حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: قال مجاعة لخالد ما قال إذ قال له: فهلم لأصالحك عن قومي لرجل قد نهكته الحرب، وأصيب معه من أشراف الناس من أصيب؛ فقد رق وأحب الدعة والصلح. فقال: هلم لأصالحك، فصالحه على الصفراء والبيضاء والحلقة ونصف السبي. ثم قال: إني آتى القوم فأعرض عليهم ما قد صنعت. قال: فانطلق إليهم، فقال للنساء: البسن الحديد ثم أشرفن على الحصون، ففعلن. ثم رجع إلى خالد، وقد رأى خالد الرجال فيما يرى على الحصون عليهم الحديد. فلما انتهى إلى خالد، قال: أبوا ما صالحتك عليه، ولكن إن شئت صنعت لك شيئًا، فعزمت على القوم. قال: ما هو؟ قال: تأخذ منى ربع السبي وتدع ربعًا. قال خالد: قد فعلت، قال: قد صالحتك، فلما فرغا فتحت الحصون، فإذا ليس فيها إلا النساء والصبيان، فقال خالد لمجاعة: ويحك خدعتني! قال: قومي، ولم أستطع إلا ما صنعت.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن سهل بن يوسف، قال: قال مجاعة يومئذ ثانية: إن شئت أن تقبل مني نصف السبي والصفراء والبيضاء والحلقة والكراع عزمت وكتبت الصلح بيني وبينك. ففعل خالد ذلك، فصالحه على الصفراء والبيضاء والحلقة والكراع وعلى نصف السبي وحائط من كل قرية يختاره خالد، ومزرعة يختارها خالد. فتقاضوا على ذلك، ثم سرحه، وقال: أنتم بالخيار ثلاثًا؛ والله لئن تتموا وتقبلوا لأنهدن إليكم، ثم لا أقبل منكم خصلة أبدًا إلا القتل. فأتاهم مجاعة فقال: أما الآن فاقبلوا، فقال سلمة بن عمير الحنفى: لا والله لا نقبل؛ نبعث إلى أهل القرى والعبيد فنقاتل ولا نقاضى خالدًا، فإن الحصون حصينة والطعام كثير، والشتاء قد حضر. فقال مجاعة: إنك امرؤ مشئوم، وغرك أني خدعت القوم حتى أجابوني إلى الصلح، وهل بقي منكم أحد فيه خير، أو به دفع! وإنما أنا بادرتكم قبل أن يصيبكم ما قال شرحبيل بن مسيلمة، فخرج مجاعة سابع سبعة حتى أتى خالدا، فقال: بعد شد مارضوا؛ اكتب كتابك، فكتب: هذا ما قاضى عليه خالد بن الوليد بن مجاعة بن مرارة وسلمة بن عمير وفلانا وفلانا؛ قاضاهم على الصفراء والبيضاء ونصف السبي والحلقة والكراع وحائط من كل قرية؛ ومزرعة؛ على أن يسلموا. ثم أنتم آمنون بأمان الله؛ ولكم ذمة خالد بن الوليد وذمة أبي بكر خليفة رسول الله ، وذمة المسلمين على الوفاء.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن طلحة، عن عكرمة، عن أبي هريرة، قال: لما صالح خالد مجاعة؛ صالحه على الصفراء والبيضاء والحلقة وكل حائط رضانا في كل ناحية ونصف المملوكين. فأبوا ذلك، فقال خالد: أنت بالخيار ثلاثة أيام، فقال سلمة بن عمير: يا بني حنيفة، قاتلوا عن أحسابكم، ولا تصالحوا على شئ، فإن الحصن حصين، والطعام كثير وقد حضر الشتاء. فقال مجاعة: يا بني حنيفة، أطيعوني واعصوا سلمة، فإنه رجل مشئوم، قبل أن يصيبكم ما قال شرحبيل بن مسيلمة ((قبل أن تستردف النساء غير رضيات، وينكحن غير خطيبات)). فأطاعوه وعصوا سلمة، وقبلوا قضيته. وقد بعث أبو بكر رضي الله عنه بكتاب إلى خالد مع سلمة بن سلامة بن وقش، يأمره إن ظفره الله عز وجل أن يقتل من جرت عليه المواسى من بني حنيفة، فقدم فوجده قد صالحهم، فوفى لهم، وتم على ما كان منه، وحشرت بنو حنيفة إلى البيعة والبراءة مما كانوا عليه إلى خالد، وخالد في عسكره؛ فلما اجتمعوا قال سلمة بن عمير لمجاعة: استأذن لي على خالد أكلمه في حاجة له عندي ونصيحة - وقد أجمع أن يفتك به - فكلمه فأذن له، فأقبل سلمة بن أمير، مشتملًا على السيف يريد ما يريد، فقال: من هذا المقبل؟ قال مجاعة: هذا الذي كلمتك فيه، وقد أذنت له، قال: أخرجوه عني؛ فأخرجوه عنه، ففتشوه فوجدوا معه السيف، فلعنوه وشتموه وأوثقوه، وقالوا: لقد أردت أن تهلك قومك، وايم الله ما أردت إلا أن تستأصل بنو حنيفة، وتسبى الذرية والنساء؛ وايم الله لو أن خالدًا علم أنك حملت السلاح لقتلك، وما نأمنه إن بلغه ذلك أن يقتلك وأن يقتل الرجال ويسبي النساء بما فعلت؛ ويحسب أن ذلك عن ملإ منا. فأوثقوه وجعلوه في الحصن؛ وتتابع بنو حنيفة على البراء مما كانوا عليه، وعلى الإسلام، وعاهدهم سلمة على ألا يحدث حدثًا ويعفوه، فأبوا ولم يثقوا بحمقه أن يقبلوا منه عهدًا، فأفلت ليلًا؛ فعمد إلى عسكر خالد، فصاح به الحرس، وفزعت بنو حنيفة، فاتبعوه فأدركوه في بعض الحوائط، فشد عليهم بالسيف؛ فاكتنفوه بالحجارة، وأجال السيف على حلقه فقطع أوداجه، فسقط في بئر فمات.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن الضحاك بن يربوع، عن أبيه، قال: صالح خالد بني حنيفة جميعًا إلا ما كان بالعرض والقرية فإنهم سبوا عند انبثات الغارة، فبعث إلى أبي بكر ممن جرى عليه القسم بالعرض والقرية من بني حنيفة أو قيس بن ثعلبة أو يشكر، خمسمائة رأس.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، قال: ثم إن خالدًا قال لمجاعة: زوجني ابنتك، فقال له مجاعة: مهلًا، إنك قاطع ظهري وظهرك معي عند صاحبك. قال: أيها الرجل، زوجني؛ فزوجه؛ فبلغ ذلك أبا بكر، فكتب إليه كتابًا يقطر الدم: لعمري يا بن أم خالد، إنك لفارغ تنكح النساء وبفناء بيتك دم ألف ومائتى رجل من المسلمين لم يجفف بعد! قال: فلما نظر خالد في الكتاب جعل يقول: هذا عمل الأعيسر - يعنى عمر بن الخطاب - وقد بعث خالد بن الوليد وفدًا من بني حنيفة إلى أبي بكر، فقدموا عليه، فقال لهم أبو بكر: ويحكم! ما هذا الذي استزل منكم ما استزل! قالوا: يا خليفة رسول الله؛ قد كان الذي بلغك مما أصابنا كان أمرًا لم يبارك الله عز وجل له ولا لعشيرته فيه، قال: على ذلك، ما الذي دعاكم به! قالوا: كان يقول: ((يا ضفدع نقي نقي، لا الشارب تمنعين، ولا الماء تكدرين؛ لنا نصف الأرض، ولقريش نصف الأرض؛ ولكن قريشًا قوم يعتدون)).
قال أبو بكر: سبحان الله! ويحكم! إن هذا لكلام ما خرج من إل ولا بر، فأين يذهب بكم! فلما فرغ خالد بن الوليد من اليمامة - وكان منزله الذي به التقى الناس أباض؛ واد من أودية اليمامة. ثم تحول إلى واد من أوديتها يقال له الوبر - كان منزله بها.
ذكر خبر أهل البحرين وردة الحطم ومن تجمع معه بالبحرين

قال أبو جعفر: وكان فيما بلغنا من خبر أهل البحرين وارتداد من ارتد منهم ما حدثنا عبيد الله بن سعد، قال: أخبرنا عمي يعقوب بن إبراهيم، قال: أخبرنا سيف، قال: خرج العلاء بن الحضرمي نحو البحرين؛ وكان من حديث البحرين أن النبي والمنذر بن ساوى اشتكيا في شهر واحد، ثم مات المنذر بعد النبي بقليل، وارتد بعده أهل البحرين، فأما عبد القيس ففاءت، وأما بكر فتمت على ردتها؛ وكان الذي ثنى عبد القيس الجارود حتى فاءوا.