبرنا الخبر، فأرسلنا إلى قيس؛ فجاءنا؛ فأجمع ملؤهم أن أعود إلى المرأة فأخبرها بعزيمتنا لتخبرنا بما تأمر؛ فأتيت المرأة وقلت: ما عندك؟ فقالت: هو متحرز متحرس؛ وليس من القصر شيء إلا والحرس محيطون به غير هذا البيت؛ فإن ظهره إلى مكان كذا وكذا من الطريق؛ فإذا أمسيتم فانقبوا عليه؛ فإنكم من دون الحرس؛ وليس دون قتله شيء. وقالت: إنكم ستجدون فيه سراجًا وسلاحًا. فخرجت فتلقاني الأسود خارجًا من بعض منازله، فقال لي: ما أدخلك علي؟ ووجأ رأسي حتى سقطت - وكان شديدًا وصاحت المرأة فأدهشته عني؛ ولولا ذلك لقتلني. وقالت: ابن عمي جاءني زائرًا، فقصرت بي! فقال: اسكتي لا أبا لك، فقد وهبته لك! فتزايلت عني، فأتيت أصحابي فقلت: النجاء! الهرب! وأخبرتهم الخبر؛ فإنا على ذلك حيارى إذ جاءني رسولها: لا تدعن ما فارقتك عليه؛ فإني لم أزل به حتى اطمأن؛ فقلنا لفيروز: ائتها فتثبت منها؛ فإما أنا فلا سبيل لي إلى الدخول بعد النهي. ففعل، وإذا هو كان أفطن مني؛ فلما أخبرته قالت: وكيف ينبغي لنا أن ننقب على بيوت مبطنة! ينبغي لنا أن نقلع بطانة البيت؛ فدخلا فاقتلعا البطانة، ثم أغلقاه؛ وجلس عندها كالزائر؛ فدخل عليها الأسود فاستخفته غيرة، وأخبرته برضاع وقرابة منها عنده محرم، فصاح به وأخرجه. وجاءنا بالخبر؛ فلما أمسينا عملنا في أمرنا؛ وقد واطأنا أشياعنا، وعجلنا عن مراسلة الهمدانيين والحميريين؛ فنقبنا البيت من خارج، ثم دخلنا وفيه سراج تحت جفنة؛ واتقينا بفيروز؛ وكان أنجدنا وأشدنا - فقلنا: انظر ماذا ترى! فخرج ونحن بينه وبين الحرس معه في مقصورة؛ فلما دنا من باب البيت سمع غطيطًا شديدًا، وإذا المرأة جالسة؛ فلما قام على الباب أجلسه الشيطان فكلمه على لسانه - وإنه ليغط جالسًا. وقال أيضًا: مالي ولك يا فيروز! فخشى إن رجع أن يهلك وتهلك المرأة، فعاجله فخالطه وهو مثل الجمل؛ فأخذ برأسه فقتله، فدق عنقه، ووضع ركبته في ظهره فدقه، ثم قام ليخرج؛ فأخذت المرأة بثوبه وهي ترى أنه لم يقتله، فقالت: أين تدعني! قال: أخبر أصحابي بمقتله؛ فأتانا فقمنا معه؛ فأردنا حز رأسه؛ فحركه الشيطان فاضطرب فلم يضبطه؛ فقلت: اجلسوا على صدره؛ فجلس اثنان على صدره، وأخذت المرأة بشعره، وسمعنا بربرة فألجمته بمئلاة؛ وأمر الشفرة على حلقه فخار كأشد خوار ثور سمعته قط؛ فابتدر الحرس الباب وهم حول المقصورة، فقالوا: ما هذا، ما هذا! فقالت المرأة: النبي يوحى إليه! فخمد. ثم سمرنا ليلتنا ونحن نأتمر كيف نخبر أشياعنا، ليس غيرنا ثلاثتنا: فيروز وداذويه وقيس؛ فاجتمعنا على النداء بشعارنا الذي بيننا وبين أشياعنا، ثم ينادى بالأذان، فلما طلع الفجر نادى داذويه بالشعار، ففزع المسلمون والكافرون، وتجمع الحرس فأحاطوا بنا، ثم ناديت بالأذان، وتوافت خيولهم إلى الحرس، فناديتهم: أشهد أن محمدًا رسول الله؛ وأن عبهلة كذاب! وألقينا إليهم رأسه، فأقام وبر الصلاة، وشنها القوم