ذكر خبر حضرموت في ردتهم

قال أبو جعفر: كتب إلى السري، عنشعيب، عنسيف، عن سهل بن يوسف، عن الصلت، عن كثير بن الصلت، قال: مات رسول الله وعماله على بلاد حضرموت: زياد بن لبيد البياض على حضرموت. وعكاشة بن محض على السكاسك والسكون، والمهاجر على كندة - وكان بالمدينة لم يكن خرج حتى توفي رسول الله ، فبعثه أبو بكر بعد إلى قتال من باليمن والمضي بعد إلى عمله.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن أبي السائب، عطاء ابن فلان المخزومي، عن أبيه عن أم سلمة والمهاجرين أبي أمية، أنه كان تخلف عن تبوك، فرجع رسول الله وهو عليه عاتب؛ فبينا أم سلمة تغسل رأس رسول الله ، قالت: كيف ينفعني شئ وأنت عاتب على أخي! فرأت منه رقة؛ فأومأت إلى خادمها؛ فدعته، فلم يزل برسول الله ينشر عذره حتى عذره ورضى عنه وأمره على كندة. فاشتكى ولم يطق الذهاب؛ فكتب إلى زياد ليقوم له على عمله: وبرأ بعد، فأتم له أبو بكر إمرته، وأمره بقتال من بين نجران إلى أقصى اليمن؛ ولذلك أبطأ زياد وعكاشة عن مناجرة كندة انتظارًا له كتب إلى السري، عن شعيب، عن سيف، عن سهل بن يوسف، عن القاسم بن محمد؛ قال: كان سبب ردة كندة إحابتهم الأسود العنسى حتى لعن رسول الله الملوك الأربعة، وأنهم قبل ردتهم حين أسلموا وأسلم أهل بلاد حضرموت كلهم أمر رسول الله بما يوضع من الصدقات أن يوضع صدقة بعض حضرموت في السكون والسكون في بعض حضرموت. فقال نفر من بني وليعة: يا رسول الله، إنا لسنا بأصحاب إبل؛ فإن رأيت أن يبعثوا إلينا بذلك على ظهر! فقال: إن أنتكم! قالوا: فإنغ ننظر، وجاء ذلك الإبان، دعا زياد الناس إلى ذلك، فحضروه فقالت بنو وليعة: أبلغونا كما وعدتم رسول الله فقالوا: إن لكم ظهرًا، فهملوا فاحتملوا، ولا حوهم؛ حتى لاحوا زيادا؛ وقالوا له: أنت معهم علينا. فأبى الحضرميون، ولج الكنديون، فرجعوا إلى دارهم، وقدموا رجلً وأخروا أخرى، وأمسك عنهم زياد انتظارًا للمهاجر؛ فلما قدم المهاجر صنعاء، كتب إلى أبي بكر بكل الذي صنع، وأقام حتى قدم عليه جواب كتابه من قبل أبي بكر؛ فكتب إليه أبو بكر وإلى عكرمة، أن يسيرا حتى يقدما حضرموت، وأقر زيادًا على علمه، وأذن لمن معك من بين مكة واليمن في القفل؛ إلا أن يؤثر قوم الجهاد. وأمده بعبيده ابن سعد. ففعل؛ فسار المهاجر من صنعاء يريد حضرموت، وسار عكرمة من أبين يريد حضرموت، فاتقيا بمأرب؛ ثم فوزا من صهيد؛ حتى اقتحما حضرموت، فنزل أحدهما على الأشعث والآخر علة وائل.
كتب إلى السى، عن شعيب عن سيف عن سهل بن يوسف، عن سهيل بن يوسف، عن أبيه، عن كثير بن الصلت؛ قال: وكان زياد بن لبيد حين رجع الكنديون ولجوا ولج الحضرميون، ولى صدقات بني عمرو بم معاوية بنفسه، فقدك عليهم وهم بالرياض، فصدق أول من انتهى إليه منهم؛ وهو غلام، يقال له شيطان بن حجر؛ فأعجبته بكرة من الصدقة، فدعا بنار فوضع عليها الميسم، وإذا الناقة لأخي الشيطان العداء بن حجر، وليست عليه صدقة، وكان أخوه قد أوهم حين أخرجها وظنها غيرها؛ فقال العداء: هذه شذرة بإسمها؛ فقال الشيطان: صدق أخي؛ فإني لم أعطوكموها إلا وأنا أراها غيرها؛ فأطلق شذرة وخذ غيرها، فإ، ها غير متروكة. فرأى زياد أن ذلك منه اعتلال، واتهمه بالكفر ومباعدة الإسلام وتحري الشر. فحمى وحمى الرجلان، فقال زياد: لا ولا تنعم؛ ولا هي لك؛ لقد وقع عليها ميسم الصدقة وصارت في حق الله، ولا سبيل إلى ردها، فلا تكونن شذرة عليكم كالبسوس؛ فنادى العداء: يا آل عمرو، بالرياض أضام وأضهد! إن الذليل من أكل في داره! ونادى: يا أبا السميط، فأقبل أبو السميط حارثة بن سراقة بن معد يكرب؛ فقصد لزياد بن لبيد وهو واقف، فقال: أطلق لهذا الفتى بكرته، وخذ بعيرًا مكانها، فإ، ما بعير مكان بعير، فقال: مكا إلى ذلك سبيل! فقال: ذاك إذا كنت يهوديًا! وعاج إليها، فأطلق عقالها، ثم ضرب على جنبها؛ فبعثها وقام دونها، وهو يقوا:
يمنعها شيخ بخديه الشيب ** ملمع كما يلمع الثوب
فأمر به زياد شبابًا من حضرموت والسكون، فمبعثره وتوطئوه، وكتفوه وكتفوا أصحابه، وارتهنوهم، وأخذوا البكرة فعقلوها كمات انت؛ وقال زياد ابن لبيد في ذلك:
لم يمنع الشذرة أركوب ** والشيخ قد يثنيه أرجوب
وتصايح أهل الرياض وتنادوا، وغضبت بنو معاوية لحارثة، وأظهروا أمرهم، وغضبت السكون لزياد، وغضبت له حضرموت، وقاموا جميعًا دونه. وتوافى عسكران عظيمان من هؤلاء وهؤلاء؛ لا تحدث بنو معاوية لمكان أسرئهم شيئًا، ولا يجد أصحاب زياد على بني معاوية سبيلًا يتعقلون به عليهم؛ فأرسل إليهم زياد: إما أن تصعوا السلاح، وإما أن تؤذنوا بحرب؛ فقالوا: لا نضع السلاح أبدًا حتى ترفضوا وأنتم صغرة قمأة. يا أخابث الناس، ألستم سكان حضرموت وجيران السكون! فما عسيتم أن تكونوا وتصنعوا في دار حضرموت؛ وفي جنوب مواليكم! وقالت له السكون: ناهد القوم، فإنه لا يفطمهم إلا ذلك، فنهد إليهم ليلًا، فقتل منهم، وكاروا عباديد، وتمثل زياد حين أصبح في عسكرهم:
وكنت امرأ لا أبعث الحرب ظالمًا ** فلما أبوا سامحت في حرب حاطب
ولما هرب القوم خلى عن النفر الثلاثة؛ ورجع زياد إلى منزله على الظفر. ولما رجع الأسراء إلى أصحابهم ذمروهم فتذامروا، وقالوا: لا تصلح البلدة علينا وعلى هؤلاء حتى تخلو لأحد الفريقين. فأجمعوا وعسكروا جميعًا، ونادوا بمنع الصدقة، فتركهم زياد لم يخرج إليهم، وبين زياد وحضرموت والسكون حتى سكن بعضهم عن بعض؛ وهذه النفرة الثانية، وقال السكوني في ذلك:
لعمري وما عمري بعرضة جانب ** ليجتلبن منها المرار بنو عمرو
كذبتم وبيت الله لا تمنعونها ** زيادًا، وقد جئنا زيادًا على قدر
فأقاموا بعد ذلك يسيرًا. ثم أن بني عمرو بن معاوية خصوصًا خرجوا إلى المحاجر، إلى أحماء ححكوها، فنزل جمد محجرًا، ومخوص محجرًا، ومشرح محجرًا، وأبضعة محجرًا، وأختهم العمردة محجرًا - وكانت بنو عمرو بن معاوية على هؤلاء الرؤساء - ونزلت بنو الحارث بن معاوية محاجرها، فنزل الأشعث بن قيس محجرًا، والسمط بن الأسود محجرًا وكابقت معاوية كلها على منع الصدقة، وأجمعوا على الردة إلا ما كان من شرحبيل بن السمط وابنه، فإنهما قاما في بني معاوية، فقالا: والله إن هذا لقبيح بأقوام أحرار التنقل؛ إن الكرام ليكونون على الشبهة فيتكرمون أن يتنقلوا منها إلى أوضح منها مخافة العار؛ فكيف بالرجوع عن الجميل وعن الحق إلى الباطل والقبيح! اللهم إنا لا نمالئ قومنا على هذا، وإنا لنادمون على مجامعتهم إلى يومنا هذا - يعني يوم البكرة ويوم النفرة - وخرج ابن صالح وامرؤ القيس بن عابس؛ حتى أتيا زيادًا، فقالا له: بيت القوم، فإن أقوامًا من السكاسك قد انضموا إليهم، وقد تسرع إليهم قوم من السكونوشذاذ من حضرموت، لعلنا نوقع بهم وقعة تورث بيننا عداوة، وتفرق بيننا؛ وإن أبيت خشينا أن يرفض الناس عنا إليهم؛ والقوم غارون لمكان من أتاهم، راجون لمن بقي. فقال: شأنكم. فجمعوا جمعهم، فطرقوهم في محاجرهم، فوجودوهم حول نيرانهم جلوسًا، فعرفوا من يريدون، فأكبوا على بني عمرو بن معاوية؛ وهم عدد القوم وشوكتهم، من خمسة أوجه في خمس فرق، فأصابوا مشرحًا ومخوصًا وجمدًا وأبضعة وأختهم العمردة أدركتهم اللعنة، وقتلوا فأكثروا، وهرب من أطاق الهرب، ووهنت بنو عمرو بن معاوية، فلم يأتوا بخير بعدها، وانكفأ زياد بالسبى والأموال، وأخذوا طريقًا يفضي بهم إلى عسكر الأشعث وبني الحارث بن معاوية؛ فلما مروا بهم فيه استغاث نسوة بني عمرو بن معاوية ببني الحارث وناديته: يا أشعث، يا أشعث! خلاتك خالاتك! فثار في بني الحارث فتنقذهم - وهذه الثالثة - وقال الأشعث: